د. فايز أبو شمالة
العميد “هرتسي هاليفي” قائد سلاح المظليين في الجيش الإسرائيلي، كان أخر المتحدثين عن دور العملاء في الحرب على غزة، قال: كنا نتلقى من العملاء معلومات دقيقة، وتوصيفات تشير إلى الأماكن المفخخة بجوار عامود الكهرباء، أو خلف شجرة التوت، وقد نجحت دباباتنا بتفادي حقول الألغام الكثيرة، والفضل للعملاء.
إذا كان ذلك صحيحاً، وجاء تحرك الدبابات الإسرائيلية وفق معلومات دقيقة إلى الحد الذي ذكره العميد الإسرائيلي، فلماذا اعتمد الجيش سياسة الأرض المحروقة؟ هل هي طبيعة الجيش الإرهابي الذي تعمد التدمير رغم معرفته بالأماكن المفخخة، أم أن العميد “هرتسي هاليفي” يكذب، ويشن حرباً نفسية ضد الشعب الفلسطيني، ليشيع عن كثرة العملاء بينهم، وأن الفلسطينيين ضعفاء النفس، ذوي طباع سيئة، رخيصي الثمن، خائنين لأهلهم مقابل وجبة طعام “مجدرة”، أو مقابل مساومتهم على العلاج الطبي؟.
إنه عزف إسرائيلي منغم لا يهدف إلى الحط من قدر الفلسطيني الذي ارتفع بالمقاومة فحسب، وإنما يهدف إلى رفع معنوية اليهودي في الدولة العبرية، وقد أمسوا يرتجفون من مستقبل دولتهم، وباتوا يحتقرون جيشهم الذي فشل في دخول غزة، لتبدأ وسائل الإعلام الإسرائيلية التركيز على دور العملاء الفلسطينيين وكأنها تؤكد على نجاح الاستخبارات، وبالتالي الانتصار على غزة. لقد تجاوزت تصريحات الضباط، والقادة العسكريين حد الإعلام، لتدخل في إطار الحرب النفسية، ولاسيما وهي تدعي وجود خلاف بين قيادة الجيش وقيادة الاستخبارات بسبب اكتشاف عدد من العملاء الفلسطينيين.
أي استخفاف بالعقل العربي هذا يا إسرائيل؟ لو كانت المخابرات إلى هذا الحد من الذكاء، وتجنيد العملاء، فلماذا لم تتعرف على مكان “جلعاد شليط” بعد ثلاثة سنوات من أسره؟ ولماذا لم تعرف مكان الزهار، وهنية، وباقي قيادة حماس المطلوبة رؤوسهم؟ ولماذا لم تكتشف مناطق إطلاق الصواريخ على مغتصبة عسقلان، وبئر السبع؟ ولماذا لم تكتشف مكان قيادي واحد من كتائب القسام؟ لقد وصل الإفلاس بالمخابرات الإسرائيلية أن حلقت الطائرات، وتحركت السفن الحربية، واستنفر الرصد، ودوت القذاف ليلاً في خان يونس، فإذا المستهدف شاباً في العشرين من العمر [سالم حميد أبو موسى] ولدى حماس مئة ألف سالم، فأين هو بنك الأهداف، وأماكن تصنيع، وتسليح حماس؟ وأين البيوت، والأماكن المفخخة، لماذا لم تقصف؟ إنه إفلاس الدولة العبرية، وإفلاس جيشها، ومخابراتها، وكل أجهزتها الأمنية.
اليهودي “شفتاي كلمنوفتش” كان يأتي مع لوحة الشطرنج، ويجلس في الممر، وأجلس أنا داخل غرفة سجن مستشفى الرملة، ونلعب الشطرنج من خلال القضبان الفاصل بين السجناء اليهود والعرب، وبعد فترة من التقارب الإنساني عرفت أنه شخصية سياسية مرموقة داخل المجتمع الإسرائيلي، وانه متهم بالتجسس لصالح الاتحاد السوفيتي، وأنه مليونير، وله حسابات مالية في عشرات الدول، وهو نافذ داخل إدارة سجن الرملة، ويسألني إن كنت في حاجة لأي مساعدة. يومها لم أصدقه كثيراً رغم كومة المجلات والصحف العبرية التي كتبت عنه. ولكن بعد سنوات سمعت في الأخبار العبرية عن محاكمة ضابط أمن سجن الرملة بسبب تقديمه تسهيلات حياتيه بكل أشكالها للسجين “شفتاي كلمونوفتش” مقابل المال، ورعاية السجين لابن ضابط أمن السجن الذي يدرس في جنوب أفريقا.
الخيانة، والتجسس، والعمالة موجودة في شعوب الأرض على مر التاريخ، والشعب الفلسطيني انتصر بالمقاومة التي لن ينقص شأنها عدد ضئيل من العملاء.