بقلم: محمد أبو علان
خيراً فعل الاتحاد الأوروبي عندما أعلن عن “جائزة سمير قصير لحرية الإعلام” وتشكل هذه الخطوة رسالة واضحة لكل أولئك الذين يرفضون الحياة الديمقراطية، ويعتبرون حرية الرأي والتعبير للسياسي أو الصحفي وحتى للمواطن العادي خطراً على وجودهم، بالتالي جعلوا من عمليات الاغتيال والقتل المنطق والأسلوب الوحيد لهم للحفاظ على وجودهم وتحقيق مصالحهم السياسية والشخصية عبر هذه الوسائل المرفوضة وغير المشروعة.
لكن الموقف الأوروبي يبقي منقوصاً كعادته، فليس من حقه أن يتعامل مع عمليات القتل والاغتيال من منظور مصالحه السياسية فقط، بل عليه التعامل على أساس العدل والمساواة بين بني البشر كافه، لا يفرق بين دمٍ ودم، ولا بين شخص وشخص، فقبل اغتيال الصحفي “سمير قصير” قتل العشرات من الصحفيين سواء كان ذلك في العالم العربي أو في غيره من أرجاء هذا العالم مترامي الأطراف، فإن كان الاتحاد الأوروبي معني فعلاً بحماية الصحافيين والدفاع عنهم، وحريص على حرية الرأي والتعبير كان عليه أيضاً الوقوف ضد قتل الصحفيين في كل من فلسطين والعراق، وليس اتخاذ المواقف في هذا المجال من منطلقات سياسية بحته كما هو الأمر في موضوع اغتيال الصحفي سمير قصير، والسؤال هنا هل كان الصحفي “سمير قصير” سيحظى بهذا الاهتمام الأوروبي لو لم يكن لبنانياً، وسقط في مرحلة توتر العلاقات الأوروبية – السورية ؟، الجواب بالتأكيد لا.
بكلمات أكثر وضوحاً تعتبر جائزة “سمير قصير” جائزة سياسية بامتياز وليست جائزة إعلامية ذات أهداف مهنية نبيلة، وهذا الكلام ليس من باب التجني على أحد، ولا من باب الآراء المسبقة، بل مواقف القائمين على الجائزة (دول الاتحاد الأوروبي) هي التي تؤكد وبشكل مطلق موقفنا هذا، فموقفهم يُتخذ حسب القاتل أو المتهم بالقتل وليس بناءً على من هو المقتول.
كما أن الاتحاد الأوروبي لا يفوت فرصة سياسية كانت أم إعلامية إلا ويحاول خدمة دولة الاحتلال الإسرائيلي فيها من خلال برامجه التطبيعية ذات الصبغة الشرق الأوسطية، وهذا ما فعله في “جائزة سمير قصير لحرية الإعلام” عبر جعل دولة الاحتلال وإعلامييها شركاء في هذه المسابقة، فكيف يمكن الشراكة مع إعلاميين إسرائيليين يروجون ويبررون قتل الشيوخ والنساء والأطفال في فلسطين؟، أم أن القتل عندما يطال الشعوب العربية بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص يصبح مشروعاً من المنظور الأوروبي خاصة إن كان القائل إسرائيلياً أو أمريكياً .
في بغداد وفي شهر آب 2003 استشهد المصور الصحفي الفلسطيني “مازن دعنا” بطلقات رشاش من دبابة أمريكية على مشارف سجن أبو غريب، وفي شهر نيسان 2008 وبنفس الأسلوب وباختلاف المكان والقاتل واحد هو الاحتلال استشهد المصور الصحفي “فضل شناعة” بقذيفة دبابة إسرائيلية وهو يغطي الجرائم الإسرائيلية ضد سكان قطاع غزة، صحفيان جمعتهما الجنسية ونفس المؤسسة الإعلامية(مصوري وكالة رويترز)، وجمعهم الموت على يد نفس القاتل مع اختلاف المكان، وغير هؤلاء كذلك سقط العشرات، فسقط شهيداً في جنين المصور الصحفي “عماد أبو زهرة”، وفي نابلس سقط الشهيد الصحفي “نزيه دروزة” وفي رام الله استشهد الصحفي “عصام تلاوي”، وفي قطاع غزة استشهد فقط في العدوان الأخير خمسة صحفيين والقائمة طويلة.
كل هؤلاء نذكرهم في ظل هذا النظام العالمي الجديد الذي بات الظلم فيه أساس التعامل والحكم على الأشياء، وظلم أفسد القوانين والتشريعات الدولية التي تنص على حماية حق الإنسان في العمل والحياة بكرامة، وبات تفسير حقوق الإنسان والحكم عليها يخضع لمعايير مختلفة تحكمها المصالح السياسية والاقتصادية البحتة للدول.
والضجة التي أثيرت في أعقاب عملية اغتيال الصحفي اللبناني “سمير قصير” في حزيران 2005 كانت ضجة محقه ومنطقية على اعتبار أن حرية الإعلام والصحافة والحرية الشخصية والحياة مكفولة للفرد بغض النظر عن جنسه ودينه ولونه، وله حقوق يجب الحفاظ عليها وفق كل الشرائع والقوانين المحلية والدولية، وعمليات الاغتيال والتصفية الجسدية مسألة مرفوضة سواء في حل الخلافات أو لقمع الحريات وتكميم الأفواه، ولكن على دعاة الحرية والديمقراطية من أوروبيين وغير أوروبيين أن يعلموا أن هناك عشرات الصحفيين قد قتلوا دون أن يلقى منهم درجة الاهتمام التي لقيها مقتل الصحفي اللبناني “سمير قصير”.
ولهذا السبب وهذه المعايير كانت جائزة “سمير قصير” ولم تكن جائزة “فضل شناعة” أو “مازن دعنا” أو “طارق أيوب”.