اعتبرت نشرة الإصلاح العربى، أن الحكومة المصرية أظهرت مهارة لافتة فى التعامل مع الضغوط التى تطالب بالإصلاح الديمقراطى فى الداخل والخارج، وذلك من خلال إجراءات تعالج ظاهرياً تلك المطالب بينما ترسّخ فى الواقع الحكم السلطوى.. وخير مثال على ذلك مشروع قانون يعدل قانون تنظيم الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والذى من المتوقع أن يجرى إقراره قبل انتهاء الدورة البرلمانية الصيف المقبل.
وأضافت النشرة التى تصدر عن مؤسسة كارنيجى لأبحاث السلام فى واشنطن، أنه على الرغم من أن نص المشروع لن يُنشَر على الأرجح قبل إقراره، إلا أن بعض الأحكام ظهرت إلى العلن من خلال التصريحات العامة التى صدرت عن أعضاء فى اللجنة التى وضعت المشروع، والنقاشات التى أعقبتها فى أوساط الجمعيات والمؤسسات الأهلية، صحيح أن بعض الجوانب المثيرة للاعتراض فى القانون الحالى سوف تتحسّن فى مشروع القانون الجديد، غير أنه يتضمّن أحكاماً جديدة – بينها آلية محتملة لمنع التمويل الأجنبى عن بعض الجمعيات والمؤسسات الأهلية – من شأنها أن تترك تداعيات وخيمة.
القانون رقم 84 لسنة 2002 الذى ينظّم عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية فى مصر، ويُعتبَر على نطاق واسع بأنه من القوانين الأكثر فرضاً للقيود فى العالم العربى، شوكة فى خاصرة الجمعيات والمؤسسات الأهلية المصرية، بينما يشكّل فى الوقت نفسه نموذجاً للحكومات العربية الأخرى التى تحاول بسط سيطرتها على المجتمع المدنى. فهو ينص على وجوب حصول الجمعيات على ترخيص من وزارة التضامن الاجتماعى شرط ألا يقل عدد أعضاء الجمعية عن عشرة أشخاص، كما يفرض عقوبة بالسجن ستة أشهر على كل من لا يتقيّد بأحكام القانون، وفى ذلك انتهاك للمعايير الدولية لحرية التجمع. تستهلك آلية التسجيل وقتاً طويلاً وتخضع للسيطرة الكاملة لوزارة التضامن الاجتماعى التى يمكنها رفض إعطاء تصريح للجمعيات بالاستناد إلى أسباب مبهمة مثل الاعتبار بأن أهداف الجمعية تشكّل “تهديداً للوحدة الوطنية” أو مخالفة “للنظام العام أو الآداب”، أو تتضمّن “أى نشاط سياسي”. ولا يُسمَح للجمعيات والمؤسسات الأهلية التى تحصل على تصاريح بـ”الانضمام أو الاشتراك أو الانتساب إلى” أى منظومة خارج مصر إلا فى حال قامت بإخطار وزارة التضامن الاجتماعى قبل ستين يوماً ولم تتلقَّ أى اعتراضات”، كما أنه لا يجوز لأية جمعية “أن تحصل على أموال من الخارج.. إلا بإذن من وزير التضامن الاجتماعي”. وينبغى على الجمعية الأهلية أن تخطر وزارة التضامن الاجتماعى بأى اجتماعات للجمعية العمومية قبل الانعقاد بخمسة عشر يوماً على الأقل، ويحق للوزارة أن تنتدب عنها من يحضر الاجتماع، كما أن وزير التضامن الاجتماعى يملك أيضاً صلاحية حل أى جمعية أو مؤسسة أهلية فى أى وقت، حتى ولو كانت المخالفة المرتكبة للقانون بسيطة.
وعلى الرغم من أنه يحق للجمعية استئناف الحكم، إلا أن القضايا الإدارية تستغرق سنوات عدّة فى نظام المحاكم المصرى المثقل بالقضايا غير المنجزة. وقد بادر ائتلاف من أكثر من مائة وخمسين مؤسسة وجمعية أهلية (أنشأته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ومعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان) إلى طرح مقترحاً لتعديلاته الخاصة للقانون الحالى. وقد سعت هذه الجمعيات إلى تصحيح الأحكام التى تُعتبَر الأسوأ فى القانون الحالى وتتعلّق بتسجيل الجمعيات وحظر النشاطات السياسية، والتدخّل الحكومى المفرط فى موضوع التمويل الأجنبي. وأعربت عن قلقها من الطريقة العشوائية التى يُطبَّق بها القانون الحالي، إلى جانب السيطرة الواضحة التى تمارسها الأجهزة الأمنية على الجمعيات والمؤسسات الأهلية تحت مظلة وزارة التضامن الاجتماعي.
وتشمل التعديلات التى يقترحها ائتلاف الجمعيات والمؤسسات الأهلية، استبدال النظام الحالى الذى يفرض إلزامية التسجيل بنموذج العلم والخبر الفرنسى – اللبنانى الذى تكتفى الجمعية الأهلية بموجبه بإخطار المحكمة من دون الحاجة إلى طلب إذن للمباشرة بنشاطاتها. كما يطالب الائتلاف بتفسير أدق لمعنى النشاط السياسى الممنوع على الجمعيات الأهلية، وبالحد من التدخّل الأمنى فى نشاطات الجمعيات والتساهل فى موضوع التمويل الخارجي. انطلاقاً مما يمكن استشفافه من مشروع القانون الذى تقترحه وزارة التضامن الاجتماعي، يتبيّن أن لديه بعض النقاط الإيجابية ونقطة سلبية قاضية على الأقل.
ووفقاً للنشرة فإن مشروع القانون قد يكون أكثر تساهلاً من القانون الحالى فى موضوعَى التسجيل وحظر النشاطات السياسية، وربما يتخلّى عن الآلية المعقّدة المعتمدة حالياً لتسوية النزاعات ويمنح بدلاً من ذلك دوراً مركزياً أكبر للمحاكم الإدارية. وقد ينص أيضاً على اختيار أعضاء المجالس فى الجمعيات الأهلية المحلية والوطنية عن طريق الانتخاب وليس
التعيين. غير أن المشكلة هى فى التوجّه إلى فرض سيطرة حكومية أكبر على التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية. لقد تحدّث المسئولون الحكوميون عن الحاجة إلى “آلية مراقبة حكومية صارمة” لكل الجمعيات والمؤسسات، ولا سيما تلك التى “تسيء استعمال” الأموال. وقد يتم ذلك عن طريق حظر الهبات المباشرة من الولايات المتحدة ومانحين دوليين آخرين للجمعيات الأهلية، والإصرار على مرور هذه المساعدات من خلال آلية حكومية ما.
التعيين. غير أن المشكلة هى فى التوجّه إلى فرض سيطرة حكومية أكبر على التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية. لقد تحدّث المسئولون الحكوميون عن الحاجة إلى “آلية مراقبة حكومية صارمة” لكل الجمعيات والمؤسسات، ولا سيما تلك التى “تسيء استعمال” الأموال. وقد يتم ذلك عن طريق حظر الهبات المباشرة من الولايات المتحدة ومانحين دوليين آخرين للجمعيات الأهلية، والإصرار على مرور هذه المساعدات من خلال آلية حكومية ما.
لكن فى الحقيقة، لا تستطيع الجمعيات الأهلية المصرية الناشطة فى مجال حقوق الإنسان والحقوق المدنية، أن تجمع أموالاً كافية فى الداخل، وهى تعتمد إلى حد كبير على التمويل الخارجي. ولن يؤدّى فرض سيطرة حكومية أكبر على هذا التمويل إلى عرقلة عملها وحسب إنما سيشكّل صدمة كبيرة، وربما ضربة قاضية للبرامج الأمريكية أو أى برامج أخرى تعنى بالمساعدة على نشر الديمقراطية وتسعى إلى الانخراط المباشر مع المنظمات المصرية. إذا أُقرّ مشروع القانون مع الاحتفاظ بالبند الصارم حول التمويل، فسوف يجد الإصلاحيون المصريون أنفسهم من جديد يواجهون إصلاحاً قانونياً تقدّمياً يقتصر على الظاهر بينما يبقى على سيطرة الحكومة على نشاطاتهم وربما يعزّزها أكثر فأكثر.
إذا لم تعترض الولايات المتحدة ومانحون دوليون آخرون بشدّة وبسرعة، فعلى الأرجح أن مجلس الشعب المصرى سيصادق على التعديلات التى تقترحها وزارة التضامن الاجتماعى لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية فى غضون أشهر قليلة. من شأن هذه الخطوة أن تشكّل انكفاء خطيراً لبرامج تمويل الديمقراطية وحقوق الإنسان ودعمها ليس فى مصر وحسب إنما فى المنطقة برمتها التى تطبّق قوانين مشابهة للقوانين المصرية.