يساور دول الخليج العربية القلق من أن اي تقارب للولايات المتحدة مع ايران يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف الى أسوأ كابوس بالنسبة لهم.. قوة عظمى غير عربية شيعية مسلمة مسلحة نوويا في منطقتهم. ولم تتحمس دول الخليج العربية السنية المتحالفة مع الولايات المتحدة كثيرا لموقف الرئيس السابق جورج بوش المتشدد من ايران خشية أن يتحول هذا الى حرب تجتاح المنطقة.
لكنهم يشعرون بدرجة مساوية من القلق من أن العرض بتحسين العلاقات الامريكية الايرانية الذي قدمه الرئيس باراك اوباما قد يذهب بعيدا ليصل الى تقديم تنازلات للاعب اقليمي قوي طالما نظروا اليه بمزيج من الارتياب والعداء.
وقال مصطفى العاني من مركز أبحاث الخليج ومقره دبي “ليس لدينا اعتراض على المفاوضات الايرانية الامريكية بل على العكس نحن نشجع هذا النوع من الحوار كوسيلة لتجنب جر المنطقة الى العمل العسكري.”
لكنه أضاف “في الوقت نفسه لدينا مخاوف ضخمة من أن الامريكيين يمكن أن يقدموا تنازلات للايرانيين من شأنها تقويض أمننا ولن تكون مقبولة بالنسبة لنا.”
وفاز اوباما بانتخابات الرئاسة الامريكية بوعد بالتغيير حيث عين مبعوثا للسلام بالشرق الاوسط في الاسبوع الاول من ولايته وعرض اقامة حوار مع ايران في اطار جهود معلنة للتواصل مع المسلمين.
وقال العاني “ان مطلبنا الرئيسي هو أنه يجب الا تقدم امريكا تنازلات فيما يتعلق بالبرنامج النووي الايراني وتدخلات طهران في العراق ولبنان وفلسطين.”
وأضاف أنه “يجب أن نكون جزءا من تلك المفاوضات. لا نريد أي مفاجات. نريد أن نكون شريكا وأن تكون مصالحنا ممثلة.”
وتخشى دول الخليج العربية الان والتي كانت قد حذرت من غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 من أن الانسحاب المبكر الذي وعد به اوباما سيترك البلاد في أيدي ساسة شيعة متحالفين مع ايران والذين هيمنوا على حكومة ما بعد صدام حسين.
وهم يخشون من أن ادارة أمريكية تستبعد القيام بعمل عسكري ستفشل في كبح جماح البرنامج النووي لطهران وتترك العرب السنة في نهاية المطاف محصورين بين مركزي قوة نوويين غير عربيين هما ايران واسرائيل.
وستنظر دول الخليج الى النتيجة على أنها مكافأة لتحدي طهران لواشنطن وعقاب لحكام الخليج الذين تحملوا غضبا شعبيا وأعمال عنف من قبل المتشددين الاسلاميين للحفاظ على تحالفهم الذي يرجع الى عقود مضت مع الولايات المتحدة.
وقال دبلوماسي غربي يتخذ من الخليج مقرا له “يساورهم القلق بشأن انقسام بين السنة والشيعة. بدأوا يعيدون النظر في موقفهم مع سوريا. هل يمكن ابعادها عن ايران واعادتها الى الحظيرة العربية..”
لكن في حين تشترك دول الخليج في المخاوف من أن واشنطن قد تبرم اتفاقا مع طهران يضع المذهب الشيعي في قلب نظام سياسي اقليمي جديد فانهم منقسمون بشأن كيفية التعامل مع التحدي.
وظهرت الانقسامات على السطح بشأن الهجوم الاسرائيلي على غزة الذي استمر ثلاثة أسابيع وأسفر عن مقتل اكثر من 1300 شخص ووضع السعودية ومصر وحلفاءهما في جهة وقطر وايران وسوريا وحلفاءهم في جهة أخرى.
وانشقت قطر عن السعودية ودول الخليج العربية الاخرى لتستضيف زعماء ايران وسوريا وحركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية «حماس» في مؤتمر لدعم غزة.
واستغلت هذا المؤتمر لتعليق علاقاتها منخفضة المستوى مع اسرائيل والدعوة لسحب مبادرة السلام العربية لعام 2002.
وتعرض المبادرة التي تبنتها السعودية على اسرائيل اقامة علاقات طبيعية مع جميع الدول العربية مقابل انسحابها الكامل من كل الاراضي العربية التي احتلتها في حرب عام 1967 الى جانب حل عادل لقضية ا
للاجئين الفلسطينيين.
للاجئين الفلسطينيين.
وكان العاهل السعودي الملك عبد الله حريصا على تأكيد أن العرض ما زال مطروحا على الطاولة لكنه لن يظل مطروحا الى الابد.
وقال دبلوماسي غربي يتخذ من المنطقة مقرا له “الايرانيون يستطيعون لعب دور أبطال العرب بينما «هؤلاء» الذين يحاولون وضع او دعم حل يحقق السلام والاستقرار للمنطقة على جبهة اكثر اعتدالا يجسدون على أنهم عملاء للغرب.”
وأضاف “هذا وضع من غير المريح أن يكونوا فيه… انهم يقولون ان الوقت ينفد «نحتاج الى رؤية تقدم في القضية الفلسطينية لكن الاشرار الحقيقيين هم الايرانيون وهم اكثر ما نخشاه».”
ويقول محللون ودبلوماسيون ان التقدم في عملية السلام بين العرب واسرائيل سوف يساعد على سحب البساط من تحت أقدام الايرانيين الذين خرج حلفاؤهم في لبنان وغزة من الحربين الاخيرتين بتعاطف متزايد من قبل المواطنين العاديين العرب والمسلمين.
ومن الممكن أن يؤدي ابرام اتفاق للسلام بين اسرائيل وسوريا على وجه الخصوص الى ابعاد السوريين عن المعسكر الايراني وعزله.
على تلك الجبهة استقبل قرار اوباما بارسال مبعوث للشرق الاوسط بالترحاب على الفور لكن لم يتضح بعد ما اذا كان لديه ما يلزم لدفع اسرائيل والفلسطينيين المنقسمين الى مائدة المفاوضات.
في الوقت نفسه فان قطر التي صنعت لنفسها دورا كوسيط في الصراعات الداخلية من لبنان الى اليمن وأخيرا دارفور تأمل في اجراء مصالحة بين حماس وحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ويقول محللون ان مفاتحات قطر مع ايران لم تسفر عن نتائج مثمرة بعد لكن انتهاج الولايات المتحدة نهجا اكثر دبلوماسية تجاه الجمهورية الاسلامية لا يعني أن اوباما سيسمح لها بأن تصبح دولة نووية.
وعلى الرغم من كل هذا الحديث عن اجراء محادثات فان ايران المتحدية التي ترغب صراحة في تجاهل قرارات الامم المتحدة قد تضطر الولايات المتحدة او حليفتها الرئيسية اسرائيل للجوء الى العمل العسكري.
وقال الدبلوماسي “حديث اوباما مباشرة مع الايرانيين لن يغير الهدف الاستراتيجي… الولايات المتحدة لم تصبح لديها رغبة فجأة في المساعدة على الهيمنة الايرانية في المنطقة او «امتلاك طهران» سلاحا نوويا.”