جاسم الرصيف
ما أبلغه من قائل : ( متى يبلغ البنيان تمامه .. إذا كنت تبني وغيرك يهدم ؟! ) ، وكأنه إستقرأ مستقبل العرب في حكوماتهم التي دبّجت أطنانا من أوراق الإحتجاجات والإستنكارات والإدانات على مدى عقود ، مع أطنان من محاضر الجلسات التفاوضية وغير التفاوضية ، بين حماسة حمقاء ونفاقات خرقاء ، دون أن تحرّر فلسطين من قبضة ( حلفائها ) ، وكأن ( المؤمن ) لابدّ أن ( يلدغ من ذات الجحر ) العربي أبدا !! .
ولأن التعامل مع حكوماتنا صار علما مستقلا بذاته ، دون كل العلوم الدبلوماسية ، في الغرب ، من حيث أن طلاّب ( الحق ) العرب المهرولين الى هناك منذ عقود هم ذات العرب الذين باعوا ( الحق ) سرّا وعلانية ، فقد سمّيت مهزلة عرب العصر ( عالما عربيا ) قائما على قاعدة ( علاّوي يجرح ويداوي ) ، كما يقول المثل العراقي ، حيث يرى المرء الوجوه التي ( رفضت وإحتجت وإستنكرت ) إحتلال فلسطين والعراق تستقبل من إحتلوا العراق وفلسطين بالأحضان والقبلات ، وكأن ( شيئا لم يكن ) !! .
نفاق لاأعجب منه ولا أغرب ، حائر بين ذلّ طالب الدواء المريب وهبل المعالج ( الطبيب ) ، عندما ترى شعوب الأرض ( عالمنا العربي ) يهرع ، ملهوفا محرور الفؤاد ، لإغاثة ضحايا المجازر البشرية في فلسطين والعراق فيغدق في العطايا لمن تبقى حيّا من ( أولاد العم ) ، ولكن ذات الملهوف محرور الفؤاد على ( أهله !! ) يهرع على بسط حمراء لإستقبال ذات مجرمي الحروب الذين إرتكبوا أبشع الجرائم ضدهم في أواخر القرت الماضي ومستهلات القرن الحاضر ، وكأن ( عالمنا العربي ) يرث الذل ّ والنفاق الرسمي ، إذا لم يرث الهبل الموثق .
شعوب الأرض كلها ، ومنها الشعب العربي ، ترى أن ( المظلوم ) العربي ، محمود عباس ، يصول ويجول مبتسما في وجوه وأحضان من ( ظلموه ) ، ولكن وجهه عبوس طموس غير محمود في وجوه عرب فلسطينين عارضوا ذلّه وماراثونات زحفه على أبواب ( رباعية ) كرّست ، وتكرّس ، لإحتلال فلسطين من قبل إسرائيل أبدا ، بل وبلغت وقاحتها ، ومعها أوربا وأميركا ، بالإعلان عن فرض الحصار على غزة المحتلة من كل الجهات برا وبحرا ، ولكنها لم تسائل إسرائيل عن أسلحتها النووية وأسلحتها المحرّمة دوليا .
وشعوب الأرض كلها ترى أن ذات الوجوه العربية التي إستنكرت وإحتجت ورفضت إحتلال العراق تستقبل ذات مجرمي الحروب وتجار دماء البشر الذين إحتلوا العراق ، وقتلوا مليونا وشردوا ستة ملايين ، وشعوب الأرض كلها ترى وجوه الذل ّ الرسمي تضيف الى طينتها ( بلّة ) اعلان أنها : ( تدعم ) جواسيس علنيين ، خانوا بلدهم ، وأعانوا أجنبيا على إحتلاله ، وكأنها ّ تؤسس لتوريث ذل ّ لمثل هذه الحالة اذا حصلت مرة أخرى في بلدان عربية أخرى ، في حالة لايمكن وصفها بغير : إنتحار رسمي ثقافي يتعاطاه ( العالم العربي ) وحده دون كل ( العوالم ) الأخرى .
ولهذا الإنتحار الجماعي الرسمي للحكومات العربية سمات واضحة :
أولها : تبعية واضحة بدرجات كرامة محسوبة ، حسب القرب والبعد من أجندات أميركا وأروبا وهما الفاعل الأول في كل ماعاناه العرب من كوارث دموية منذ قرون .
ثانيها : سحب خلافات حكام عرب مع بعضهم ، زائلين حتما ، على مصير أمة ، باقية على قدر الله في خلقها عربية حتما ،، مضحكها ومبكيها في آن أن مواطنين عربا عاديين يستعيرونها في التعامل مع عرب آخرين ، وكأن هؤلاء ظلال غبية لقامات أغبى منها.
ثالثها : صورة ( المارد العربي ) التي سمعناها في أناشيدنا القومية ، الممنوعة من التداول الآن ، تؤرخ لصورة ( الشارد العربي ) في هذه الأيام ، مع أن هذا ( الشارد ) يمتلك كل مقومات الصمود والمقاومة ، وكل أنواع الأسلحة الفتّاكة ، وأولها حرية الشعب العربي ، وحقه في فرض الحصار ، بكل انواعه ، على كل من إعتدى عليه .
طيب ! .
أميركا وإسرائيل تدمران ما تشاءان ، وللجواسيس، أجانب وعربا ، ( حق ) التجوال في ( بلاد العرب أوطاني .. من الشام لتطوان ) ، و( الشارد العربي ) الرسمي يعوّض من تبقى حيّا من ( أولاد عمّه وإخوانه وأخواته ) في العراق وفلسطين ، مقابل الا ّ تصادر أميركا وأوربا أمواله ( السيادية ) خرافية الأرقام ، التي لايستأمن مصارف ( عربه ) عليها ، ويخاف عليها من ( أبنائه وبناته ) ، حسب الخطب الرنّانة الطنّانة ، ومقابل الا ّ تحاك المؤامرات ضده كما حيكت للفلسطيين والعراقيين ، ولكن السؤال الأهم هو :
الى متى يبقى ( الشارد العربي ) الرسمي يتعاطى هذا الإنتحار الجماعي ؟! .
لم نسمع بأسود تنتحر جماعيا ، ولكننا شاهدنا حيتانا تفعل ذلك .