د. فايز أبو شمالة
مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الانتخابية، ستبدي الحكومة الإسرائيلية في جلستها تجاوباً في موضوع تحرير الأسرى، ولن تعترض أي جهة رسمية في الدولة العبرية على إطلاق سراح الأسماء الواردة في قائمة حماس، لأن تحرير الأسرى فيه مصلحة الجميع بما في ذلك حزب الليكود، وإغلاق هذه الملف بات حاجة إنسانية فلسطينية أكثر مما هو حاجة حزبية إسرائيلية، ولاسيما بعد أن استنفذ غرضه، وأتى أكله على كل المستويات، والساحات، وقد برز ذلك في مطالبة أكثر من مسئول إسرائيلي بالاستجابة لقائمة حماس لئلا يكون مصير “شاليط” شبيه بمصير “رون أراد” الذي فقدت أثاره في لبنان سنة 1986. وبرز في تصريحات قائد قوات الشمال، الذي قال في لقاء إذاعي: أن الخوف من الأسر صار مبالغاً فيه، وأتى بمردود سلبي على مجمل العمل العسكري للدولة العبرية.
إن من تابع الإعلام الإسرائيلي في الفترة الماضية يدرك مدى حضور قضية الأسير “شاليط” في الحرب على غزة، ويدرك حجم الارتباك، والتيه الذي توجع منه الجيش الإسرائيلي بسبب قضية “شاليط”، ومقدار المعاناة التي وقعت على كتف الجندي الإسرائيلي بالذات، حتى صار مسكوناً بالخوف من الأسر أكثر من الموت، أو الإصابة، وصار الهاجس الذي يؤرقه أن يلقى مصير “شاليط” ، وكانت التعليمات التي تسلمتها وحدات “جولاني” و”جفعاتي”، من قيادة الجيش: عدم السماح بالخطف بأي ثمن. وكانت الأوامر الميدانية للجندي الإسرائيلي بأن يفجر نفسه لئلا يقع أسيراً، وأن يعمل كل شيء يحول دون أسره، وأن يكون جندياً ميتاً أفضل من أن يكون جندياً أسيراً. ولهذا أصدّق شخصياً أنه قد تمت تصفية عدد من الجنود الإسرائيليين الذين وقعوا في الأسر. فلدى سؤال قائد المنطقة الجنوبية عن ثقافة الموت، ومتى صارت جزءاً من ثقافة الجندي الإسرائيلي الذي يحلم في الحياة، وما جدوى ذلك؟ رد قائد المنطقة بالقول: نحن لا نزرع ثقافة الموت في نفوس جنودنا، ولكن لا ضمان لسلامة الجندي في المعركة، ولاسيما أننا أمام عدو من نوع جديد، لا يعرف الخوف، بالتالي على الجندي الإسرائيلي أن يتعود الدفاع عن نفسه، وعليه أن يدرك خطورة ما يواجهه.
يمكنني القول في هذا المقام: أن سيطرة فكرة أسر الجنود الإسرائيليين قد أربكت خطط القيادة الإسرائيلية، وخلخلت ثقة الجندي الإسرائيلي بنفسه، وهو الذي تعود أن يقطف نصراً سهلاً، لذا كان الاحتماء بالآلة العسكرية المبالغ فيها، وكان التدمير الواسع، والزحف البطيء، الذي واجهته المقاومة بعقل، وحكمة، وتحركات غير مرئية، ظلت مصدر قلق للجندي الإسرائيلي المسكون بهاجس الوقوع في الأسر، والمطارد بالموت في كل لحظة.
قضية الأسير “جلعاد شليط” قد أتت أوكلها، ووصلت إلى نهايتها، وأي نكوص من قبل إسرائيل، أو زيادة قد ترتد نقصاناً، وكما سيدخل إطلاق سراح “شاليط” الفرحة في قلب عائلته، فإن ألف فرحة وفرحة ستنطلق من قلوب عائلات أسرانا في الضفة الغربية، والقدس، وفلسطيني 48، وقطاع غزة.
بقى أن نحذر من التهديدات بتصفية كل أسير محرر يحسبه الإسرائيليون خطيراً.