وثيقة بيلين – أبو مازن .. رحم الله حق العودة!
الدكتور عدنان بكرية
الوثيقة التي صاغها (يوسي بيلين) وزير الخارجية الإسرائيلية سابقا و(أبو مازن) عام 95 بشأن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل نهائي بين الطرفين ،تنسف حق العودة تماما وتتعارض وتطلعات الشعب الفلسطيني وثوابته الوطنية ،لا بل أنها تتوافق والرؤية الإسرائيلية لسبل حل القضية الفلسطينية والتي تتعامل مع قضية اللاجئين كقضية مادية قابلة للمقايضة ! سأتناول في مقالي هذا أهم بنود الوثيقة والتي تتنكر لحق لاجئي شعبنا بالعودة هذه البنود التي تشكل طعنة في ظهر أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني ما زالوا يحملون كواشين أراضيهم ومفاتيح بيوتهم في انتظار العودة الموعودة..
الوثيقة تلك تنسف حق شعبنا في العودة وتنسف احد أهم أركان الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أقيمت على أساسه (م .ت. ف) وتقبر حلم الملايين بالعودة إلى ديارهم.. هذا الحق الذي أقرته الأمم المتحدة ،لكن تم مسحه على طاولة بيلين- أبو مازن ! دون العودة إلى المؤسسات الفلسطينية وحتى دون اخذ رأي لاجئي شعبنا !
إن أي مشروع تسوية مقترح يجب أن يعرض على الشعب ويحظى بالموافقة وقبل التوقيع على بنوده ،لكن ما جرى بخصوص الاتفاق انه لم يأخذ حتى برأي القيادة الفلسطينية آنذاك وعندما سئل أبا مازن عن الوثيقة قال انها مجرد اجتهادات !لكن ما نلمسه اليوم ان هذه الاجتهادات المرفوضة فلسطينيا أخذت طريقها إلى الشرعنة بعد تسلم محمود عباس زمام السلطة !
عندما يرتضي أصحاب القضية بمقررات شرعية جديدة لا تنطبق مع المقررات الدولية، فإنهم يميعون مطالب الشعب ويفسحون المجال أمام الازدواجية الدولية في التعامل مع تلك القضايا، خاصة أن المقررات الجديدة قد قامت على التراضي بين أطراف القضية تطعن الثوابت الفلسطينية في الصميم وتخلق قناعة دولية ومبررات للقفز عن احد أهم ركائز التسوية!
سأتناول بعض بنود الوثيقة واحللها واترك للقراء إمكانية الاجتهاد والتحليل
((يدرك الطرف الفلسطيني بأن مستلزمات العهد الجديد من السلام والتعايش، بالإضافة إلى الحقائق التي خلقت على الأرض منذ 1948م، جعلت تنفيذ هذا الحق غير عملي؛ لذا يعلن الطرف الفلسطيني استعداده لقبول وتنفيذ إجراءات ستضمن – إلى الحد الذي يكون فيه ذلك ممكنًا – مصلحة خير هؤلاء اللاجئين)).
“مستلزمات العهد الجديد” و”الواقع الجديد” و”الحقائق التي خلقت على الأرض”.. كل هذه المصطلحات محاولات بائسة لا يمكنها أن تشكل أساسا للحلول الباهتة المطروحة والتي تتعامل مع قضية اللاجئين على انها قضية إنسانية وليست قضية وطنية لشعب هُجر من وطنه بالقوة والبطش والمجازر ! وهذه المقدمة ما هي إلا مؤامرة حيكت لنسف حق شعبنا في العودة (جعلت تنفيذ هذا الحق غير عملي )!كما تقول الوثيقة بصراحة ! وهنا من حقنا أن نسأل هل تحول حق العودة إلى مجرد شعار انتهازي تطلقه القيادة الفلسطينية لتخدير لاجئي شعبنا وإبقائهم في حلم قد لا يستفيقوا منه ؟!
إن جذور القضية الفلسطينية هي مشكلة اللاجئين وحق العودة وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة والمعلقة .. وإذا كان العالم اقر بهذا الحق المقدس فكيف يسمح السيد محمود عباس لنفسه الالتفاف على إرادة العالم تحت ذريعة (الواقع الجديد )ويسقط أهم الثوابت الفلسطينية وبشكل رسمي ؟! الواقع الجديد أيضا قد يخرج مشروع (الترانسفير) إلى حيز التنفيذ ! فهل سنتعامل مع هذا المشروع ونراعيه ونقبله لاعتبارات الواقع الجديد ؟
القدس تصادر وتطوق بالمستوطنات والأقصى يضج ويتألم تحت بلدوزرات الحفر والتجريف فهل سنتنازل عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية تحت بدعة الواقع الجديد ؟!
الحركة الثورية وجدت أصلا لأنها ترفض الواقع المفروض وتسعى لتغييره بما يتماشى وتطلعات الشعب المضطهد المشرد وإذا انصاعت للواقع الذي تحاول إسرائيل فرضه فإنها تفقد سحنتها الثورية وتُقزم قامتها النضالية وهذا الأمر ينطبق على كل فصائل شعبنا وأطيافها وليس على حركة فتح بالتحديد !
ان التنازل الواضح عن هذا الحق (حق العودة) فتح الأبواب أمام إسرائيل للتنكر لكل حقوق الشعب الفلسطيني وأعطى المبرر للعالم بان لا يتعامل مع قضية حق العودة بتفاصيلها وباعتباراتها السياسية والوطنية!
في عام 2000 وفي كامب ديفيد رفض الشهيد ياسر عرفات التعامل مع هذا الطرح ورفض التوقيع على أية تفاهمات تستثني القدس وحق العودة وأطلق كلمته الشهيرة (ليس منا وليس فينا من يتنازل عن الثوابت الفلسطينية ) وبعدها بدأت إسرائيل تفكر بكيفية تغييبه عن الساحة السياسية ! وبين متناقضين فلسطينيين يدفن سر اغتيال ياسر عرفات ! وتتابع الوثيقة
((في الوقت الذي يعترف فيه الطرف الإسرائيلي بالمعاناة المعنوية والمادية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني كنتيجة لحرب 1947 – 1949، فإنه يقر أيضًا بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى الدولة الفلسطينية وحقهم في التعويض وإعادة التأهيل مقابل خسائرهم المعنوية والمادية)).
في هذا البند يقر الطرفان بان ما حصل عام 47 من تهجير جماعي وتطهير عرقي للشعب الفلسطيني واقتلاعه من وطنه بأنها نتاجا لحرب دارت بين طرفين!! فأي حرب دارت بيت شهداء دير ياسين وعيلبون وو .. وبين العصابات الصهيونية آنذاك ؟!
يكفي قراءة هذا البند الذي يتعامل مع قضية اللاجئين كقضية مادية وتعويضات وعودة محدودة إلى إطار الدولة الفلسطينية الغير قائمة لنعرف عمق المؤامرة التي تحملها هذه الوثيقة والتي تنسف الحق الوطني للشعب الفلسطيني من جذوره !
وتتابع الوثيقة
((استكشاف نوايا اللاجئين الفلسطينيين من جهة، والبلدان العربية وغيرها من جهة أخرى، فيما يتعلق بالرغبة في الهجرة والإمكانات المتوافرة.
التحري مع الحكومات العربية التي تستضيف تجمعات اللاجئين، ومع هؤلاء اللاجئين أيضاً، عن أماكن للاستيعاب في هذه البلدان حيثما كانت هذه الرغبة متبادلة)).
انه تهجير جديد من منفى قسري إلى منفى آخر يختاره اللاجئون بنفسهم في ظل انعدام الخيارات الأخرى وتغييب خيار العودة إلى أرضهم وقراهم .
إن المهرولين خلف هذه الخيارات تناسوا أن مشاريع التوطين والتعويض والتأهيل والتجنيس لا يمكن أن تشطب قضية الوطن مهما كانت الإغراءات لأن الأوطان ليست سلعة تخضع للبيع والشراء في البازارات التصفوية الدولية مهما قست الظروف على الشعب الفلسطيني .
((تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية أن تنفيذ الوارد أعلاه تسوية كاملة ونهائية لقضية اللاجئين بكل أبعادها. تتعهد منظمة التحرير الفلسطينية إضافة إلى ذلك عدم تقديم أي ادعاءات أو مطالب إضافية ناتجة عن هذه القضية عند التنفيذ الكامل لاتفاق الإطار هذا))
هكذا تتعهد منظمة التحرير بعدم المطالبة مستقبلا بأي حق !! على نمط الصلح العشائرية ودفع (الديّة) لأهل القتيل !وببساطة !
إن القيادة التي تتعامل مع اعقد وأصعب قضية عالمية بهذه البساطة والسذاجة.. لا يمكنها أن تكون أهلا للمسؤولية ولا يمكنها أن تتحمل أعباء المرحلة ولا يمكن ائتمانها على مصير شعب بأكمله !
إن ما جرى من حرف لمسار المنظمة ومن انقلاب على الميثاق الوطني الفلسطيني لا يمكن اعتباره أمرا بسيطا ولا يمكن تركه يمر مر الكرام ! وعليه فان ما هو مطلوب نزع شرعية المنظمة من تلك الفئات وليس إقامة منظمة بديلة ! وإعادتها إلى موقعها الصحيح بثوابتها الوطنية .. وهذا الأمر مطلوب من شرفاء حركة فتح قبل الفصائل الأخرى قبل فوات الأوان !
كاتب فلسطيني من فلسطين ال 48