خالد وليد محمود
اختار الجمهور الاسرائيلي يوم الثلاثاء 10-2-2009 الاشخاص الذي يريد ان يمثلوه في الكنيست الـ18، وذلك بعد جولة انتخابات انتهت في العاشر من فبراير الجاري تنافس فيها ثلاثة وثلاثون حزبا أبرزهم الليكود، برئاسة بنيامين نتنياهو، وكاديما برئاسة تسيبي ليفني، والعمل برئاسة إيهود باراك، وإسرائيل بيتنا برئاسة أفيجدور ليبرمان.وقد أفرزت نتائج انتخابات الكنيست تشكيلة تعبر عن اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي الذي يتجه نحو مزيد من التشدد في صراعه مع العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، وتحوله عن اليسار وميله بشدة إلى اليمين، وخاصة منذ صعود أريل شارون للسلطة في عام 2001 وحتى أواخر عام 2005، ليكون آخر الشخصيات الكارزمية “العنصرية” لدى الإسرائيليين.
وقد أفرزت النتائج حالة من شأنها أن ترسخ الجمود في جميع المجالات تقريبا. ويبدو أن أي حكومة سيتم تشكيلها لن تتمكن من التقدم في أي اتجاه. فتفوق حزب كديما، برئاسة تسيبي ليفني، على حزب الليكود، برئاسة بنيامين نتنياهو، بمقعد واحد، فيما تفوق معسكر اليمين والمتدينين اليهود المتشددين (الحريديم)، برئاسة نتنياهو، على معسكر الوسط – يسار، برئاسة ليفني، يدل على أن الجمود سيكون عميقا. والجمود الأساسي سيكون في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، لكنه سيشمل مجالات أخرى.
ويمكن الإشارة إلى أبرز المؤشرات التي تحملها هذه الانتخابات على النحو التالي:
أولا: كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية في جملة ما كشفته هشاشة الوضع السياسي والحزبي في اسرائيل بعد ان وضعت في يد الاحزاب الصغيرة ومعظمها ديني او قومي متطرف، مصير أي ائتلاف حكومي على نحو لم يعد فيه أي حزب من الاحزاب الكبيرة.
ثانياً:عودة حكم المرأة في إسرائيل إلى رئاسة أحد الحزبين الكبيرين والمنافسة على منصب رئاسة الوزراء، فيما يعيد إلى الأذهان تجربة رئيسة الوزراء الاسرائيلية السابقة غولدا مائير.
ثالثاً: حققت استطلاعات الرأي العام نصف نجاح في تلك الانتخابات، حيث فشلت في توقع فوز ليفني، وظلت تؤكد حتى الأيام الأخيرة على موعد الانتخابات على أن نيتنياهو سيفوز بفارق 4 مقاعد على الأقل، بينما تشير النتائج إلى تفوق ليفني. ومع ذلك فقد نجحت الاستطلاعات في توقع تراجع حزب العمل إلى المرتبة الرابعة على الساحة الحزبية، وتقدم حزب إسرائيل بيتنا، كما جاءت النتائج المتلعقة بأحزاب الليكود والعمل وإسرائيل بيتنا قريبة تماما من توقعات تلك الاستطلاعات.
رابعاً: كانت التوقعات تشير إلى أن نسب المشاركة ستشهد تراجعا جديدا في تلك الانتخابات لتنخفض عن الانتخابات الماضية التي عرفت أدنى مستويات مشاركة الإسرائيليين بنسبة بلغت 63.2%. وقد عمق من تلك التوقعات ما أعلن قبل يوم من الانتخابات بأن يوم الانتخابات سيشهد جوا عاصفا، بما قد يقلل من نسب المشاركة خاصة بين المترددين واللامبالين بالانتخابات.ومع ذلك فإن نسبة المشاركة وصلت إلى ما يفوق الـ 67%، مقتربة من النسبة التي وصلتها في انتحابات عام 2003 وهي 69%. بتعبير آخر، فإن هذا الانتخابات قد أوقفت منحنى انهيار نسب مشاركة الإسرائيليين في الانتخابات التي انحدرت من نسب تتراوح ما بين 82% و87% في العقود الثلاثة الأولى بعد قيام الدولة، إلى ما يتراوح بين 63% و67% في العقود الثلاثة الأخيرة.
خامساً: أما المفاجأة الأساسية التي كشفت عنها الانتخابات هي فوز تسيبي ليفني بفارق مقعد عن الليكود، بينما كانت استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي التي أجريت خلال الشهرين الماضيين تعطي الأفضلية دائما لليكود بفارق لم يقل عن أربعة مقاعد، رغم أن الليكود قد حصل على 27 مقعدا، وهو نفس العدد لتي كانت تعطيه له الاستطلاعات.
سادساً: تفوق حزب إسرائيل بيتنا وتقدمه إلى المركز الثالث، تاركًا حزب العمل التاريخي في المرتبة الرابعة ، وهو أدنى عدد من المقاعد حصل عليه الحزب في الانتخابات الإسرائيلية منذ أول انتخابات إسرائيلية أجريت عام 1949.ويطرح تراجع حزب العمل الكثير من الأسئلة والتكهنات بشأن مستقبل الحزب الأهم في الساحة الحزبية الإسرائيلية، بل وربما يكون ذلك إعلانا شبه أخير إلى بداية زوال اليسار برمته في إسرائيل. ويبدو أن الجمهور الاسرائيلي لا يرى اليوم صورة مشوهة لحزب الليكود كما كان يراها سابقاً ، بل يراها أشد نقاء وصفاءاً من صورة كل من “كاديما” والعمل وأحزاب أخرى.
أما الأحزاب العربية، فقد تمكنت من تعزيز تواجدها مقارنة بالانتخابات السابقة وحصلت على 11 مقعدا على الرغم من دعوات المقاطعة الصادرة من قوى أساسية داخل الأوساط العربية. وتوزعت المقاعد على الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة “حداش”، والقائمة العربية الموحدة للتغيير، وقائمة التجمع الوطني الديمقراطي.
وأخيراً فقد أكدت هذه الانتخابات على النمط العام لتوجهات الرأي العام الإسرائيلي المتجه بقوة نحو اليمين خلال العقد الأخير. ومن ثم فإن حصول حزب كاديما على الع
دد الأكبر من المقاعد لا يلغي تفوق اليمين، بشقية السياسي والديني، والذي أعطاه الرأي العام الإسرائيلي التفوق على سائر التوجهات الأخرى، سواء الوسط أو اليسار.وعلى الأرجح فإنه لو كان زعيم الليكود أي شخص آخر غير نتنياهو لحقق فوزا سهلا على ليفني.
دد الأكبر من المقاعد لا يلغي تفوق اليمين، بشقية السياسي والديني، والذي أعطاه الرأي العام الإسرائيلي التفوق على سائر التوجهات الأخرى، سواء الوسط أو اليسار.وعلى الأرجح فإنه لو كان زعيم الليكود أي شخص آخر غير نتنياهو لحقق فوزا سهلا على ليفني.
الجنوح نحو اليمين في المجتمع الاسرائيلي هو وضع جديد قد ترتد تداعياته ليس فقط على مستوى النهج السياسي في الداخل الإسرائيلي، ولكن أيضاً على مستوى الشرق الأوسط ككل، من ناحية تأثيرها السلبي على عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية من جهة، والسورية الاسرائيلية من جهة أخرى، واللتان هما متعثرتان حالياً وحتى إشعار آخر ، وبجملة واحدة اختم أن نتائج انتخابات الكنيست أظهرت بما لا يدع مجالا للشك ان المجتمع الاسرائيلي شعبا وقيادة لا يحملون مشروعا سياسيا للسلام في المنطقة، وأن اليمين، واليمين المتطرِّف،هما اللذان سيكتبان الجزء الأكبروالأهم من سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بصرف النظر عمَّن يرأسها، وعن بنيتها الحزبية..وعلى الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً ان يضعوا البدائل البعيدة عن اوهام السلام وأن يباشروا البحث عن استراتيجية جديدة في التعامل مع التطرف الاسرائيلي القادم..فهل هم فاعلون؟!
محرر في صفحة اخبار مكتوب.كوم