حيدر عرفات أب فقير من منطقة الشجاعية في غزة، حاله يشبه حال الكثير من الآباء الذين لا يجدون قوت يومهم في ظل الحصار والبطالة، وما خلفته الحرب من جوع وتشريد، ولكن كون عرفات أب لثلاثة أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة فالحال أسوأ فهم يحتاجون لرعاية مستمرة وعلاج شهري بمبلغ كبير. ولأنه لا يملك أن يوفر لهم لا الرعاية اللازمة ولا الدواء المقرر فقد قرر أن يعرض أطفاله الأصحاء للبيع حتى يوفر ثمن علاج للأطفال المرضى.
بدأت قصة معاناة عرفات منذ حوالي خمسة وعشرين عاما حين تزوج بقريبته ونتيجة زواج الأقارب أن ولد له ثلاثة أطفال بإعاقات مختلفة سرعان ما بدأت أعراضها تظهر عليهم بعد بلوغ كل منهم عامه الأول أو الثاني كأقصى حد فالبنت الكبرى تعاني من تخلف عقلي شديد وضمور في العضلات ولين في العظام. والولدان الآخران يعانيان من مرض أصاب عظامهما بلين العظام الوراثي فيبدو الواحد منهما في حجم طفل صغير ولا يستطيع أن يحرك يديه ولا قدميه في حين أن عمر أكبرهما 23 سنة. يقول الأب ”اليائس”:” تصل كلفة علاج أطفالي إلى ألف دولار شهرياً لا أملك منها فلسا”. ويضيف: ”كنت أتلقى قبل سنوات معونات من الحكومة في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعونات من زعيم حركة حماس الشهيد الشيخ أحمد ياسين ولكن بعد رحيلهما لم يعد أحد يهتم أو يعبأ بمساعدتي، تراكمت علي الديون ولم أعد قادراً على الانفاق على أولادي وأصبح الناس يطرقون بابي يطلبون أموالهم التي اقترضتها، وأنا عاطل عن العمل”.
ويردف:”تزوجت بامرأة أخرى أملا في إنجاب أطفال أصحاء وفطلبت زوجتي الأولى الطلاق والنتيجة أن زوجتي الحالية أصبحت مسؤولة عن رعاية أطفالي المعاقين وهم بحاجة لرعاية خاصة فهم لا يستطيعون قضاء حاجتهم بأنفسهم”. أنجب عرفات أولادا أصحاء من زوجته الجديدة ولكنه آثر أن يضحي بهم في سبيل معالجة إخوتهم المرضى.
يقول الأب ”المكلوم”، وهو يداري دمعة تلألأت في عينه، ”لدى أحد أبنائي المرضى موهبة الرسم بيديه الضعيفتين اللينتين، ينظر حوله ويرسم الأشياء بمهارة وكأنه يعبر عن رغبته في المشاركة في الحياة”.
يخلو بيت عرفات من الأثاث، ويبدو متهالكا آيلا للسقوط يبعث الكآبة ويفتقد إلى أي مكون من مكونات الراحة حتى الطعام.
يقول عرفات: ”كتبت لافتات عن رغبتي في بيع الأولاد الأصحاء، ربما يشتريهم ثري وأحصل على بعض المال لكي أعالج هؤلاء المرضى وأسدد ديوني..خرجت إلى الشارع واضعا لافتة على كل صغير من صغاري الأصحاء كتب عليها: للبيع..جبت بهم كل شوارع المدينة بل وانتقلت إلى أماكن أخرى من القطاع.. اتهمني الجميع بالجنون وبالقسوة ولكن ماذا أملك غير هذا العمل؟ كيف سأتدبر أموري وأنا أرى صغاري يموتون أمامي وأنا عاجز عن تقديم أي شيء لهم”.
تشير التقارير الطبية إلى أن أبناء عرفات مصابون بـ”هشاشة العظام، وتشوهات وإنحناءات في العظام سببها الرئيسي خلل في تكوين وترسيب المعادن في تكون العظم (الكالسيوم، الفوسفور)”. إلى ذلك، يوضح الدكتور ناصر فروانة، أخصائي طب الأطفال، أن السبب في هذه الحالة هو نقص أنزيم العظام الوراثي أوخلل وراثي في تحّول فيتامين (د) خلال الكبد والكلية.
وربما يكون مستوى فيتامين (د) في مستواه طبيعي لكنه لا يؤدي وظيفته. ويضيف فروانة أن أطفال عرفات يعانون من حركات لا إرادية تشبه التشنجات، وتشوهات في الجهاز العظمي، وتشوهات في عظام الصدر، وتضخم نهايات الأطراف، ورخاوة في العضلات وتأخر في النمو الحركي. تكالبت المصائب على الرجل فالاحتلال والحرب والحصار والفقر والبطالة والمرض.. يصر عرفات على موقفه، ويرد على كل من يتهمه بالقسوة بأن ”الفقر يصنع أكثر من ذلك”.