د. نضير الخزرجي*
لكل صنعة رجالها، ولكل مهنة حرفيّها، وكلما كانت الصنعة دقيقة، كانت عزيزة المقدار غالية الثمن، ولم يقدر عليها إلا نخبة الصناع وقدوة المهنيين، من قبيل صنعة الذهب والأحجار الكريمة، فإنها تنطوي على ذوق وشعور واستشعار بقيمة المادة التي تتمايل تحت أنامل الصائغ، فيصوغ القطعة بما يسترق بها نبضات قلب الفتاة فيسرق قلبها ولبها، وربما استل منها كل صفراء زوجها وبيضائه وهي ولهانة جذلة، لا تلتفت إلى محفظته، وإذا سألها الزوج هل امتلأت؟ قالت هل من مزيد؟ ولسان حالها كما في الثقافة الشعبية “الذهب زينة وخزينة”.
وفي مجال الإنشاء، فإن القلم وما يحبره، صنعة عزيزة وكريمة، ولكن هل كل ما يخطه القلم صنعة؟
يسهل الجواب فيما إذا لاحت في أفق المعاني بلاغة المقول، وإذا ما خرجت الكلمة من القلب وقعت في القلب، ولم تتجاوز الآذان إذا ما خرجت من اللسان، كما في فحوى قول عامر بن عبد قيس التميمي المتوفى قبل عام 60هـ، فليست كل بلاغة مهنة وصنعة، وليست كل بلاغة قريحة وموهبة، ومن ذلك نظم الشعر الذي هو إلى المشاعر والشعور أقرب منه إلى القوافي والبحور، فهو قريحة تكاد تكون فطرية أقرب منها إلى الصنعة، ولكن النظم في الوقت نفسه قريحة تصقل بالممارسة، وهو تنضيد شعوري للكلام بحضور الطبع وغياب التطبع، يجلس في سويداء القلب دون تكلف، وحسبما يقول الجاحظ عمرو بن بحر المتوفى عام 255هـ: “إذا كان المعنى شريفا واللفظ بليغا، وكان صحيح الطبع، بعيدا عن الاستكراه، ومنزها عن الاختلال مصونا عن التكلف، صنع في القلوب صنيع الغيث في التربة. ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، ونفذت من قائلها على هذه الصفة، أصحبها الله من التوفيق ومنحها من التأييد، ما لا يمتنع معه من تعظيمها صدور الجبابرة، ولا يذهل عن فهمها معه عقول الجهلة”.
وهذا هو شأن الشعر الذي يناقشه البحاثة والعروضي الدكتور محمد صادق الكرباسي في كتابه الجديد “ديوان السريع” الصادر العام 2009م عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 570 صفحة من القطع الوزيري، وهو واحد من دواوين الشعر الذي نظم في النهضة الحسينية، ولكن لما كان الديوان مستقلا ببحر السريع، فان المؤلف أفرد له مقدمة وافية يناقش فيها بحر السريع من كل جوانبه، وتابع بحدقة الباحث المستنير تاريخ الشعر الحسيني الذي نظم على هذا البحر باللهجة الدارجة والذي أخذ منه عنوانه، فاستقل بديوان واحد أسماه ديوان السريع.
وطالما أكد المؤلف في هذا الديوان وفي غيره من الدواوين أن الشعر النابض ما كان قلبا وقالبا، وليس قالبا فحسب، فالقالب الشعري باتزان وزن القصيدة وسلامة بحرها ووحدة قافيتها أمر على غاية من الأهمية، ولكن الأهمية تعظم ونفوذ الكلمات إلى قلب المتلقي تسرع عندما تكون القصيدة أو البيت فارعة هيفاء تتفجر المشاعر من جوانبها والأحاسيس من نواحيها، فكما لا تنزل عين الناظر عن غانية حسناء لا تنسى ذاكرة الإنسان الشعر المجيد، من هنا نقل الجاحظ في البيان والتبيين: 1/287، عن عبد الصمد بن الفضل الرقاشي من أدباء القرن الثاني الهجري، قوله: “وما تكلمت به العرب من جيّد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيّد الموزون، فلم يحفظ من المنثور عُشره، ولا ضاع من الموزون عُشره”.
سريع البحر وجزره
لكل بحر من بحور الشعر تفعيلاته، بها يعرف وزنه ويدل عليه، وبحر السريع ينظم البيت فيه من ثلاث تفعيلات وهي “مستفعلن مستفعلن مفعولات x 2″، ويتكون من أربعة أشطر تتوحد فيه القافية في الأشطر الثلاثة وتفترق عن الرابعة، وقد تنظم القصيدة من أبيات عدة، وعندها تتوحد القافية في الشطر الرابع من كل بيت، وغالبا ما تستهل القصيدة ببيت من شطرين على نفس البحر والقافية، وهناك تفريعات في ميدان بحر السريع وأقوال في التفعيلات بحثها المؤلف مع أمثلتها، وقف عند بعضها وتجاوز أخرى.
ومن ذلك قول بعضهم من الفصحى:
خيالٌ هاج لي شجَنا
فبتُّ مكابداً حَزنا
عميدَ القلب مرتهنا
بذكر اللهو والطربِ
سَبتْني ظبيةٌ عُطلُ
كأنَّ رُضابها عسلُ
ينوء بخصرها كَفَلُ
نبيلُ روادف الحُقَبِ
وبحر السريع كغيره من البحور ينظم في الفصحى والدارج، لكن ما يلاحظ على بحر السريع أنه فيما يشهد في الفصحى مداً، يشهد جزراً في الدارج، ربما لكثرة قيوده مما جعل الشعراء لا يتقربون منه إلا قليلا، كما في القاعدة التجريبية “والشيء إذا كثرت قيوده، عزّ وجوده”، وحسب استقراء المحقق الكرباسي: “أن هذا اللون من الشعر الدارج (الشعبي) رغم اتساع رقعته كبحر في المنطقة العربية إلا أنه لم ينظم عليه في اللهجات المحلية كثيرا، وأكثر ما نظم في المنطقة الوسطى من العراق وبخاصة في رثاء سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين”، وكانت النجف وكربلاء والكاظمية محور هذا اللون من الشعر، ثم لحقها جنوب العراق وجنوب إيران، وحسب المؤلف فان الشاعر عبود بن غفلة الشمرتي المتوفى عام 1356هـ (1937م) يعد الرائد في هذا اللون من الشعر، بل انه تفرد بنظم القصائد الطويلة على بحر السريع. بيد أن عميد الشعر الحسيني الأديب جابر بن جليل الكاظمي فاقت مقطوعاته في هذا الديوان وبلغت 23 مقطوعة.<
br /> وما يميز أبيات وقصائد الكاظمي اشتمال معظمها على الجناس في الأشطر الثلاثة مما أعطاها رونقا جميلا يضاف إلى جمالية البيت نفسه، ويكاد يكون القارئ لولا نهاية الشطر الرابع ليظن أنه أمام بيت أبوذية وليس بيتا من السريع، حيث أن الجناس مع النهاية (ياء مشددة مع هاء = يّه) هو القاسم المشترك في شعر الأبوذية، والجناس تكون فيه الكلمات متحدة رسما ومختلفة معنى، ومن ذلك البيت الأول من قصيدته “حسام المعتقد” من تسعة أبيات، ومستهلها:
جسّام لوّح ظَهَرْ أمِّ العُلَه * * * وِبْصارمَه آنْشالَتْ أرضْ كَربَلَه
جاسِمْ لنيران الحرُبْ شابَها
روسِ آلأعادي آبْصارِمَه شابَها
وآلجَدَّه حَيدرْ بآلوَغَه شابَها
لْتاريخْ جَدَّه بآلهِمَمْ سجَّلَه
ويقترن النظم الحسيني على بحر السريع من حيث النشأة مع عموم بحر السريع الدارج، ولا يظن المحقق الكرباسي وجود اختلاف كثير عن غيره: “لأن الظاهر أن منشأه في الأغلب حسيني إذ لم نجد الكم الوافر من الشعر السريع في غير الحسيني”، ولا يوافق المؤلف رأي الأديب علي الخاقاني المتوفى عام 1399هـ (1979م) بأن الشاعر الحاج عبد الكريم بن حمود الكربلائي المتوفى عام 1385هـ (1965م) هو أول من نظم شعرا حسينيا على هذا البحر، بل يعتقد أن الشمرتي هو مبدعه.
ردود موزونة
لأن الكاتب التزم الدليل في التعامل مع المعلومة، ولا تنزل في جوف القبول إلا بعد هضمها بتأنٍ، فإنه عند تناوله بحر السريع يقبل على بعض ويرفض البعض الآخر، بخاصة وهو قد خبر سفرة العروض، وأتى من البحور ما فاقت بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى عام 173هـ (789م)، فعلى سبيل المثال يناقش المحقق الكرباسي قول الأديب والشاعر العراقي الراحل مجيد بن لطيف القيسي المتوفى عام 1406هـ (1985م) في نشأة بحر السريع في النظم الدارج والقائل بأن: “السريع وزن من أوزان الشعر الشعبي العراقي القديم يرجع قدمه إلى قدم وزن الموشح” وأن: “الموشح وزن جميل وفن من فنون الأدب الشعبي ومن أقدمها”، فلا يأخذ المعلومة كمسلّمة، بل يرى أن المعلومة منقوصة، لأن الأديب القيسي، في شرح تاريخ بحر السريع: “لم يزد على كونه من أقدم الأوزان ولكن الباحث لا يجد في الشعر السريع هذا اللون الشعبي عمقا تاريخيا حيث لم يصلنا مما نظم عليه إلا في القرن الرابع عشر الهجري، نعم إذا كان المقصود بقدمه قدم الشعر المربع والفصيح منه وإلا فإن الشعر المصطلح بالسريع عند العامة فلا نجد له أثراً في القرن الثالث عشر الهجري”.
في الواقع أن المؤلف كما عودنا في هذا المؤلف والمؤلفات السابقة إن كانت في مجال الأدب أو السيرة أو الحديث أو الرجال أو الفقه، أنه يتسقّط المعلومة السليمة من مظانها ويجتهد في صقلها، ولذلك فهو إن ردّ أو صحح في مجال الأدب والنظم معلومة موهومة أو مغلوطة أو ليست في محلها، إنما يتحرى تصحيح المسار الأدبي وإرجاع الحق الشعري إلى نصاب الأدب، لاسيما وإن الكثير ممن لبسوا جلباب الشعر وراحوا يقفون في القاعات والنوادي الأدبية أو عبر شبكة المعلومات الدولية (الانترنيت) يلقون على الحضّار زبد الشعر لا لئالئه، إنما هم عيال على فتات مائدة الأدب، لا يحسن بعضهم حتى تنضيد الكلمات الأدبية لتكون كلاما منظوما يعجب سامعه، فكيف بشعر مقفى موزون لا يتأثر بحره بمد أو جزر، ولا يعتور سور البيت اعوجاج أو زحاف!.
وذات يوم سألني صديق لي عن نظم الشعر وعلاقتي به، فقلت له: نظمته شابا، وتركته إلى أهله، وانشغلت بالكتابة والصحافة والتحقيق. فقال لي: لكني أرى الأدب باديا على كتاباتك، قلت له: الأدب زينة الكتابة وزخرفها لكن المقالة أو الدراسة أولها فكرة وأوسطها استدلال وآخرها نتيجة، أي قضية صغرى وكبرى ونتيجة، في حين أن الشعر خلجة ثم معاناة ثم قدحة ثم انطلاقة ثم إجادة، وهذه السلسلة من حبات الشعور التي عجنت طينتها بأنامل الإجادة من تراب القريحة وماء الموهبة، لا تليق إلا بجيد شاعر مطبوع.
وقد استسهل البعض دخول وادي عبقر الشعر، فراح يضع الكلمات إلى جنب الكلمات وربما فوقها وتحتها وأسماه شعرا عموديا وبعضه تنازل وأسماه شعرا حرا، فلا هو بالشعر العمودي ولا هو بالحر، لا هو بالقريض ولا هو بالدارج، وإنما هو غوص في تراب الأدب يحسبه المفلس تبرا، ألا ترى أن الكثير من شعراء هذا الزمن لا يحسنون قراءة شخابيطهم إلا من على الورق كأنهم يقرأون لغيرهم لا لأنفسهم، مع أن طائر الشعر في معظم الأحيان يستقر في عش الشاعر لا يطير عنه، وأستوحي من الرقاشي عبارته وأقول: (وما نظم في هذا الزمن من الشعر الحر والدارج أكثر مما نظم من الشعر العمودي والفصحى، فلم يُحفظ من الحر والدارج إلا عشره، ولا ضاع من العمودي والفصحى إلا عُشره)، فكيف يُحسن المستمع أو القارئ حفظ الشعر وبخاصة الحر منه إذا عجز قائله عن حفظه؟!
الوصف الجميل
لا يختلف الشعر الدارج عن القريض من حيث الدلالات التشبيهية والإشارات الوصفية، فالشاعر يستخدم الوصف لإيصال الفكرة إلى المتلقي، لأن الوصف أقرب الطرق إلى الفهم، إلى جانب الجمالية التي يضفيها على البيت أو القصيدة، بخاصة إذا تفنن الشاعر في استخدام الأدوات المحيطة به وأمررها على خياله، لان ما يحيط بالمرء من إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد، عبارة عن مفردات جامدة لا يخرجها من جمودها إلا ذهنية متوقدة على نار هادئة من الشعور اللامتناهي،
يزيل رمادها توثب الشاعر المتفرّس إلى التقاط جزئيات الحياة وترجمتها إلى وصف بديع يسلب من العقول أذهانها ومن القلوب لبها، لكن الجزئيات تختلف من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، ومن جيل إلى آخر، وهي تتغير أو تتطور مع حركة عجلة الحياة واستحداث جزئيات ومفردات فرضتها ظروف الحياة وتداعياتها، فشاعر الصحراء غير شاعر المدينة، وشاعر البصرة غير شاعر الكوفة، وشاعر الجاهلية غير شاعر عصر الإسلام، وشاعر القرن الأول الهجري غير شاعر القرن الثاني هجري، وهلم جرا.
ومن الوصف الجميل، مقطوعة المثنى بن مخرمة العبدي من شعراء القرن الأول الهجري أنشأها في جواب رسالة قائد ثورة التوابين سليمان بن صرد الخزاعي المستشهد عام 65هـ، في وصف حصانه الذي يسابق الريح، تغالبه وحوش الفلاة فلا تكاد تسبقه، فهو الأول في مضمار السباق له صوت كالرعد غليظ يخيف صنوه ويخيف أعداء راكبه لقوام جسمه وطول أقدامه الدالة على السرعة وقدرة المناورة في ميدان الحرب، فينشد من الطويل:
تبصّرْ كأنّي قد أتيتُكَ مُعلماً * * * على أتلعِ الهادي أجشَّ هزيمِ
طويلِ القرا نَهدٍ احقّ مقلِّصٍ * * * مُلِحٍّ على فأس اللجامِ رَؤومِ
ومن ديوان السريع، البيت الخامس عشر من قصيدة عبود بن غفلة الشمرتي، ومطلعها:
ما حَلْ گلوصي بيچ يا كربله * * * إلهِ آوْ مِنْ كربچْ عليْ كَربله
كلْ فَردْ منهمْ بالحرُبْ مِنْ يِطُبْ
عرّيس چنّه والعروسِ الحرُبْ
فرحانْ بالموتِ آو دَمِعتَه تِصُبْ
لِحْسَينْ عَينه آعلَه آلْوَجن سايِلَه
فالشاعر في وصف حال أصحاب الإمام الحسين (ع) يماثل بين الفارس والعريس وساحة المعركة والعروسـ فيشتاق الفارس إلى المبارزة اشتياق العرّيس إلى عروسته بعد طول انتظار، يتوق إلى الإستشهاد في أحضانها، فيصب الدمع فرحا للشهادة وحزنا على الحسين (ع) الذي ظل في كربلاء وحيدا ينادي: ألا هل من ناصر ينصرنا ألا هل من معين يعيننا!!، وظل النداء ساريا إلى يومنا هذا يستحث الضمائر على نصرة دين الله وعباده وإحياء النفوس بإحياء الأمل في صدور الناس بحياة حرة كريمة تسودها العدالة الاجتماعية، وكما وصفه الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) (148هـ) في زيارة الأربعين في بيان مقصد نهضته (ع): “فأعذر في الدعاء، ومنح النصحَ، وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة..”.
رؤية إيزدية
تعدت شخصية الإمام الحسين (ع) الحدود الإسلامية وقفزت على المناطقية والمذهبية والعرقية، ليشكل ظاهرة عالمية فريدة من نوعها، يتوسل نهضته القريب والبعيد، ويتمثل بطولته القاصي والداني، ومن تعرف على هذا الاسم اللامع في سماء الإنسانية لا يقف عنده إجلالا وإكبارا فحسب، بل ويتحسس المظلومية من مظلومية الإمام الحسين (ع)، من هنا يقرر رئيس مركز لالش الثقافي في مدينة دهوك العراقية والباحث في شؤون الكرد الإيزديين الأستاذ بيير خدر سليمان، وهو يقدم قراءة لديوان السريع أن: “الإمام الشهيد والذي هو رمز لرفض الظلم والذل والهوان، قد رفد الإنسانية جمعاء دروساً وعبراً خالدة ستبقى أبد الدهر، وأنها تتجدد سنويا بتجديد الحياة”، ويرى أن الإيزديين يشاركون الإمام الحسين (ع) في أمور عدة: “فالإيزديون أتباع إحدى أعرق الديانات التوحيدية في ميسوبوتاميا – منطقة ما بين الرافدين – وكردستان، نشترك مع الإمام الشهيد (الحسين بن علي) في الإنسانية أولا، وكون كلانا ضحية الغدر على أيدي الحكام الظالمين ولم نستسلم يوما لجبروتهم وغيّهم وظلمهم ثانيا”.
ولكن ما هو موقع الإمام الحسين (ع) وأهل البيت (ع) في الثقافة الإيزدية؟، يؤكد الأستاذ بيير خدر سليمان النائب في برلمان إقليم كردستان العراق، أن للحسين (ع) منزلة كبيرة في قلوب الإيزديين، من حيث: “أن الإمام الحسين (ع) هو نجل الإمام العظيم علي بن أبي طالب (ع) والذي قيّمه الإيزديون من خلال نصوصهم المقدسة بالبيتين التاليين باللغة الكردية:
خودئ ئيمام عه لى ب ستى * * * خه لا تاخه لات كرى
ب فاطمه، ذو الفقار، * * * وهه سبى دندلى
ويعنى بالعربية ما يلي: الله كرّم الإمام علي بثلاث مكرمات: فاطمة، ذو الفقار والفرس دندل”.
والفرس دندل من السلالة العربية النادرة، وفي الثقافة الشعبية الإيزدية، وفي غيرها، إشارة إلى الفرس الذي كان يركبه الإمام علي (ع)، فهم يعتقدون أن صخرة في منطقة (دريجي الحليقيان) في الجانب الشمالي من جبل قضاء شنكال التابع لمحافظة دهوك العراقية، فيها آثار وتد رباط فرس، ويرون أن هذه الآثار الباقية إلى يومنا هذا تعود للفرس دندل الذي ربطه الإمام علي (ع) في الصخرة أثناء مروره بالمنطقة، وهي مقدسة في الثقافة الشعبية الإيزدية، ولهم فيها مراسيم خاصة، منها أن الزائر إليها عندما يقف أمام الصخرة يتراجع إلى الوراء ثلاث خطوات ثم يتقدم نحو حفرة مذود الفرس وهو مغمض العينين شاهرا سبابته اليمنى فإن دخل الأصبع الحفرة فإن أماليه وأمنياته ستتحقق بإذن الله.
ويرى الباحث الإيزدي أن الإيزديين لا يمتون بصلة إلى يزيد بن معاوية قاتل الإمام الحسين (ع) كما يشاع، ويعتبر المقولة: “مغالطة تاريخية مجحفة بحق الكرد الإيزديين”، ولذلك: “ومن على المنبر الحسيني الكريم، ذلك المنبر المعطاء الذي يرمز إلى العدالة وإحقاق الحق أقول: بأننا (إيزديّون) ولسنا (يزيديّون)، وتسميتنا هذه قد أتت من خلال مفردة (ئه زدا) = (خودا) أي الخالق جل جلاله، ومفردة (إيز
د) هي ذاتها التي يستخدمها الفرس والتي تعني الخالق والرب .. فليس من الصحيح ما أشيع عن عمد من أن هذه الطائفة الكريمة تُنسب إلى يزيد بن معاوية الأموي قاتل الإمام الحسين (ع) .. إن إيزي الإيزدية (الإله) هو الذي يُعبد عند هذه الطائفة وليس يزيد بن معاوية الأموي قاتل الإمام الحسين (ع) كما أشاعه المغرضون لضرب عصفورين بحجر .. إن الإيزديين يعظمون هذا الإمام الشهيد وينظرون إليه بكل تقدير واحترام حيث ناهض الظلم والاضطهاد لأجل تحقيق العدالة للشعوب وبالأخص المضطهدة منها”.
وعن رأيه بما جادت به أنامل البحاثة الدكتور محمد صادق الكرباسي الذي يكتب في موضوعات شتى تعدت حدود الموسوعة الحسينية، يعترف الأستاذ بيير خدر سليمان، وبتواضع الباحثين: “إنني لست بذلك الفارس الذي يمكنه تقييم هذا الجهد الجبار الذي قدمه سماحة الشيخ الكرباسي في ميدان دائرة المعارف الحسينية، ولا شك أنه عمل عظيم يستحق كل الثناء والتقدير”.
*إعلامي وباحث عراقي
الرأي الآخر للدراسات – لندن
[email protected]