سألني العديد من الناس مؤخرا عن سرّ عدم ترشحي للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في شهر أبريل القادم، رغم أنني كنت من الأوائل الذين عبروا عن رغبتهم في الترشح، بل وأعددت موقعا على شبكة الإنترنيت، منذ حوالي سنة للغرض ذاته، وفضلت أن تكون إجابتي للجميع عبر هذا المقال، الذي أوجز فيه أهم دواعي وأسباب عزوفي عن المشاركة في هذه المهزلة الانتخابية التي أعتبرها «لا حدث»
فمن أهم هذه الأسباب أنني كنت في البداية مشحونا برغبة جامحة في الإسهام خلال الحملة الانتخابية لرئاسيات أبريل في كشف مواطن الوساخة في نظامنا السياسي، وتعرية الفساد والمفسدين، وكنت متيقنا بأن لا حظوظ لي في الفوز، لأن قواعد اللعب محسومة مسبقا لصالح من تزكيه دوائر صنع القرار، ورغم علمي بذلك كنت مستعدا للترشح لهذه الانتخابات، للغرض السالف الذكر، لكني وبمجرد سماعي بعزم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعديل الدستور، بالمرور عبر البرلمان الفاقد للشرعية، لتمكينه من الترشح للعهدة الثالثة، انتفضت في وجهه واتهمته بأنه انقلب على الشعب الجزائري، وانقلب حتى على نفسه، وقررت وقتها سحب نيتي في الترشح، لأنه لا يعقل أن أدخل في منافسة ديموقراطية إلى جانب من انقلب على الإرادة الشعبية، ولم يمنعني عدم ترشحي في مواصلة كشف سيناريوهات التلاعب بمصير الجزائر، ووصل بي الأمر إلى حدّ نشر بعض الوثائق السرية التي تؤكد أن الانقلاب على الإرادة الشعبية يضرب بجذوره إلى ما قبل استقلال الجزائر، وأن ما نعانيه اليوم ما هو إلا نتاج منطقي وموضوعي لتواصل المؤامرة التي حيكت ضد قادة الثورة الحقيقيين قبل وبعد الاستقلال.
لا أخفيكم سرا أنني كنت أتوسم الخير كله في الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عندما ترشح للعهدة الأولى، وقد كنت من الأوائل الذين آزروه، وساندوه على أمل أن يحقق المصالحة الوطنية بين الجزائريين، وبين الجزائر ومحيطها الإقليمي، وأن ينطلق بقوة في تصحيح مسار البلاد، وتخليصها من براثين الفساد، وقد سارعت شخصيا إلى تقديم ملف خطير للغاية لرئيس الجمهورية لما كنت رئيسا للمجموعة البرلمانية للثلث الرئاسي بمجلس الأمة، ملف يحتوي أدلة دامغة على تورط بعض المسؤولين الكبار في شبكات دولية للاتجار بالمخدرات، وتعجبت مباشرة بعد ذلك كيف أن نسخة من التقرير والرسالة المرفقة معه، وصلت إلى بعض المسؤولين المتورطين في القضية على مستوى مدينة وهران، وزال عجبي لمّا انطلقت حملة تحرش كبيرة ضد عائلتي، وأصدقائي، وصلت إلى حدّ سجن اثنين من أبنائي، آنذاك، ولا تزال الحملة متواصلة إلى يومنا هذا عبر أشكال مختلفة، كالتنصت على مكالماتي الهاتفية، وتشديد الرقابة على تحركاتي، وتحركات أفراد أسرتي.
بزوال التعجب، وتواصل التحرشات، كان لزاما علي أن أخرج إلى المواجهة، وأعري هؤلاء المفسدين، ولو كلفني ذلك حياتي، وتأكدت في خضم هذه المواجهة أن الرئيس عبد العزيز، قد فقد السيطرة على زمام الأمور، وأنه أصبح غير قادر على تحقيق الوعود التي تغنى بها، في كل خطاباته، فلا هو نجح في ترسيخ المصالحة الوطنية، ولا هو قدر على الوقوف في وجه دوائر الفساد، وتبعا لذلك، أدخل البلاد في دائرة من الوساخة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لم يشهد لها الجزائريون مثيلا، وها هو اليوم وعند إعلان ترشحه، يلوح للدوائر الفاعلة بأن في خزائن الجزائر 150 مليار دولار سينفقها في العهدة الثالثة، والكل يعلم أن ما ضخه من أموال في إطار برنامج الإنعاش الاقتصادي، لم يصل منها الا أقل من 50 بالمائة الى مقاصدها وهذا باعتراف الخبراء، فهل يعني تلويح الرئيس بصك 150 مليار دولار، أنه قبل بأن يكون مصيرها نفس مصير صك الإنعاش، مما لا شك فيه أن ما سيحدث بعد الانتخابات سيدخل الشعب والاقتصاد الوطني إلى غرفة الإنعاش، خاصة مع تراجع أسعار النفط، وترقب الخبراء بانهيارها..
لهذه الأسباب قررت اعتبار الانتخابات الرئاسية لأبريل «لا حدث» لأن الحدث الحقيقي هو ما سيأتي من بعدها…
جمال الدين حبيبي