في الوقت الذي ينشغل فيه الغرب بالأزمة المالية حذر الكاتب بروس آندرسون في مقال له بصحيفة إندبندنت من أن مأساة أخرى تتجذر, فالنظام المالي العالمي سيتعافى أما عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين فلا مجال للتفاؤل بشأنها إذ لم يعد واضحا كون تلك العملية لا تزال موجودة.
فالأفق المنظور لا تلوح فيه مفاوضات ولا عملية سلام ولا حل بل إن كل ذلك يبدو اليوم أبعد مقارنة بأي وقت مضى منذ 1967, مما يعني أن إسرائيل مصممة على انتهاج المسار الذي سيؤدي في آخر المطاف إلى دمارها, على حد تعبير الكاتب.
آندرسون لاحظ وجود نوع مما سماه “سخرية القدر الشنيعة” من خلال وتيرة وطريقة تطور الأحداث, وهو ما ينذر بانتصار الزعيم النازي آدولف هيتلر على اليهود بعد عشرات السنين من موته.
ولا يعني الكاتب بذلك عدم تفهم سبب فقدان الإسرائيليين ثقتهم في كل شيء إلا قواتهم وأسلحتهم بعد ما عاناه اليهود على يد الأمة التي أنجبت بيتهوفن وغوتيه وموزارت.
لكنه بنفس الدرجة يؤكد وجوب تفهم سبب ردّ الفلسطينيين بعد أن شردوا من أرضهم وأجبروا على العيش لاجئين خارجها رغم أنهم لا يتحملون أي جزء من المسؤولية عن “وزر المحرقة”, لكن غضبهم مما ألحقه بهم الإسرائيليون جعل –من الطبيعي- نمو الشعور النازي لديهم.
ونظرا للظروف التي أنشئت فيها دولة “إسرائيل” فإن آندرسون يؤكد أن غالبية الإسرائيليين يرون أن هناك قضيتين مصيريتين لدولتهم, فهم يريدون أن يتمتعوا بالأمن وأن يعترف جيرانهم بحقهم في الوجود.
وهذا لا يبدو غير واقعي لكنه كذلك بالفعل لأنه فشل في اجتياز اختبار العقلانية السياسية نظرا لافتقاده للواقعية, على حد تعبيره.
ولتجنب اللبس في فهم المقصود, شدد آندرسون على أنه لا يعني أن قدر الإسرائيليين هو أن يعيشوا داخل ملاجئ مضادة للقنابل تحت تهديد مستمر, لكنهم اختاروا أصلا العيش ضمن جوار خطير وعليهم إذن قبول حلول وسط تمكنهم من ذلك.
فبدلا من وهم الأمن المطلق عبر فرض سلام مهين على العدو المسحوق, يرى الكاتب أن “إسرائيل” يجب عليها أن تدرك حاجتها إلى انتهاج أسلوب يضمن لها الحياة.
وأضاف أن المواطنين الإسرائيليين فشلوا في إدراك حقيقة مفادها أن أمنهم مهدد بشقاء جيرانهم, أما زعماؤهم فيفتقدون إلى الحكمة السياسية والشجاعة الأخلاقية الكافية للتعبير لمواطنيهم عن أمر يرجح أن يكون يختلج في صدورهم وهو أنهم إن أرادوا السلام فعليهم أن يجازفوا.
فما يريد الرأي العام الإسرائيلي فرضه حسب الكاتب, هو التهدئة مع الفلسطينيين, لكن الذي يحتاجه الفلسطينيون هو دولة فلسطينية وهي حق شرعي لهم.
آندسون عبر عن اعتقاده أن بدائل إنشاء الدولة الفلسطينية قد تكون متاحة لكن أحلاها مر, فهي حسب قوله خياران, فإما منح الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية وهو ما يعني نهاية الدولة اليهودية، وإما التطهير العرقي للفلسطينيين عبر طردهم إلى الأردن, وهو ما يعني نهايتها من الناحية الأخلاقية.
وعلى افتراض أن البدائل غير مقبولة, يضيف الكاتب, فإنه لم يعد أمام “إسرائيل” إلا إحقاق الحق أو الاستمرار في العيش داخل بلاد تعج بالسكان الفلسطينيين الغاضبين الذين ينتظرون أي شرارة للاشتعال, وإذا شب الحريق فمن ذا الذي يستطيع أن يتكهن بالمدى الذي ستصله ألسنته؟ يتساءل آندرسون.
وختم بالقول إن “إسرائيل” بلد جميل تأسس على مأساة ومن المؤسف أن تنتهي رحلته الشجاعة إلى مأساة كذلك، وهذا ما يرجح وقوعه الآن وعندها يقول الكاتب يجب ألا تلوم “إسرائيل” إلا نفسها.