فضل شرورو…مع السلامة
بقلم : زياد ابوشاويش
تغادرنا بلا وداع لأنك لا تحب لحظات الوداع. تترك في القلب غصة برحيلك الحزين وأنت الصديق الذي عرفناه عن قرب بكل ما فيه من فلسطين الأرض التي نبت فيها وتجذر.
أبا فراس لم لم تتنظر بعضاً من الوقت لترى كيف يخرج شعبك المكلوم من تحت الرماد ويعيد الأمور إلى نصابها نحو القدس التي أحببت وعملت طويلاً من أجلها؟.
كنت أيها الغائب الحاضر خير من يفتح قلبه قبل ذراعيه لأصدقائه ومحبيه ونحن منهم. غادر الرجل الذي ما زرناه في مكتبه مرة إلا وجعل من استقباله لنا حفلاً للود وللحوار الممتع عن كل شيء وفي كل ضروب الأدب والثقافة والسياسة. كان أبو فراس دمثاً إلى أبعد الحدود، منفتحاً على الحياة وعلى أفكار من يخالفه الرأي بلا توتر أو توجس. كان يثق في الناس لثقته في نفسه وفي صدق مشاعره تجاه من يحب. أحب وطنه كعاشق، وقدم له أكثر مما يقدمه العشاق لمن يعشقون. تشم في كل كلماته رائحة البرتقال وترى فيها ألوان ورود فلسطين بكل أنواعها، تتذكر وهو يكلمك في العمل النضالي والصراع مع اسرائيل بأن شعبنا سينتصر رغم تفوق العدو. كان يؤمن بعمق بحق أبناء شعبه في العودة وفي كل شبر من أرضهم وأن الكيان الصهيوني زائل لا محالة. هو القائد الكبير صاحب المبادرات في الأدب والثقافة كما العمل التنظيمي والصراع السياسي. تشعر حين تنادمه بأنك تجلس مع أحد شعراء العصر الأموي، وفي لحظات أخرى أنك تحاور حكيماً من حكماء العصر العباسي، وفي الشأن الفلسطيني وانقسامنا ومحنتنا كأنك تحاور أكثر الناس حرصاً على الدم الفلسطيني وأكثرهم رغبة في عودة الوحدة الوطنية.
رحل عنا ونحن في حاجة لأمثاله من القادة المتواضعين ذوي الروح الجزلة والنفس الواثقة والمروءة الصادقة. لم يترك لنا وقتاً لنحتفي به قبل أن يودعنا مسافراً بروحه تجاه وطنه وهو الذي كان قبل وفاته ملء الحياة رغم علائم التعب والمرض البادية في حركاته وشحوب وجهه.
رحل كسابقيه من عمالقة الأدب الفلسطيني وثوارها الأفذاذ، وترك فينا نتاجات فكره وروحه الوثابة كتباً ومقالات لا تعد ولا تحصى.
كان رحمه الله من مدينة الرملة بفلسطين وكم كان سعيداً حين أخبرته أن جدتي لوالدتي هي من الرملة أيضاً وكان حين تحدثه يصغي بانتباه ويبدي بكل تواضع العارفين إعجابه بفكرة أو رأي أدليت به ولا يتردد لحظة في طلب إعادة ما قلت عليه بعد أن يمسك بقلمه ليكتب ما قلت ويستخدمه في مقالاته الشهرية أو غيرها، كما لم يكن من المتعالين على أي فكرة قد تساهم في تطوير عمله في مجال التنظيم وأمانة سر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – التي كان من مؤسسيها ومن الرعيل الأول لجبهة التحرير الفلسطينية التي سبقت قيام الجبهة الشعبية بسنوات طويلة ونبتت من رحمها – القيادة العامة -.
ولد الرفيق فضل شرورو الأديب والكاتب والشاعر والمناضل الكبير عام 1940 في الرملة كما أسلفنا وعاش كغيره مرارة اللجوء ومأساة شعبه بكل ما فيها من دروس وتعلم حتى حصل على شهادة الدكتوراة من إيطاليا وأسس مجلة إلى الأمام وإذاعة القدس وغيرها من مؤسسات وطنية وصروح ما زالت منارة من منارات الوعي الوطني الفلسطيني والعربي.
المعروف عن الرجل وأسرته التزامهم بقضية الشعب والوطن والعمل بشكل مباشر في خدمته ورفع الظلم عنه، يقيم أوسع العلاقات المبدأية والإنسانية بمعناها الواسع مع عدد كبير من السياسيين والمثقفين العرب وخصوصاً اللبنانيين. كان أسلوبه في الشأن الوطني الداخلي يتسم بالمرونة والاعتدال وحريصاً على تسويغ مواقف جبهته قدر المستطاع.
الأخ والصديق فضل أبا فراس لانملك ونحن نودعك ونستمطر الرحمات على روحك الطاهرة سوى القول: أوفيت الأمانة ….. مع السلامة فضل شرورو.
14 / 2 / 2009