د. فايز أبو شمالة
بعد صعود اليمين المتطرف، وانجلاء حقيقة المجتمع المحكوم لتعاليم التلمود، وبعد تحقق التهدئة، تبقى أن تنجز صفقة تبادل الأسرى، لتضيق على السيد عباس الخيارات، وأني توجه ببصره سيجد حماس، وكأنها قدر عباس، ولاسيما أنه أمسى غائباً عن قطاع غزة، ومنقطعاً عن واقع السكان الذين اطمأنوا في حضن المقاومة، ثم لا علاقة تنظيمية، ولا رابط وجداني لسلطة رام الله مع فلسطينيي الشتات الذين يحترمون المقاومة، ثم لا حضور متمكن للسلطة في وجدان الفلسطينيين سكان الضفة الغربية وفق آخر استطلاعات الرأي التي أجراها مركز القدس للإعلام. لم يتبق للسيد عباس إلا الوجود الرسمي في مباني الوزارات، ومقرات قوات الأمن، وجلها مرتبط بحكومة رام الله التي برزت فاعليتها في مهمتين؛ الأولى أمنية، والثانية مالية، وهاتان المهمتان محكومتان في بقائهما باستمرار رضا الإسرائيليين.
كي يجتاز الشعب الفلسطيني هذه الحالة غير المسبوقة من الانقسام الجغرافي، وكي يجتاز التمزق بين مشروعين سياسيين، وبهدف تحقيق أدنى القواسم المشتركة بين أداء السلطة وطوح الشعب، وللمواءمة بين المتغيرات الميدانية التي توالت كموج البحر وبين عدم الحراك السياسي، أمام السيد عباس ثلاث خيارات:
الأول: أن يستسلم للواقع، ويقر بعجز السلطة عن تحقيق الأهداف التي تشكلت من أجلها، ويطلق سراح سجناء المقاومة، ويحل السلطة، ويلقي بعبء حياة الناس على الاحتلال مباشرة، وفي هذه الحالة سيربك الدولة العبرية، ولاسيما أن المقاومة ستشق طريقها في الضفة الغربية، كما حصل في غزة، وستكون حركة فتح على رأسها، وسيفرز الميدان الشخصية الفلسطينية القيادية القادرة على استنهاض طاقة الشعب المكبل، لتغدو الوحدة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية تحصيل حاصل، وقد التقت على برنامج مقاومة للاحتلال، الذي يبعث الأمل، ويعزز الروابط الوجدانية بين فلسطيني الداخل والشتات، ولا بأس في هذا الخيار.
الثاني: أن يناطح الواقع، ويبقى الأمر على ما هو عليه، وفي هذه الحالة كأنه يرفع يده عن غزة، ويتركها وشأنها، تتدبر أمرها، وتقيم أودها، وتواصل رحلة تحررها عن الدولة العبرية، ومع هذه الخيار سيكون قد تعزز القطع، والفصل بين مصير غزة، ومصير الضفة، التي ستكون قطعة جبن طرية بين فك الإسرائيليين ولاسيما أن رجال المقاومة في سجون السلطة، و”نتانياهو” و “فيجلن” و”أفيقدور ليبرمان” يشحذون السكاكين. وهذا أسوأ خيار.
الثالث: أن يساير الواقع الذي فرض فيه رجال المقاومة أنفسهم، وأن يقر بالمتغيرات الميدانية وانعكاساتها السياسية، ويوافق حماس، والجهاد الإسلامي على برنامج إصلاح منظمة التحرير، وإعادة بناء مؤسساتها، مع إصلاح السلطة، وإعادة بناء أجهزتها الأمنية، والاتفاق على برنامج سياسي تكون المقاومة مكوناً رئيسياً فيه، ينسف كل ما سبق من مناهج الحياة السياسية الفلسطينية التي ضللت الطريق، وظللت الرؤيا.
بهذا الخيار يستطيع السيد عباس أن يكون الشخصية السياسية الانتقالية، التي سعت للتوافق الفلسطيني، ومهدت الطريق لانتخابات برلمانية، ورئاسية، واستطاع بالوحدة الوطنية الإسلامية مواجهة حكومة إسرائيلية متطرفة تستهدف كل فلسطين.