ذ.محمد زمران
كثيرا ما يُتداول بين أصحاب مهنة المتاعب، – المهنة التي تعد في خدمة الإنسانية والبشرية، من خلال رسالتها النبيلة – مصطلح (الصحافة الصفراء) حتى بات هذا المصطلح يحتاج إلى الكثير من الشرح والتوضيح أو تحديد معناه، ومن المعلوم أن مصطلح الاصفرار هذا لم يقتصر إطلاقه على الصحافة فقط، (الجرائد المجلات) بل أطلق أيضا على الكتب القديمة التى اصفرت أوراقها بفعل تقادمها وتقادم معلوماتها من كثرة استعمالها، ومن هذه الأصول نجد أن مصطلح (الصحافة الصفراء) أو الكتب الصفراء .. يعني أنها خالية من أي مضمون، واحسب أن هذا هو المعنى المقصود بإلصاق هذا اللون وإضافته إلى الصحافة أو الكتب، ليكون مجازا يفيد القدح والذم، ومن الصفات التي التصقت بهذه الصحافة كذلك، سواء كانت يومية أو أسبوعية أو شهرية أو دورية .. هي صحافة تفتقر إلى المصداقية، والدقة، ولاتعتمد إلا على الإشاعات أو الأخبار الكاذبة ..! وهذا ما يجعلها تفقد ثقة القراء فيها، لتبقى مجرد أوراق صفراء، لايعار لما تأتي به من أخبار أي اهتمام.
وهذا الوصف لاينطبق على ( الصحافة الورقية التقليدية) فحسب، بل لم تُستثنى منه حتى الصحافة الالكترونية الحديثة العهد بالحقل الصحفي، والتي بدأت بصورة عشوائية، ودون أي نظام يذكر، لأن جل جرائدها التي ركبت على حرية الصحافة والتعبير هي الأخرى ينطبق عليها مصطلح الاصفرار، وخصوصا تلك التي تتلقى المقابل على ما تنشره من سموم تهدم القيم، وتسيء إلى الحقل الصحافي والى المجتمع ككل .. وهنا لابد من الإشارة إلى أن هناك مصالح خاصة عند هذه الأخيرة تؤثر على تعاملها مع الميدان، مما يمكنها من نسف أخلاقيات المهنة، وهي كثيرة، بحيث تفسح المجال لأقلام كل من هب ودب، وتفتح الأبواب على مصراعيها لأولائك الذين يمتازون بضحالة مستواهم الفكري والثقافي، والذين ليس بينهم وبين الكتابة الصحفية إلا الخير والإحسان، ولا يتوفرون على أي ثقافة قانونية تساعدهم على معرفة حقوقهم وعدم التعدي على حقوق الآخرين، لتبقى تصرفاتهم بعيدة كل البعد عن الواقع الإعلامي بصفة عامة، ولا يكون لهم أي هم إلا التهجم على أعراض الناس، وإثقان كل ما تحويه قواميس السب والشتم وهلم جرا، لأن مايأتون به يعد من الكتابات الفارغة من المعنى .. أجل كتابات فارغة من المعنى، تجبر القاريء أن ينعتها بأنها قمة في الرداءة والاستبلاد والتفاهة، وهي أيضا استهتار بالناس وسخرية منهم .. لأنه كلما كثرت مثل هذه الكتابات الفارغة سقطت قيمة القلم، والمشكل الذي يحير الأذهان في الحقيقة هو أن لاأحد من الكتاب “المزعومين” طبعا يستطيع تحمل المسؤولية ويطرح على نفسه الأسئلة التالية : من أنا ..؟ ولماذا أحمل القلم ..؟ ولمن أكتب ..؟ ولماذا ..؟.
وهكذا يكون هم (الجرائد الالكترونية) الوحيد هو تغليب فكرة الكم على الكيف، بحيث تستقطب عددا لايستهان به من الزوار وأشباه الكتاب، الذين يزيدون بكتاباتهم الطين بلة، الشيء الذي يجعلها تتصرف تصرفا ينال من شرف المهنة، ولاتحترم ذوق وكرامة الجمهور، حتى أصبحت تنعت ب.المزابل الصحفية لما تضمه صفحاتها من مواضيع لاتمت للصحافة بصلة، وبعيدة عن كل طرح جاد ومعقول يعطي بعدا إضافياً لصحافتنا، رغم أن المتعارف عليه أن مهمة “تثقيف” الشعوب انتقلت من أيدي الفلاسفة والكتاب إلى أيدي الصحفيين، شرط أن يكون هؤلاء من الذين قال فيهم ربنا عز وجل ”يرفع اللـه الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات”.
وهذا ما يجعلنا نصطدم كليا مع واقع أليم، بل ومرير، تشهده الحركة الثقافية والأدبية والفكرية على كل المستويات ما دامت “الكتابة الصحفية” أصبحت مهنة من لا مهنة له، يدلي فيها بدلوه كل من تعلم فك الخط، ليصبح بفضل تعاون الجرائد المشار إليها أعلاه، يرى في نفسه أنه “نابغة عصره”، بيد أن الأمر في الحقيقة في الوضع الراهن يدعو كل ممتهن شريف لمهنة الصحافة هاته إلى تحطيم قلمه والتخاصم مع ” شيطان الكتابة ” .
وفي ظل هذه الفوضى التي يعرفها حاليا المجال الصحافي في غياب قانون يحدد المعالم، يبرز التساؤل الذي لطالما قظ مضجع العديد من المهنيين والذي هو: “هل يمكن تسمية كل من يكتب بموقع على الإنترنت ب.صحفي،” هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة واضحة وسط هذا الكم المتراكم من الكتاب المزعومين، الذين تضافرت جهودهم وشرعوا هذه الأيام في البحث عن صيغة يتبثون بها وجودهم في مجال الصحافة ظلما وعدوانا، غير عابئين بما تتسبب فيه بعض”الصفحات الالكترونية” من ضرر، وقد صدق من قال: ” قد لا يستطيع إلا خريج كلية الطب أن يكون طبيبًا، ولكن يستطيع من هو نصف أميّ أن يكون صحافيًا“ وعلى رأي جوزيف بوليتزر، الصحفي المَجري الأصل، الذي أصبح ناشر النيويورك ورلد، ورئيس تحريرها، الذي قال إن الصحافة هي أكثر المهن حاجة إلى أوسع المعارف، وأعمقها، ويسأل في نفس الوقت هل يصح أن تُترك هذه المهنة، ذات المسؤوليات الكبيرة، تُمارس من دون أي تأهيل منتظم، وهذا ما يؤكد أن الصحافة فن، والراغب في العمل
فيهـا لا بد أن يكون ذو موهبة، فضلا عن توفره على ثقافة عامة وتجارب عديدة، ولايسعني إلا أن أختم ب. اما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيبقى في الأرض..!
فيهـا لا بد أن يكون ذو موهبة، فضلا عن توفره على ثقافة عامة وتجارب عديدة، ولايسعني إلا أن أختم ب. اما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيبقى في الأرض..!