زكريا النوايسة
يكثـــر في هذه الآونة اللغط حـــول ما تــم التعارف باسم عيد ( الحب ) أو كما يحلـــو لبعض المتفرنجيــن بتسميته بعيــد ( الفلنتايـن ) ، فيتوزع الناس فيه ما بين مادح راغب فيه أو ذام لهذا التقليد الغريب على منظومة قيمنا العربية والاسلامية ، وتقوم حجة المادحين أن الكون بحاجـــة للحب كحاجته للغذاء وتكريس يوم لهذه العاطفة النبيلة ليس فيه ما يضير، أما المعارضين فأنهم يرون في هذا التقليد محاولة لضرب الخلق والسلوك الانساني القويم تحت مسميات خادعة .
في هذا العيد المزعوم نرى الفتيان والفتيـات وربما بعض الناضجيـن يتأهبـون بحماس للإعـداد لطقوسـه الحمراء بدءا من الوردة التـي يشتـرط أن تكون حمراء امتدادا الى اللباس الذي يدفع فيه مبلغا قد يشطب خط الفقـر عند كثيـر من العائلات الفقيـرة ، وصـولا الى ذروة هذه الطقوس التي نسمع عنها في المجتمعات المخملية التي تظهر على شكل حفلات وسهرات حتى مطلع الفجر.
وقد اعتدنا على النظر للمحتفلين أنهم من شريحة المترفين وأنجالهم ، وكنــا نرى انغماس هؤلاء بكونهم المترف لن ينسحب على الشرائح الأدنى والتي تمثل دائما الرجاء والأمل بالتغيير وقدرتها على فهم الواقع وبالتالي تشييده على أسس منطقية ، ولكن الزمان يظهر أصبـح مقلوبا فبتنــا نرى شرائحنا البسيطة تزاحم وبعنف لتحوز على مبتغاها وردة حمراء أو قميص أحمــر حتى ولو كان هذا مقابل ( ربطة ) خبز لبطون عشعش فيها الجوع منذ الصرخة الأولى.
إذن فالنتاين في أرض العرب لم يعد حكرا على الأثرياء،فها هو يداعب شهية الفقراء ليخرجـوا من ثوب وقارهـم ليغوصوا في الطوفـان الأحمـر، أما ذئب الجـوع الـذي لا ينفك يعــوي فعليه أن ينتظـر فاقتناص لحظـة حب حمـراء قد لا تسنـح في كل حيـن ، يالـه من زمان أخرق بات الجيـل الجديد فيه يقايض كرامته وخلقه ورجولتـه والأنوثة الخجـولة الطاهرة ببضـع ابتسامـات بلهاء أو كلمات تفتقد لكل شيء إلا من ميوعة تثير في النفس التقزز.
أما بلستاين (فلسطين ) فنحن على أعتاب الذكرى المتجددة للنكبـــة الفلسطينية التي تصادف في الخامس عشر من أيار من كل عام، تحل هذه الذكرى بعد أن نكون قد عشنا اللحظـات الفلنتانيــة الحميمة ، تعود هذه الذكرى لتلسعنا بسياط الذكريات الطويلة للراحلين في ذلك الصباح على أمـل العــودة القـريب ،نعــم تعــود هذه الذكـرى لتنغص علــى البعض لذيــذ خــداره الـذي عاشه ذات فلنتايــن ، فيتمنى بينه وبين نفسه لو يتم شطب ذكرى ( بلستاين ) لصالح فلنتاين ، فمزاج هـؤلاء شفاف قـد يؤذيه الحديـث عن مفاتيــح العــودة التي ما زالت أيدي الأجداد المتغضنة تقبض عليها بقوة ، وقد يجرح مشاعره أنات القدس الحزينــة وهي تدفع يد مغتصبها وتنظــر في الوجــوه لعل فيهم الفاروق أو صلاح الديـن أو معتصم ، فتعود عيونها الباكيـة كسيفة وهي تطالـع شبابـا كانت تؤملهم لفجر النصر يتمايلون بدلال ( وغنج ) لا يليق إلا براقصة في ماخور.
نعم في كل عام نطرح هذا السؤال هل هذا الجيل الذي تربى على الميوعة والدلع والدلال يحمل في جيناتــه القدرة والعزم على صناعة النصـر؟ إنني شخصيا أشعر بالاحباط حين أرى أصحاب الخصــرالساحــل والأيــدي التي الأصــل فيهــا الخشونــة تحيــط بهــا الأســاور والأذان المثقلــة بالأقرط ،نعم الأمر لا يدعو للتفاؤل فمثل هؤلاء ستهرب منهم البندقية ولن يستطيعوا صبرا على اللحظــات العصيبــة التــي تصنع النصــر، ولـن تصمد أقدامهم الطرية حين يتزاحم الأبطال على فرصـة شهــادة علــى أبــواب القـدس ، إنهــم من أصل هزيمتنـا وبكل تأكيد لن يكونوا من أسباب نصرنــا ، فعــذرا يا فلسطين ففــي كل مرة تنتظرينا نخــذل عيونـك المترقبة ، ونلقي عليك تحيـة متعجلة لنعود نحمل انكسارنا وخجلنا من أنفسنا ونحن نرى ( نتنياهو ) وعصابته يشحذون مديتهم ليوسـع من جرحك الدامـي،أمّـا هـذا الجيـل فلا تنتظريـه فهـو غارق في الفلنتايــن وورده الأحمـر وأسـاوره المزركشـة وسهراته النضالية الصاخبـة فلا نامت أعين الجبناء.