منظمة التحرير هي الكيان السياسي الفلسطيني (6)
وأنا عائد اليوم إلى المنزل؛ سألني سائق السيارة من أهل القطر العربي الذي أقيم فيه باندهاش واستغراب: نرى من أيام النساء والشيوخ على فضائية الجزيرة وغيرها يصرخون بأنهم لا يجدوا بطاطين يتغطون بها، ولا طعام ولا حليب لأطفالهم، ولم يستلموا مساعدات مالية يمكنهم شراء ما يحتاجون منها، ومساكين ينامون في الخيام في هذا البرد الشديد وتحت الأمطار بدون فرشات …إلخ وغير ذلك مما يسمعه وأسمعه ويسمعه كل المشاهدين، ولا اعلم إن كانوا يفهمون من تلك المشاهد شيء ما، أو أنهم لغوا عقولهم وانساقوا كالخراف والعميان خلف الدعاية والتهويل الإعلامي الكاذب المضلل، وخلف ما يروجه أنصار هذا الاتجاه أو جماعتهم وأعداء الاتجاهات الأخرى من سياسة إعلامية موجهة، هدفها مسح عقول المشاهدين وعدم تمكينهم من معرفة الحقيقة؟! وتساءل وهو يكاد لا يصدق ما يحدث لأهلنا في غزة:
أين تذهب كل تلك المساعدات التي أرسلت لأهل غزة؟. هل مَنْ يُجيب على هذا التساؤل؟!
العرب ضد كيان سياسي فلسطيني
واضح أنه كان من البداية هناك إجماع غربي ـ صهيوني على عدم قيام دولة للفلسطينيين مثلهم مثل بقية الأقطار العربية الأخرى، وليت الأمر وقف عند ذلك ولكن هناك بعض العرب مَنْ شاركهم تلك المؤامرة منذ تلك اللحظة، مؤتمر الصلح، وعلى رأسهم فيصل بن حسين بن علين الوحيد الذي سُمح له المشاركة ممثلاً لوالده ملك الحجاز فقط. وقد كان ثمن تلك المشاركة التخلي عن فلسطين لصالح (دولة يهودية)، بدء من كلمته اليتيمة أمام المؤتمر التي لم تزيد عن (20 دقيقة)، التي طالب فيها باستقلال الأقطار العربية واستثنى فلسطين معللاً ذلك: “بالنظر إلى طابعها العالمي” على حد قوله. وارتأى “بأن تحل قضيتها من قبل جميع أصحاب العلاقة؟!.
وأثناء فترة المؤتمر قابل فيصل ثلاثة من زعماء الصهاينة، هم: وايزمان، سكولوف، هربرت صموئيل، وكان طلبهم تأسيس “وطن قومي ثقافي” في فلسطين مقابل مساعدتهم العرب في المحافل السياسية والأجنبية، وعلى الرغم من عوني عبد الهادي دخل على فيصل أثناء الاجتماع وأخبر فيصل: أن الصهاينة يريدون تشكيل “دولة يهودية” في فلسطين، إلا أن صموئيل نفى ذلك، ويبدو أن فيصل اقتنع بكلام صموئيل ووقع على الاتفاقية المشهورة باتفاقية الصداقة العربية ـ اليهودية، أو اتفاق فيصل ـ وايزمان بتاريخ 3 كانون الثاني /يناير 1919، التي تحدثت عن شيئين منفصلين، أحدهما الدول العربية وثانيهما فلسطين، وان هذا الفصل الذي بدا واضحاً في المادة الأولى كان تمهيداً للاعتراف بوعد بلفور في المادة الثالثة: “تؤخذ جميع التدابير وتعطى أفضل الضمانات لتطبيق تصريح الحكومة البريطانية الصادر يوم 2تشرين الثاني/نوفمبر 1917 حين وضع دستور فلسطين”، وذلك فتح باب التنازلات بعدها!. وقد استدعى الصهاينة تلك التنازلات من فيصل مرتين، الأولى أمام لجنة شو عام 1929ن الثانية في مؤتمر الدائرة المستديرة عام 1939.
وكما أن التاريخ يحفظ لنا أن: “الثورات الفلسطينية تجهض دوماً في العواصم العربية”، يحفظ لنا أيضاً أن الدولة الفلسطينية تجهض في تلك العواصم! وقد كانت بداية تجارب القضية المركزية للأمة ـ فلسطين ـ مع أمثال هؤلاء في عام 1936، بعد استشهاد القائد الشيخ عز الدين القسام، حيث فشلت كل أساليب بريطانيا في حمل أهل فلسطين على وقف إضرابهم العام الذي استمر 6 أشهر –أطول إضراب في التاريخ- الذي شل كل مرافق الحياة. لقد كان العجز والفشل البريطاني واضح للعيان رغم السجون والإعدامات. وتدمير القرى، وفرض الضرائب وتشريد الأهالي من بيوتهم. لولا تدخل الزعماء العرب (عبد العزيز آل سعود، وغازي الأول ملك العراق، وعبد الله أمير شرق الأردن)، الذين لم يترددوا في تنفيذ ما طلبته منهم الصديقة بريطانيا: “معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل. وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم”! ولم يتوقف الأمر عند ذلك ولكنهم أيضاً عارضوا محاولة استثمار الهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني الإعلان عن إقامة الدولة الفلسطينية، رداً على تعنت بريطانيا وتهيئتها فلسطين بالتعاون مع الوكالة اليهودي التي تشكل دولة ظل إلى جانب دولة الاحتلال لقيام (دولة يهودية).
وكانت المرة الثانية بعد صدور قرار التقسيم 181/1947، الذ
ي يعتبر أول قرار دولي يعترف بدولة فلسطينية ذات حدود سياسية محددة وإن كان القرار قد اقتطع منها جزء اسماه (الدولة اليهودية). حيث طالب وفد فلسطين إلى الأمم المتحدة بإعلان دولة عربية فلسطينية عقب الإعلان عن نهاية الاحتلال البريطاني في 15/5/1948 على غرار ما فعله اليهود، ولكن الدول العربية التي أصبحت بحكم المحتل لفلسطين بجيوشها التي دخلت لـ(تحريرها) رفضت ذلك! وبعد ضغوط فلسطينية وافقت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية بتاريخ 10/7/1948على تشكيل إدارة فلسطينية مؤقتة لتسيير شئون السكان في الأراضي التي سيطرت عليها الجيوش العربية، لا علاقة لها بالسياسة العليا ولا العمليات العسكرية … ترجو أن تمكن الفلسطينيين من تولي شئونهم بأنفسهم، ومقدمة لممارسة خصائص استقلالهم؟! كما فعلت بريطانيا…
ي يعتبر أول قرار دولي يعترف بدولة فلسطينية ذات حدود سياسية محددة وإن كان القرار قد اقتطع منها جزء اسماه (الدولة اليهودية). حيث طالب وفد فلسطين إلى الأمم المتحدة بإعلان دولة عربية فلسطينية عقب الإعلان عن نهاية الاحتلال البريطاني في 15/5/1948 على غرار ما فعله اليهود، ولكن الدول العربية التي أصبحت بحكم المحتل لفلسطين بجيوشها التي دخلت لـ(تحريرها) رفضت ذلك! وبعد ضغوط فلسطينية وافقت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية بتاريخ 10/7/1948على تشكيل إدارة فلسطينية مؤقتة لتسيير شئون السكان في الأراضي التي سيطرت عليها الجيوش العربية، لا علاقة لها بالسياسة العليا ولا العمليات العسكرية … ترجو أن تمكن الفلسطينيين من تولي شئونهم بأنفسهم، ومقدمة لممارسة خصائص استقلالهم؟! كما فعلت بريطانيا…
أما المرة الثالثة: وعندما كان لا بد من تقديم ممثلين رسميين للشعب الفلسطيني أمام الجمعية العمومية في دورتها في باريس لأوائل 1949، اضطرت اللجنة السياسية للبحث في أيلول 1948 فكرة إقامة كيان فلسطيني سياسي ومدني معاً على أرض فلسطين. وتعثرت الفكرة بسبب معارضة الأردن.
والمرة الرابعة: ما اضطر اللجنة العربية العليا إلى الدعوة إلى مؤتمر في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1948 في غزة، أقر تشكيل حكومة عموم فلسطين تتألف من رئيس وعدد من الوزراء وتشكيل مجلس وطني يضم ممثلي الشعب الفلسطيني، وأعلن المجلس استقلال فلسطين استقلالاً تاماً، وإقامة دولة حرة ذات سيادة، واعترفت الجامعة العربية بهذه الحكومة باستثناء الأردن.
ولم تُدعى تلك الحكومة لحضور مؤتمرات الجامعة العربية إلا مرة واحد’ وبعدها سحبت بعض الدول اعترافها بها، وانتهى بها الأمر في منتصف الخمسينيات باعتقال جمال عبد الناصر لأعضائها في غزة، ونقلهم إلى القاهرة وفرض الإقامة الجبرية عليهم، ومنعهم من السفر أو ممارسة أي نشاط سياسي، ولا حتى كتابة المقالات.
أمريكا ترفض حق عودة اللاجئين
كان ومازال أعقد مشكلة في القضية هي: إصرار اللاجئين الفلسطينيين على احتفاظهم بحق العودة ورفضهم سياسة التوطين، وقد سبق أن أوضحنا أن الإجماع الغربي مع تطهير فلسطين من أهلها والقضاء على وجودهم كشعب وعدم إقامة كيان سياسي لهم، وقد تزعمت أخذت أمريكا منذ عهد هاري ترومان على عاتقها منع عودة اللاجئين غلى ديارهم، وتوطينهم ودمجهم الاقتصادي في المحيط العربي. وذلك ما أعلن عنه ممثل أمريكا في لجنة التوفيق الدولية الثلاثية، التي شكلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة من ممثلي فرنسا وتركيا وأمريكا، وأقرها بروتوكول لوزان في 12 أيار (مايو) 1949م، فقد أعلن في اجتماع اللجنة في بيروت: (إن “إسرائيل“ لا تقبل عودة اللاجئين، والخير أن تنفذ قرارات الأمم المتحدة عملياً بدلاً من التمسك بها نظرياً، وهناك حقيقة واقعة وهي أن جميع اللاجئين لن يعودوا … فمن الصعب أن يعود هؤلاء اللاجئون لأقاليم يسكنها قوم غرباء عنهم. فيجب التفكير في إعادة استيطانهم من جهة، وإعداد المشروعات اللازمة لعودتهم للحياة العادية).
ومن أجل ذلك أيدت الحكومة الأمريكية إنشاء وكالةغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين كفرصة لتوطينهم فيغير ديارهم، ودفعت غالبية ميزانيتها. وضغطت على الدول العربية البترولية خاصة كي تفتح أبوابها أمام الفلسطينيين للعمل فيها وبأجور مغرية جدا، وتسهيل كل السبل أمامهم لنسيان الوطن والقضية. كما حددت أمريكا منذ ذلك التاريخ، تاريخ معين تتوقف عنده أمريكا عن تقديم المساعدات للاجئين، وذلك لإكراههم على الاندماج في البلدان التي هُجروا إليها. وهذا ما حدث من أمريكا منذ سنوات، وأدى إلى توقف كثير من أوجه الدعم والخدمات التي كانت تقدمها الوكالة للاجئين نتيجة النقص الحاد في موارد تمويلها. وكذلك التضييق من الدول العربية على الفلسطينيين الذين سبق لها أن فتحت لهم أبوابها على مصراعيها للعمل و العيش فيها، ونسيان وطنهم وعدم التفكير في الخروج من هذه البلدان.
ومع وصول الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور إلى الحكم مع بدايات عام 1953م، بدأت تتضح معالم السياسة الأمريكية التي بقيت مبادئ وممارسات ثابتة حتى اليوم، وأهمها: العمل على توطين اللاجئين وتحسين شروط الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، كأسلوب لزرع الاستقرار ومنع الطبقات المسحوقة من الثورة والتمرد. وهذا ما استفتح به الإرهابي بوش خطابه الذي أعلن فيه عن مشروعه للشرق الأوسط الكبير. وقد أعلن وزير خارجيته جون فولتر دالاس قولته المشهورة: “إن الآباء والأجداد يموتون،
والأبناء والأحفاد ينسون” وها قد كذب الأبناء والأحفاد توقعات دالاس.
والأبناء والأحفاد ينسون” وها قد كذب الأبناء والأحفاد توقعات دالاس.
نفس الموقف أكدت عليه بعد مؤتمر مدريد المتحدثة السابقة لوزارة الخارجية “مارجريت تتوايلر”، وأكدت أن موضوع اللاجئين مسألة تقتضي التفاوض بشأنها بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأن تفسيرات إسرائيل للبيان الأميركي في أيار 1992 ” واسع ومبالغ فيه ويبعث على الدهشة، وأن قراءتها ( أي إسرائيل) للبيان كانت مزرية “، غير أن إذاعة وتلفزيون إسرائيل أذاعا في نفس الوقت تقريباً مقابلات لمسؤولين أميركيين، ومن بينهم “دينس روس”، مساعد وكيل الخارجية السابق في عهد إدارة بوش، والمنسق الحالي لعملية السلام في الشرق الأوسط، أكد خلالها أن الولايات المتحدة “لا تنوي المساهمة في وضع القرار 194 موضع التنفيذ، كما أكد وزير الخارجية السابق “جيمس بيكر” عدم الخوض في أي حديث عن حق اللاجئين في العودة أثناء مداولات مجموعة عمل اللاجئين (المتعددة الأطراف) والتي كانت تجري في عاصمة كندا ( أوتاوا ). فبوش ليس هو مَنْ قال أن “عودة اللاجئين أمر غير واقعي”، ولكن هذا مبدأ أساسي من مبادئ العقيدة البروتستانتية والسياسة الأمريكية.
قرارات دخول العدو للأمم المتحدة
لو كان العرب جادين في إقامة دولة فلسطينية أو أي كيان سياسي فلسطيني؛ كان بإمكانهم فعل ذلك منذ زمن بعيد كما سبق إن أوضحنا، ولو أنهم كانوا جادين في إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الذي طردوا منه، كان بإمكانهم منذ سنوات الخمسينيات الأولى ضغطوا على الأمم المتحدة والعالم من أجل تحقيق ذلك وإلا انسحبوا من عضوية الأمم المتحدة، إذ أنه من بين الستين عضواً في الأمم المتحدة وقتئذ، فإن عضوية (إسرائيل) هي “الوحيدة” التي ارتبطت بقبولها الواضح لتنفيذ “قرارات معينة” للجمعية العامة، فقد نص قرار عضوية إسرائيل المؤرخ 11/5/1949 على ما يلي:
“مستذكرة قراراته المؤرخة 29/11/1947 المتعلقة بالحدود و11/12/1948 المتعلقة باللاجئين وقرار 194، وآخذة في الاعتبار التصريحات والتوضيحات التي أدلى بها ممثل دولة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الخاصة فيما يتعلق بتنفيذ القرارات آنفة الذكر، فإن الجمعية العامة تقرر قبول إسرائيل لعضوية الأمم المتحدة”. ويضاف أيضاً في هذا المجال أن “إعلان استقلال” إسرائيل بتاريخ 14/5/1948 نص على أن إسرائيل ” ستكون مستعدة للتفاوض مع أجهزة وممثلي الأمم المتحدة في تنفيذ قرار الجمعية العامة المؤرخ 29/11/1947.
ولكنهم للأسف لم يفعلوا ذلك فهل سيفعلونه اليوم وهم يضعون الخطط السرية مع الغرب والصهاينة لتوطين الفلسطينيين؟!!. إنهم أمناء على تنفيذ المخطط الغربي ـ الصهيوني، الذي أدركوه منذ ما قبل النكبة والذي بدأه فيصل بن حين بن علي!!.