محمد أبو علان
“مركز الدوحة لحرية الإعلام” يسوق نفسه بأنه المدافع عن حرية الإعلام والإعلاميين في المنطقة العربية، ويسعى لتعزيز هذه الحريات على مستوى العالم، لكن من يريد القيام بهذا الدور يجب أن تكون الموضوعية والحيادية من أهم الصفات والأسس التي يعمل على أساسها في تقيمه وتقديره لواقع الإعلام والحريات الإعلامية في أي بلد، ولكن إدارة هذا المركز ومديره العام ” روبير مينار” لا يبتعدون عن منطق النظام العالمي الجديد بشكل عام والأوروبي بشكل خاص وهو الكيل بمكايل عدة عندما يتعلق الأمر بالعرب من جهة وبالإسرائيليين من جهة أخرى.
ففي تقريره بعنوان “حرية الإعلام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” الصادر في مطلع الشهر الحالي تحدث المركز عن واقع حرية الإعلام في عشرين دولة منها الدول العربية وإسرائيل، وتحدث التقرير عن الواقع السوداوي للحريات الإعلامية في العالم العربي والتي لا يختلف عليها اثنان، ولكن الغريب والمثير للجدل في هذا التقرير هو تحدثه عن الصحافة الإسرائيلية على اعتبار أنها الأكثر حرية في الشرق الأوسط !.
“لا شك بأن الصحافة الإسرائيلية هي الأكثر حرية في الشرق الأوسط” بهذه العبارة وصف التقرير الإعلام الإسرائيلي، ولكن ما أن تتقدم عدة سطور إلى الأمام في قرأتك للتقرير حتى تكتشف فظاعة وعظم التناقض الذي وضع فيه مُعدي التقرير أنفسهم، حيث تحدث التقرير عن تفضيل الصحفيين الإسرائيليين التمسك بقوميتهم قبل مهنيتهم الإعلامية، ويعرض التقرير في هذا المجال دور الإعلام الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على قطاع غزة وصمته عن المجازر التي ارتكبت ضد المدنيين الفلسطينيين وعن حجم الدمار هناك بفعل الآلة العسكرية الإسرائيلية.
كما تطرق التقرير للرقابة العسكرية الإسرائيلية على الصحف العربية واليهودية خاصة فيما يتعلق بموضوع الأمن والأجهزة الأمنية، ناهيك عن المضايقات التي يتعرض لها الإعلاميين الأجانب في الأراضي الفلسطينية المحتلة بسبب إجراءات الاحتلال وأجهزته الأمنية المطلوب من هؤلاء الصحفيين الالتزام بها قبل العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما منع الصحفيين من دخول قطاع غزة في فترة الحرب الأخيرة إلا خير دليل على واقع حرية الإعلام الذي يتحدث عنها التقرير في “إسرائيل”.
وباعتقادي إن مثل التقرير يأتي في سياق عمل جهات أوروبية وبأموال عربية على تلميع صورة دولة الاحتلال ومؤسساتها خاصة أن هذا التقرير صدر أيام فقط بعد وقف العدوان المباشر على قطاع غزة والذي سقط فيه ما يقارب الألف والأربعمائة شهيد فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال بالإضافة لما يقارب الخمسة آلاف جريح في معظمهم إصاباتهم خطيرة.
ولا اعتقد أنه يغيب عن ذهن مدير عام المركز وهيئته الاستشارية والتي منها شخصيات سياسية ذات وزن سياسي مثل “دومنيك دوفليبان” رئيس وزراء فرنسا السابق، و “ميغيل انخيل موراتينوس” وزير الخارجية الإسباني إن موضوع الديمقراطية والحريات الإعلامية هي كلٌ متكامل ولا يمكن أن تجزأ بأي شكل من الإشكال، فدولة احتلال تقوم على سياسية القتل والتهجير والتدمير لا يمكن أن تكون هي نفسها دولة ديمقراطية، وشعب يقبل أن يقيم دولته على أنقاض وتهجير شعب آخر لا يمكن أن يؤمن أو يتحلى بالقيم الديمقراطية أو بالحريات، وهذا هو حال دولة الاحتلال الإسرائيلي وسائر مؤسساتها إن كانت سياسية أو إعلامية أو أمنية.
ويبقى القول لكل من يؤمن بالديمقراطية الإسرائيلية وزيف حرية الصحافة فيها أن الحديث يدور عن صحافة حريتها قائمة على أسس عنصرية وديمقراطية فاشية لا تؤمن بحقوق عادلة ومساواة لما هو غير يهودي في هذه الدولة الاحتلالية، وإن تجاوزنا اتهام المركز بالتحيز لصالح الإعلام الإسرائيلي لا يمكننا تجاوز التناقضات الواردة في هذا التقرير تجاه الإعلام في إسرائيل.