رابح فيلالي
في حالات كثيرة في الحياة تدهشك الكلمة عندما ترتبط بالمعني والعمق الانساني الباحث عن مساحات اكبر للبوح والتعبير عن رغبة في رؤية واقع مختلف يوشح يومياتنا كانسان عربي في صفتيه المذكرة او المؤنثة .
تتعدد روؤاك وانت تحاول الاقترب من وجع يصمت كثيرا ..يتحدث قليلا ..ويموت مكبوثا في كثير من حالاته لكنك احيانا تحتاج الى قلم في منتهى الشفافية والى روح متطلعة الى الاعلى والى كاتب عميق الذكاء حتى ياخدك الى منتهى وجعك انت حتى يمكنك من التعبير عن حلمك انت شخصيا في واقع يتحرك من حولك تراه اكبر وافضل .
هذا الذي اقوله هو ما دار في ذهني وانا اقرا باكورة اعمال الكاتبة الجزائرية المقيمة هنا في واشنطن الزميلة الاعلامية سهيلة بورزق .
باكورة وان كانت تاخرت من حيث منطق المفترض زمنيا بالنظر الى ان الكاتبة شاكست الممنوع في زمن مبكر جدا من حياتها كانت في الثانية عشر من العمر عندما وقفت قرب النافدة المطلة على فناء مدرستها المجاورة لبيتها وقالت في صوت طفولي هادئ انها تحلم ان تكتب يوما قصة امها .
امها تلك تقول عنها انها صورة لملايين الحكايا النسائية التي تولد في صمت الاحلام تزف الى اقدارها بنصف اختيارها وتمارس لعبة الحياة كاملة في احايين كثيرة في غيابها حتى وان كانت الصورة انها هي الموجودة في صدارة المشهد دائما .
سهيلة نصوصها الاولى كانت وجعا من المكان البارد الذي لايحترم قدرة الانثى على صناعة الحياة في كل الازمنة كما انها صيغة لرفض السلطة الذكورية المطلقة في العلاقة مع الاخرى .
كان وجعا يكبر بكثير من عمر الطفلة حينذاك
كنت شاهدا على تلك البدايات الجميلة لهذه الكاتبة المدهشة بمقياس الزمن في رؤيتها للاشياء كانت تتحدث عن الحب كقيمة انسانية تحرر الانسان من اناه السلبي وتحوله الى طاقة غاية في الابداع ..كانت تستفز كثيرين من حولها في مدينة كانت ولاتزال تعتبر واحدة من اكبر و اكثر قلاع التيار الفكري المتشدد في وطنها الام الجزائر قسنطينة .
بوعي مبكر وجميل الهدوء اقتربت سهيلة من جميع الخطوط الحمراء التي كانت تحيط بكيان المراة الفكري اقتربت من الوجع في امها في اختها في جاراتها في بنات ونساء مدينتها .
قفزت الى النجومية كواحدة من اشهر كاتبات الاعمدة الاسبوعية في الجزائر كانت اطلالتها الاسبوعية كل يوم ثلاثاء عبر صفحات اسبوعية الشرق الجزائري
عبرمساحة اسمتها حينذاك “موعد حب”تثير شهية الاف القارئات والاف القراء الاخرين لمعرفة جديد كاتبة كانت تقول للمدينة وللوطن انا لارايد اكثر من فرصة التعبير عن الحلم وفرصة الاستماع الى وجع اتقاسمه مع اجيال من نساء وبنات وطني وامتي وكان ائمة المساجد يخصصون خطب الجمعة للرد على مقالاتها
كنت احد القراء المداومين على كتابات العزيزة سهيلة ولم اتردد حينها في الكتابة اليها تعبيرا عن ايماني بموهبتها والامتننان لها ايضا على ما تعطيه لي ولاخرين من فرصة التمتع برقصها على مشارف الكلمات وعلى حواف مناطق السيرك المفتوحة على كافة احتمالات السقوط في شعاب وادي الرمال في قسنطيننة السحيقة جدا .
ابتعدت الكاتبة عن الوطن لكن السؤال عنها ظل مستمرا ..قفزت من غربة الى اخرى وغربة الامكنة حسب ما تقول نصوص الكاتبة لم تكن سوى عنوانا لغربة ازلية اخرى تسكن عمقها ..
في اكثر من وجهة نظر بين شركاء وشريكات الهم الابداعي في الوطن العربي ان الكاتبة سهيلة بورزق تاخرت كثيرا في اصدار اعمالها كنت اواجهها بهذا السؤال المتكرر المتجدد في اكثر من مناسبة كانت ترد ان الذي اريد ان اقوله لم يتبلور بداخلي بالصورة المرجوة بعد .
وكانت المفاجاة ان سهيلة في لحظة ما قررت ان تاخد مبادرة الحديث الينا في مجموعة قصصية اولى اخالها باكورة لكثير من الذي اتوقعه كبيرا وجميلا ومتالقا من هذه الكاتبة التي كان دائما وسيظل ابدا رهاني فيها انها صوت مختلف يستحق الاستماع اليه عندما يكتب ويستحق الاحترام عندما يقرا .
شرفتني العزيزة سهيلة بان اكون احد المطلعين على مخطوطة مجموعتها القصصية وكالعادة نقلتني بين ضفاف عدة بعضها كان صادما في تفاصيله اعني التفاصيل التي تملكها هي وحدها وهي تقدم لك شخصياتها القصصية تقترب بك من الفهم الكامل للقص
ة ثم تحيلك الى الاسئلة التي تشترك فيها انت كقارئ حالم بالواقع الافضل تعرف في لحظة ما انك امام كاتبة تعرف جيدا كيف تحتفظ باسرار نصها الى حيث تريد هي وليس بالضرورة الى حيث تتمنى او ترغب انت كقارئ
ة ثم تحيلك الى الاسئلة التي تشترك فيها انت كقارئ حالم بالواقع الافضل تعرف في لحظة ما انك امام كاتبة تعرف جيدا كيف تحتفظ باسرار نصها الى حيث تريد هي وليس بالضرورة الى حيث تتمنى او ترغب انت كقارئ
انها لاتؤمن بسلطة على النص ولا على الحرف تقول ان نقطة السقوط الاولى ان تكتب وانت ترقب رد فعل سلطة ما اولها ذاتك ..تقول دائما انها تكتب هنا لتعيش حالة الصدق الذي تراه ..صدق ايضا تراه مبررها في التاخر عن اصدار اولى اعمالها لازيد من عشرية كاملة من الزمن .
تتمسك بورزق برؤيتها الفنية في البناء كما تتمسك برؤيتها لفكرة النص لذلك هي متنقلة في تقديم شخصياتها بين تقافات عدة كان واضحا ان لحياتها في المجتمع الاميركي المتعدد الاعراق حضورها في تكوين تنوع الشخصيات وتعدد الرؤيا لدى صاحبة كاس بيرة .
تقول مخطوطة “كاس بيرة “ان سهيلة فضلت ان تتجاوز احبائها في اهدائها وفضلت ان تخاطب القارئ العربي مباشرة ودعته الى تناول الكاس الاولى قائلة في صحتك على الطريقة الجزائرية ..هي ليست دعوة صدامية بالتاكيد لكنها دعوة للمكاشفة ومنذ اللحظة الاولى من كاتبة لاتهتم كثيرا لرضانا او عدم رضانا من مواقفها بالقدر الذي يهمها ان تظهر لنا عاليا وواضحا ما تؤمن انه هذا الذي يجب ان يقال في زمننا هذا وفي مكاننا هذا .
من حق سهيلة بورزق ان تحتفل اليوم ليس فقط بجهوزية رؤيتها الفنية والنصية للظهور على الساحة العربية بعد سنوات من الكتابة على صفحات الصحف الجزائرية والعربية وعلى امواج الاثير في الاذاعة الجزائرية لكن من حقها ايضا ان تحتفل اليوم بانتصارها على دعواتنا جميعا لاجل اظهار شيئ من المرونة في القبول بمتطلبات نسميها نحن عادة رغبة الاخر او سلطة السوق او السلطات الخفية على كثرتها في الوطن العربي .
سهيلة انتصرت لرؤيتها وهذا موقف اخر يجعلني اؤمن يقينا ان مجموعتها الاولي ستجد الكثير من التقدير بين اصدقائها السابقين واللاحقين ولدى قارئيها الدائمين
اقول دائما ..ان تجربة سهيلة تجربة مزدحمة المعاني باوجاعها بخلفية موروث وطن ولد من الرماد في زمن سابق ويحاول التطلع الى زمن جديد بعيدا عن الرماد مستقبلا وبخلفية فرصةالحياة بين بلدين احدهما يحاول ان يجد مكانا تحت الشمس بطريقة ما واخر يملك كل شموس الدنيا .
سهيلة بورزق تجربة ابداعية تستحق الاقتراب منها لكنها اكثر من ذلك تجربة انسانية تستحق الاحترام والتقدير وتلك واحدة من مبررات الايمان ان قلم هذه الكاتبة لن ينتصر يوما لغير القضايا التي تشكل يقينة وقوته في صناعة الاختلاف عما هو سائد في عادات النص الابداعي المكتوب من اليمين الى اليسار في وطننا العربي الذي يحتاج حتما الى الكثير من السهيلات حتى يجد طريقه الى اليقين
رابح فيلالي
اعلامي جزائري مقيم بواشنطن