رشيد شاهين
نََعتقد بأن الوضع الفلسطيني لم يكن بمثل هذا السوء منذ أن نشأت المسالة الفلسطينية وقيام دولة العصابات الصهيونية على ارض فلسطين، فمنذ أن قامت حركة حماس بالسيطرة على قطاع غزة في حزيران من العام الماضي، صار الوضع الفلسطيني في مهب الريح، وصارت القضية الفلسطينية في أسوا صورها، وقد ظل الحال على هذه الشاكلة إلى أن جاء العدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزة، فقتل من أطفال فلسطين ونساء وشيوخ فلسطين من قتل، ودمر من البيوت والمؤسسات والممتلكات والبنى التحتية ما دمر، وبرغم كل الألم الذي يعتري الإنسان الفلسطيني وغير الفلسطيني الذي يحمل الحد الأدنى من المشاعر الإنسانية لكل هذه الخسائر في الأرواح، وكل هذا الدمار غير المسبوق من قبل آلة الحرب الإسرائيلية، فقد اعتقد الجميع بان ما أريق من دماء على ارض القطاع الطاهرة، وما ارتكبته الأيادي الآثمة من جرائم تقشعر لها الأبدان، قد يكون سببا لا بل سوف يكون بالتأكيد السبب في إقبال الإخوة في حركتي فتح وحماس على البدء في مصالحة وطنية حقيقية على قاعدة أن الدم الفلسطيني المراق على أيدي الفاشيين الجدد يجب ما قبله.
واقع الحال يقول بان ما حصل بعد أن سكتت المدافع هو ان الجرح الفلسطيني لم يتوقف عن النزيف، وان ما في القلوب – من أحقاد وبغض- لم يمسحه شلال الدم، ولم تمسحه الأشلاء المقطعة والمبعثرة والدمار الذي لم يترك شيئا إلا طاله، حيث وبدلا من ذلك تصاعد التلاسن والتراشق والتجاذب بين فريقي النزاع، لا بل وانتقل هذا الصراع إلى الدول العربية، بحيث صارت كل مجموعة من الدول تقف إلى هذا الجانب أو ذاك، لا بل وامتد هذا الصراع والتجاذب والتراشق إلى وسائل الإعلام وخاصة الفضائيات منها، والتي أخذت أيضا تتمترس كل بحسب جغرافيا البث أو بحسب موقف الدولة التي تمولها.
حالة الصراع بين فريقي النزاع في فلسطين أصبحت كذلك الشماعة التي يتم تعليق كل هذا التخاذل والخذلان العربي وهذا التآمر الدولي على القضية الفلسطينية، وصار الكل يتحدث عن أن أبناء القضية الواحدة ليسوا على اتفاق، وان خصامهم هو السبب في كل هذا العجز عن إيجاد الحل الذي يمكن الوصول إليه، وأن هذا الانقسام والتشرذم هو ما يجعل إمكانية أي حل أو أي إمكانية للحل غير واردة أو ممكنة، الأعوام الستين الماضية التي عجز العرب والعجم أو هم “تعاجزوا” عن حل القضية الفلسطينية تم نسيانها، ليتم وضع اللوم على الجانب الفلسطيني وتحميله المسؤولية، بحجة ان هذا الجانب منقسم على ذاته ولا يمكن لأي كان أن يقوم بأي فعل ما دام الوضع الفلسطيني على ما هو عليه.
لم يتوقف الأمر على العرب والعجم لا بل امتد ليصل إلى القادة والى الناطقين باسم الكيان الآثم الذين صاروا يتحدثون بشكل ممجوج وفيه الكثير من الإساءة والانتهازية والتزوير والكذب عن الانقسام الفلسطيني، وكأنه السبب في عدم الوصول إلى حل للمسالة الفلسطينية، وكأن الكيان ليس لديه مشكلة في الوصول إلى حل للمسألة الفلسطينية وأن الحل جاهز وأن ليس على أبناء فلسطين سوى الاتفاق فيما بينهم، ومن ثم فإن الحل جاهز أو على وشك، وهم يعلمون علم اليقين ان هذا الخلاف الفلسطيني لم ينشأ سوى قبل أقل من عامين وان هذا الانقسام لم يكن ليحدث إلا بسبب وجودهم على ارض فلسطين، وإنهم لو كانت لديهم الإرادة أو الرغبة في التوصل إلى حل للمسالة الفلسطينية، والتخلي عن أهدافهم في السيطرة على الأرض الفلسطينية والقيام بالدور المنوط بدولتهم ككيان استعماري عنصري في المنطقة، فانه كان لديهم عشرات السنين قبل ذلك من اجل ألوصول إلى حل، وصار موضوع الخلاف الفلسطيني هو سبب كل المشاكل، وكأنهم كانوا على وشك الانسحاب من الأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
الخلاف بين أطراف النزاع لم يتوقف عند حد التراشق الإعلامي وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وإيجاد حكومتين واحدة في رام الله وأخرى في غزة، وهو لم يبق سياسيا بحيث يبقى بين أبناء فتح وحماس، بل امتد ليشمل الفلسطينيين جميعهم، بحيث صار من الصعوبة بمكان أن تجد فلسطينيا يقف على الحياد، وإذا ما وجد مثل هؤلاء فهم بالضرورة قلة، وانقسم الشعب الفلسطيني إلى قسمين رئيسيين، إما مع هذا
الطرف أو مع ذاك الطرف، وهذا ما يعمق الشرخ ويزيد من حالة الانقسام والتشظي، لا بل صار من يقول كلمة حتى ولو كانت كلمة حق بحق هذا الطرف أو ذاك، فان الألسن والأقلام تبدأ بالعويل والصراخ، وتوجيه الاتهامات وكان من يقول كلمة الحق تلك إنما مس صنما أو مقدسا لا يجوز المساس به، وصار من الصعوبة بمكان أن تجد من لديه الاستعداد أو القبول بفكرة أو كلمة ضد هذا الطرف أو ذاك كما صار يمنع توجيه الانتقادات بغض النظر عن مدى موضوعيتها أو هدفها.
الطرف أو مع ذاك الطرف، وهذا ما يعمق الشرخ ويزيد من حالة الانقسام والتشظي، لا بل صار من يقول كلمة حتى ولو كانت كلمة حق بحق هذا الطرف أو ذاك، فان الألسن والأقلام تبدأ بالعويل والصراخ، وتوجيه الاتهامات وكان من يقول كلمة الحق تلك إنما مس صنما أو مقدسا لا يجوز المساس به، وصار من الصعوبة بمكان أن تجد من لديه الاستعداد أو القبول بفكرة أو كلمة ضد هذا الطرف أو ذاك كما صار يمنع توجيه الانتقادات بغض النظر عن مدى موضوعيتها أو هدفها.
الانقسام لم يقف عند حدود معينة، فهو قد امتد ليصل إلى كل الأشياء حتى وصل إلى موضوع الأموال المتعلقة بإعادة إعمار قطاع غزة وما ارتكبته الأيادي المجرمة، حيث ان هذا التجاذب وصل إلى حد القبول بالا مشكلة فيما لو لم تصل هذه الأموال إلى أهالي غزة الذين شردتهم آلة الحرب، والتي رمت بهم في العراء، وصار من يدفع ثمن هذا التجاذب والتراشق هم أبناء الشعب الفلسطيني الذين يعيشون تحت السماء بدون سقف يقيهم البرد والمطر أو يسترهم من المتطفلين. أيها المتناحرون بينكم، أيها المتاجرون بمعاناة أبناء الشعب الفلسطيني، تلطفوا بقومكم فهم في أمس الحاجة إلى أن تتفقوا على الأقل حول هذا المسالة، حيث من المعيب أن تكون خلافاتكم سببا في زيادة الألم والمعاناة لمن تقولون إنهم صمدوا في وجه العدوان والحرب على القطاع وانهم بدمائهم الزكية الطاهرة كانوا السبب في إعادة الاعتبار – والضوء- إلى القضية الفلسطينية.
10-2-2009