أثار إعلان جماعة الإخوان المسلمين في سوريا مؤخراً تعليق أنشطتهم المعارضة للنظام السوري توفيراً للجهد للمعركة الأساسية مع الاحتلال الإسرائيلي ردود فعل متباينة في الساحة السياسية السورية. فبينما رحبت مصادر مقربة من النظام بالقرار واعتبرته خطوة في الاتجاه الصحيح تحتاج إلى المزيد من المواقف العملية المؤكدة له، انتقدت بعض فصائل في المعارضة وفي جبهة الخلاص تحديداً تعليق الإخوان لنشاطهم المعارض للنظام، واعتبرته خذلاناً من الاخوان للمعارضة، وخطوة لخدمة النظام وتبييض صورته لدى الرأي العام السوري والعربي والإسلامي.
فكيف يقرأ الإخوان السوريون هذه المواقف المختلفة؟ وما هي حقيقة موقف جبهة الخلاص منهم؟ وهل صحيح أن الأمر يتصل بصفقة سياسية بين الإخوان والنظام تكون خطوتها الأولى انسحاب الإخوان من المعارضة؟ وهل صحيح أن جبهة الخلاص بصدد اتخاذ موقف بتجميد عضوية الإخوان فيها؟ وماذا عن حقيقة الخلافات داخل الإخوان من قرار تعليق نشاطهم المعارض؟.
ويجيب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا المحامي علي صدر الدين البيانوني، عن هذه التساؤلات بالقول “نحن نشكّل قوةً أساسيةً في المعارضة السوريا، ونحن أعضاء مؤسّسون في إعلان دمشق وفي جبهة الخلاص الوطني، وهذا لا يتعارض مع كوننا جماعة مستقلة، لها مرجعيتها الإسلامية، ورؤيتها السياسية الخاصة بها، ومؤسساتها المستقلة التي تتخذ قراراتها في إطار هذه المرجعية والرؤية، وفي إطار المواثيق التي تحكم تحالفاتنا السياسية”.
وأضاف “قد نختلف مع بعض القوى الأخرى، في فهمنا لدور المعارضة وأساليبها، وفي قدرتها على التعامل مع المستجدات والمتغيرات، لخدمة المشروع الوطني والمصالح الوطنية العليا. نحن نحرص أن نكون دائماً حيث تقتضي مصلحة الوطن، وحيث تتوقّعُنا جماهيرُنا داخلَ سوريا وخارجها”.
وحول موقف الأمانة العامة لجبهة الخلاص قال “لقد جاء تعليق أنشطتنا المعارضة لتوفير جهودنا للمعركة الأساسية، ودعوتنا النظام السوري للمصالحة مع شعبه، وإزالة كلّ العوائق التي تحول دون قيام سوريا بواجبها في تحرير أراضيها، وفي دعم صمود أشقّائنا الفلسطينيين”.
وأضاف “جاء هذا الموقف في سياق الأحداث والظروف السياسية التي فرضها العدوان الصهيونيّ على أهلنا في غزة”.
وأكد أنه “إذا تجاوزنا بعض التعليقات والمواقف الفردية التي أثارها بيان الجماعة بمناسبة هذا العدوان، فإنه لا بدّ من الإشارة إلى أنه في اجتماع الأمانة العامة الأخير لجبهة الخلاص الوطني، ظهرت تبايناتٌ في وجهات النظر حول القضية الفلسطينية، والموقف من المقاومة، ومن العدوان الصهيونيّ الأخير على غزة، وكذلك حول تقويم موقفنا من تعليق الأنشطة المعارضة، حيث رأى أكثرية الأعضاء أنه لا ينسجم مع ميثاق الجبهة”.
ويوضح “علماً بأننا سبق أن طالبنا الأمانة العامة بمناسبة هذا العدوان، باتخاذ موقف يؤكّد تلاحمها مع مشروع المقاومة، الذي تقف جماهير أمتنا وشعبنا في سوريا معه”.
وحول التواصل بينه وبين عبد الحليم خدام بشأن موقف الإخوان علق البيانوني قائلاً “التواصل بيننا وبين السيد عبد الحليم خدام قائم، وقد أبلغته في حينه بموقف الجماعة، وأبدى تفهّماً له. أما انتقاده لهذا الموقف، فنحن نحترمُ كلّ وجهة نظر يتمّ التعبير عنها بشكلٍ حضاريّ ومهذّب”.
ويقول خدام إن موقف الإخوان يصب في مصلحة النظام، لكن البيانوني يقول “مع احترامنا لكلّ رأيٍ مخالف، نرى أن موقفنا جاء منسجماً مع موقف جماهير الأمة، ويصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية وأشقّائنا الفلسطينيين، وفي مصلحة وطننا وشعبنا وجماعتنا، ومصلحة المعارضة السوريا أجمع. إذ لا ي
مكننا الوقوف موقفَ المتفرّج من العدوان الصهيوني الهمجيّ على غزة”.
مكننا الوقوف موقفَ المتفرّج من العدوان الصهيوني الهمجيّ على غزة”.
ونفى أن يكون تعليق الإخوان لأنشطتهم المعارضة جزءاً من صفقة سياسية متكاملة مع النظام السوري.
وقال “ليس هناك أيّ صفقة مع النظام، ونحن لا نفكر بهذه الطريقة، ومواقفنا تنطلق من رؤيتنا لمصلحة شعبنا، وللمصلحة العليا للأمة”.
وحول موقف الإخوان العملي من علاقة النظام في سوريا بالمقاومة الفلسطينية قال “نحن – لا شك – نرحب بهذا الموقف (المعلن) للنظام، وندعو إلى إعطائه المصداقية، وترجمته على أرض الواقع، من خلال المصالحة مع الشعب، وتعزيز الجبهة الداخلية، وإزالة كلّ العوائق التي تحول دون قيام الشعب بدوره في بناء الوطن، وتقرير سياسته، وتحرير أراضيه، والدفاع عنه”.
ويرى البعض أن خلاف إخوان سوريا حول الموقف مما جرى في غزة مع جبهة الخلاص قد يكون عاملاً أساسياً في تحديد مستقبل العلاقة بينهما.
ويقول البيانوني “القضية الفلسطينية ـ بالنسبة إلينا ـ قضية محورية ومركزية، ولا شك أن التباينات التي أشرتُ إليها، والتي ظهرت في اجتماع الأمانة العامة الأخير للجبهة، حول العدوان على غزة والموقف منه، سيكون لها تأثيرها في تحديد مواقفنا وعلاقاتنا. نحن نعيدُ تقويمَ تحالفاتنا بشكلٍ دوريّ، في ضوء المتغيرات والمستجدّات. وعلاقتنا بالجبهة ستكون موضعَ دراسة وتقويم في ضوء ذلك”.
ونفى البيانوني حصول انفصال تام بينه وبين الأمانة العامة للجبهة.
وقال “ليس صحيحاً..وقد شاركنا في اجتماع الأمانة العامة الأخير قبل أيام، وعبّرنا عن موقفنا بشكل واضح، وقدمنا مذكرة خطية تشرح أبعاد هذا الموقف. ونحن بصدد تقويم نتائج هذا الاجتماع في مؤسساتنا، لاتخاذ الموقف المناسب”.
ونفى كذلك أن يكون قرار تعليق الأنشطة المعارضة تم اتخاذه في لندن، وأن معارضة شديدة له بدأت تنمو في عدد من العواصم العربية ومنها الأردن.
وقال إن هذا الأمر “ليس صحيحاً أيضاً..فقد تم اتخاذ هذا الموقف ـ بأكثرية كبيرة ـ في قيادة الجماعة، بعد التداول والتشاور والاطلاع على الرأي المخالف وحيثياته”.(قدس برس)