علي السيد خصاف
كاتب عراقي
الأساطير تخلقها الشعوب البدائية والمتحضرة على حد سواء ,ولنسمح لأنفسنا بأن نعيد ترتيب الوقائع ,ونحاول أن نستدرج الأفكار والنقاشات ,علنا نخرج بمفهوم يزيح جزء ا من الإيهام في فهمنا لمبررات ضغط مجموعه من المدارس النقدية والفلسفية بتسلسل تأريخي على وعينا ونتساءل عن إمكانية طموح لدينا في خلق مبررات لفهم غير خاضع بالمباشر إلى اعم ما يطرح في الغرب نقدا أو تحليلا مع احتفاظنا بالاحترام للأسبقية في تناول الأمور بفعل مناولات الحضارة الإنسانية ووصولها إلى الغرب في حاضر التأريخ البشري . فإذا لم يكن لنا فضل الإبداع في التنظير فليكن لنا القدرة على الإدراك الواسع والنقد المقارن, لخلق مخاض تحليلي نأمل منه انجاب وجهة نظر, تفعلنا وتجعل لنا دورا نرضي به ذواتنا ونستقي منه لزرعنا , وإنضاج خصوصية وهوية إنساننا .ولا يعني ذلك عدم وجود محاولات معرفيه هنا وهناك ولكن الدعوة المتكررة لمثل هذا التوجه ستكون مثابة لما هو أرقى . ان تفسير (المثيولوجيا ) والنظريات المعتدة بهذا الموضوع نتاج نما في أحضان التراكم المعرفي الغربي من خلال التوسع الاحتوائي لثقافات وحضارات الشعوب تاريخيا من برديات مصر ورقم ما بين النهرين والنتاج المكتوب لليونان والرومان وحضارات الإنسانية بشكل عام ,واستنادا للتصنيف التاريخي والفكري الذي يرفق التراث الديني ما قبل الاعتقاد الرسالي في الديانات الثلاث في معيار مشترك في النصوص واللاهوت الملحق بها .وهذا التصنيف والإلحاق ينطلق من هيكل تجريبي ادت فيه النزعة العلمية منذ النهضة الأوربية في القرون الوسطى إلى تبني الخط اللاعقائدي واعتماد الطبيعة الإنسانية كمنجز وخالق أساسي لكل أنواع الطقوس والأساطير . في هذه الملاحظات التي نسطرها ها هنا سوف نحاول ان نلتزم بمعيار الطرح العام مع ميل واضح لبعض القضايا التي نعتقد انها من المسلمات .على أية حال , اهتمام البشر بالأساطير يعزوها الناقد (بيتر مونز) لإحساس للإنسان بانها قد تحمل رسالة ما أو تنطوي على معنى خفي , وأن فكها أو تفسيرها يؤدي إلى كشف حقيقة , أو ان دراستها من شأنه أن يكشف حقيقة عامه عن الإنسان أو الطبيعة أو الله أو عنهم الثلاثة .ومن الواضح ان الأساطير نوع من المعرفة موجود لدى كل شعوب الأرض وله من التشابه ما يثير الدهشة والتساؤل . استطاع (السير جيمس فريزر )ان يتتبع الأسطورة لدى الشعوب وفي عصور مختلفة في كتابه الكبير والمشهور (الغصن الذهبي )والذي ترجم الأستاذ الراحل جبرا ابراهيم جبرا جزء منه حول (أودونيس)أو تموز في حضارة بلاد الرافدين .ويؤاخذ الناقد (بيتر مونز)السير جيمس كونه قد تتلمذ في رأيه حول تقسيم التطور الإنساني من السحر إلى الدين ثم إلى العلم على فكر الفيلسوف والمفكر الفرنسي (اوجست كومت ) (والذي يعتبر عند البعض واضع لعلم الاجتماع) ويزعم (مونز ) بأن ذلك قد اضر بعمل (فريزر). ان مجيء التوجه الوظيفي ( المنهج الوظيفي ) برأي (مونز) وإعلان (ما لينوفيسكي) وبعده (راد كليف براون) بأن الأساطير شأنها شأن المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والشعائرية ,أدت وظيفة محددة في المجتمع الذي جرت رعايتها فيه ,وأن كانت تحمل معنى فيمكن فقط استيعابه من خلال تحليل وظيفي .ويتأسف الناقد هنا لقتل توجه (فريزر) حيث انه كان من المؤمل أن يثمر عمله عن دراية واعده بين المثيولوجيا والنظرية اللاهوتية .كما أنه (أي مونز) يحمل الفلسفة الوظيفية مسؤولية تجريد (بيلت مان ) دراسة اللاهوت الحديث من السمات الأسطورية !!. (اني وأن كنت انقل الصياغة الفكرية لتنظير اتهم إلا إنني احتفظ لنفسي بالحق في تحديد معنى لا يتطابق مع توجه المدارس المختلفة لمفهوم الأسطورة ), وينقل (مونز) عن (فريزر) بأنه لو كانت قصة المسيح (ع) مشابهه تماما لمعتقدات وطقوس الديانات الوثنية القديمة فإنها لا يمكن ان يكون فيها الكثير من الحقيقة . ويرد (مونز) بأن بإمكاننا الإجابة بأنه لو ان قصه المسيح (ع) مشابهه تماما لطقوس الديانات القديمة والبدائية , فإنها لابد أن تنطوي بالضرورة على حقيقة عميقة . وهذا الرد ينطلق من النظرة التي يتبناها (مونز) ومفادها ان الأساطير تشكل سلسلة تاريخية وأن الاستبدال ضروري ويتعذر إلغائه لأنه يطرح الموضوع القديم بصيغه أكثر تخصيص . ومثلا على ذلك ان تحليلا لأسطورة (أوديب) يجب أن يأخذ في الاعتبار نسخة (فرويد) كما تؤخذ نسخة (سوفو كليس )أي بمعنى ملاحظة التنوع في الصيغة في عامل الزمن أي أن في الاستبدال ميزه إضافية وهو غير ما يذهب إليه (شتراوس) عند دراسته للنسختين من الأسطورة وأهمية مفهوم الاستبدال والتنويع في الزمن أي بلحاظ التأريخ يمثل له (مونز) بالمقارنة بين لوحة (مانيه) (وجبة غداء على الأعشاب ) وعلاقتها بطبعة( ريموندي ) (اللوحة المحفورة بعنوان حكيم باريس في القرن السادس عشر لماركو نتونيو ريموندي )وتنويعاتها عند بيكاسو (واعتقد ان الإشارة للوحات لبيكاسو مثل نساء افينون )ووجه التمثيل بأن (مانيه ) وضع صوره لامرأة عارية ضمن لوحته مأخوذة من (ريموندي) من ضمن شخوص لوحة حكيم باريس ومقارنة بتنويعات بيكاسو لا نستطيع ان نجد لذلك فهما في ضوء المنهج البنيوي( لشتراوس) . فيمكن توزيع العناصر المختلفة في هذه السلسلة بنيويا بصورة عمودية أو أفقية ولا ين
تج غير ذلك . ولكن دراسة العلاقة الزمنية بين أعمال (ريموندي ) و(مانيه وبيكاسو ) بإمكانها أن تكشف أكثر من ذلك فأن دراستها كأنماط وسلسله (توبولجيه ) متجهه من صيغة ريموندي إلى ما تمثله المرأة عند مانيه وصويحباتها اللواتي يرتدين ثيابهن ليصل إلى التجريدات التامة عند بيكاسو . ان الذي تم توضيحه لن يتأتى عن التعريف بالعناصر المنفصلة أفقيا أو عموديا ويقتطف هنا (مونز) نصا من (رواية الزمن المستعاد لبروست ) , ( قانون الفن القاسي … أن يموت الناس ونموت نحن أنفسنا … لكي ينمو العشب , ليس من النسيان بل من الحياة الأزلية , عشب مليء بالأفعال المثمرة … لكي تأتي إلى هناك الأجيال القادمة بجذل , تملؤها النشوة دون ان تحمل أدنى فكره عن أولئك الذين يرقدون تحتهم لتتمتع بوجبة غداء على الأعشاب) وقد يتسنى لي هنا بأن أرهص باندفاع بأنني لا املك إلا الصدمة في الذات والخضوع للقوة الشعرية في دمج الرمز والأسطورة بالشاعرية لدى شاعرنا الكبير السياب , دون التأمل والدراسة لالتقاط المعنى والعمق في (الأرض اليباب) (لأليوت) ؛ ولا اعني المقارنة بل أقيم ما احتاجه من الشعر لكي يفتح أفقي عليه وأحاول أن اعبر عن قلقي على نوعه ؛ ولا اعتقد بقدرة البنيوية على توسيع الرؤيا لأسلوبي الشاعرين الكبيرين ان التوظيف الإبداعي للرمز والأسطورة اكبر من بنية المتلازمات في العمل الإبداعي . لقد عبرت في مكان آخر عن رأيي في مسألة (الأفقي – الرأسي )في فهم البنية بعد ان استحالت من لغويه عند (ياكبسون و دي سوسير) إلى انثربولوجية (ليفي شتراوس ) ومن ثم بناء المنهج البنيوي على العموم ؛ وقد قلت ان ظاهرة التقابل (الرأسي – الأفقي) مسألة تصورية بشكل مطلق ؛ فلا احد يعتقد ان هناك تنظيما أفقيا أو رأسـيا في النشاط الدماغي ؛ وأن الانتخاب للمفردة استعاريا أو ربطها كنائيا مسألة تنميط ذهني خالص ؛ أي متعلق ببنية النشاط الدماغي بشكل مباشر والتركيبة الفسلجية القصدية لتخصص الجهاز اللغوي عند الإنسان كما يشير إلى ذلك (تشوميسكي ) فيما تنقله عنه مدخلية علم النفس للأستاذة ( لندا ل دفيدوف ) ؛ وأن مثال البحث المعجمي عن لفظ أو كلمه محدده لكي تصاغ ضمن نسق خطابي ؛ وهو دربه وانعكاس خبروي طبيعي ( لأن العقل يفكر نفسه ) في عموم التجربة الإنسانية كما يروى عن أرسطو . فالأفقي أو الرأسي في اللغة تعبير وصفي لصيغ الانتقاء والضم . وعمليا اننا نخطط دائما لتعريف المواضيع والمواد ضمن نسق تنظيمي يعتمد الصيغة ذاتها وأن الوصف العام هذا ينطبق على النشاطات التعريفية والانجازية في عموم المجتمع البشري . في معرض نقد مونز لليفي شتراوس بطرح المبادئ الأساسية في منهج شتراوس والمبدأ الأساسي عند شتراوس هو ان (الأساطير تفكر نفسها) ويفسره بأن الأساطير ليست صورة تخلق بصوره أراديه أو عشوائية ؛ بل انها تفرض سيطرة تامة على العقل البشري وتفصح عن نفسها في العقل ؛ ويعلق مونز بأن هذا المبدأ مقبول بمجمله وهو عرض غير وظيفي للمثيولوجيا وهي شكل من الفكر الإنساني ؛ ويفسر ضمن السيطرة القوية التي تفرضها المثيولوجيا على العقل البشري ؛ ليست الأسطورة سوى حاله متطرفة من المجاز ؛ ويعرف (هربر ت ريد ) المجاز بأنه جمع عدة وحدات معقده في صوره واحده قويه , أنه تعبير عن فكره معقده … بالإدراك المفاجئ لعلاقة موضوعيه . ويذكرون كذلك ان أي قصه هي مجموعه من العلاقات أو هي وضع سلسله من الوقائع في علاقات معينه . وعندنا ان المفردة تعبير جوهري يؤدي إلى معنى محدد ومقصود وأن الصيغة التركيبية من المفردات يمكن ان تعبر عن فهم مجازي أو حرفي ولا يخفى بأن الاستعمال المجازي في اللغة اكبر مما يمكن ان يتصوره كثير من الأشخاص وقد أنهت هذه الحقيقة القيمة التي كانت تنسب للمنهج الوضعي المنطقي الذي كان لا يعترف بالواقعية الا للتعبيرات (البروتوكولية ) والتي يفهم منها التعبير الحرفي المباشر وقد يسنح لنا ان نقول ان المجاز هو الفهم الناتج عن صيغه مركبه أي بموافقة تعريف (هربرت ريد) وننطلق في ذلك من تبنينا لصياغات النظرية القصدية في اللغة عند المفكر العراقي الراحل (عالم سبيط النيلي ) ونحاول ان نستند إلى أطروحاتها في مبدأ القصد في المفردة ومن ثم في التعبير الإبداعي والذي ينتهي إلى أعادة الحياة إلى المبدع الذي انتهت البنيوية بإعلان موته لأننا نتبنى بذلك قصدية المنجز الإبداعي من قصدية المبدع أساسا ونحاول أن نعضد هذا الفهم في الخروج بنظريه نقدية تستمد علميتها من ارتكاز الفهم القصدي عند الراحل عالم سبيط على أسس منطقية للاستقراء ضمن الفهم الحداثوي في نظرية مفكر عراقي آخر (السيد محمد باقر الصدر ) والتي تطرح معالجة علمية مثبتة على أساس تجميع القيم الاحتمالية . على كل لو اننا جمعنا الوقائع حول المجاز وتعريفه وأن الصياغة الإبداعية منجز مقصود يعتمد على إعادة ترتيب العلاقات ضمن النسـق اللغوي شعرا كان أم أسطورة أم قصة . وتتوسع الدلالة والقيمة و التأثير بحسب ما يتمتع به المبدع من تراكم معرفي وبالطبع مع وجود ما نطلق عليه (الموهبة ) وهي ما يتمتع به المبدع أو العالم من قوة حدس عقلي ووجدان اجتماعي عند البطولي وعتبة حساسية عالية …… الخ . يذكر مونز بأن ( كارل يونك) يقول بأن شبه بين رؤى المنام والمثيولوجيا , وصاغ نظرية قائله بأن الأحلام تعكس تطور أو كبت الطاقة الجسدية. وعندي أن وجه المقاربة يتوثق أذا اعتبرنا بأن الأسطورة والرؤيا مجازات صوريه الغرض منها التعبير عن فاعليه عقليه يحاول ان يحدد فيها العقل معاني ومفاهيم ؛ وأق
ول أن البحوث التي أجريت على الدماغ البشري بينت بأن الجانب الأيمن على العموم يتخصص بتصور الكليات وله المحددات في صياغة الصور التخيلية والإبداعية المباشرة ؛ والجانب الأيسر هو الجانب اللغوي والمنطقي ؛ وحينما نأخذ هذه التفصيلات بالاعتبار قد يمكننا ان نفهم ان الصياغة القديمة للأسطورة تتناسب مع القوه العقلية التصورية للمعنى والتي تبحث عن تحديد للشعور بنسق لفظي واعني أن مجموعه من الثيمات المحددة لفظا وتصورا ترتبط بقوه بصريه للتعبير الشعوري يمكن أن نحدد أبعادها ومعانيها من خلال التطور في التعريف وزيادة الفهم وذلك ينتج من اعتقادنا بأن الشعور لا يمكن إلا ان يعبر عنه انطلاقا من ضرورة عقليه وأن تكشف المعاني يتم من خلال فهم المعرفة كسلسلة من الانجازات ؛ وهو ما يفسر بأن الأسطورة تفكر نفسها . بقي أن نذكر ان تناولنا للأسطورة كمفهوم عام لا يعني بالضرورة ان نعترف بالتوسيع الغربي لها على تصورات الرسالات السماوية لأننا لا نرفض أساسا التغريب في الحقائق والظواهر في الطبيعة ؛ لأننا نؤمن بأن الطاقة الكامنة في الوجود لا ترفـض احتمالات معينه ؛ لا تخضع للفهم التقليدي لمفهوم الواقعي أو العلمي أو الخرافي ؛ وإنما يثبت من غرائب الواقع أو الخروج عن المألوف من عدمه هو إمكانية التدليـل عليه استقراء وتجربه وهو المحك .
تج غير ذلك . ولكن دراسة العلاقة الزمنية بين أعمال (ريموندي ) و(مانيه وبيكاسو ) بإمكانها أن تكشف أكثر من ذلك فأن دراستها كأنماط وسلسله (توبولجيه ) متجهه من صيغة ريموندي إلى ما تمثله المرأة عند مانيه وصويحباتها اللواتي يرتدين ثيابهن ليصل إلى التجريدات التامة عند بيكاسو . ان الذي تم توضيحه لن يتأتى عن التعريف بالعناصر المنفصلة أفقيا أو عموديا ويقتطف هنا (مونز) نصا من (رواية الزمن المستعاد لبروست ) , ( قانون الفن القاسي … أن يموت الناس ونموت نحن أنفسنا … لكي ينمو العشب , ليس من النسيان بل من الحياة الأزلية , عشب مليء بالأفعال المثمرة … لكي تأتي إلى هناك الأجيال القادمة بجذل , تملؤها النشوة دون ان تحمل أدنى فكره عن أولئك الذين يرقدون تحتهم لتتمتع بوجبة غداء على الأعشاب) وقد يتسنى لي هنا بأن أرهص باندفاع بأنني لا املك إلا الصدمة في الذات والخضوع للقوة الشعرية في دمج الرمز والأسطورة بالشاعرية لدى شاعرنا الكبير السياب , دون التأمل والدراسة لالتقاط المعنى والعمق في (الأرض اليباب) (لأليوت) ؛ ولا اعني المقارنة بل أقيم ما احتاجه من الشعر لكي يفتح أفقي عليه وأحاول أن اعبر عن قلقي على نوعه ؛ ولا اعتقد بقدرة البنيوية على توسيع الرؤيا لأسلوبي الشاعرين الكبيرين ان التوظيف الإبداعي للرمز والأسطورة اكبر من بنية المتلازمات في العمل الإبداعي . لقد عبرت في مكان آخر عن رأيي في مسألة (الأفقي – الرأسي )في فهم البنية بعد ان استحالت من لغويه عند (ياكبسون و دي سوسير) إلى انثربولوجية (ليفي شتراوس ) ومن ثم بناء المنهج البنيوي على العموم ؛ وقد قلت ان ظاهرة التقابل (الرأسي – الأفقي) مسألة تصورية بشكل مطلق ؛ فلا احد يعتقد ان هناك تنظيما أفقيا أو رأسـيا في النشاط الدماغي ؛ وأن الانتخاب للمفردة استعاريا أو ربطها كنائيا مسألة تنميط ذهني خالص ؛ أي متعلق ببنية النشاط الدماغي بشكل مباشر والتركيبة الفسلجية القصدية لتخصص الجهاز اللغوي عند الإنسان كما يشير إلى ذلك (تشوميسكي ) فيما تنقله عنه مدخلية علم النفس للأستاذة ( لندا ل دفيدوف ) ؛ وأن مثال البحث المعجمي عن لفظ أو كلمه محدده لكي تصاغ ضمن نسق خطابي ؛ وهو دربه وانعكاس خبروي طبيعي ( لأن العقل يفكر نفسه ) في عموم التجربة الإنسانية كما يروى عن أرسطو . فالأفقي أو الرأسي في اللغة تعبير وصفي لصيغ الانتقاء والضم . وعمليا اننا نخطط دائما لتعريف المواضيع والمواد ضمن نسق تنظيمي يعتمد الصيغة ذاتها وأن الوصف العام هذا ينطبق على النشاطات التعريفية والانجازية في عموم المجتمع البشري . في معرض نقد مونز لليفي شتراوس بطرح المبادئ الأساسية في منهج شتراوس والمبدأ الأساسي عند شتراوس هو ان (الأساطير تفكر نفسها) ويفسره بأن الأساطير ليست صورة تخلق بصوره أراديه أو عشوائية ؛ بل انها تفرض سيطرة تامة على العقل البشري وتفصح عن نفسها في العقل ؛ ويعلق مونز بأن هذا المبدأ مقبول بمجمله وهو عرض غير وظيفي للمثيولوجيا وهي شكل من الفكر الإنساني ؛ ويفسر ضمن السيطرة القوية التي تفرضها المثيولوجيا على العقل البشري ؛ ليست الأسطورة سوى حاله متطرفة من المجاز ؛ ويعرف (هربر ت ريد ) المجاز بأنه جمع عدة وحدات معقده في صوره واحده قويه , أنه تعبير عن فكره معقده … بالإدراك المفاجئ لعلاقة موضوعيه . ويذكرون كذلك ان أي قصه هي مجموعه من العلاقات أو هي وضع سلسله من الوقائع في علاقات معينه . وعندنا ان المفردة تعبير جوهري يؤدي إلى معنى محدد ومقصود وأن الصيغة التركيبية من المفردات يمكن ان تعبر عن فهم مجازي أو حرفي ولا يخفى بأن الاستعمال المجازي في اللغة اكبر مما يمكن ان يتصوره كثير من الأشخاص وقد أنهت هذه الحقيقة القيمة التي كانت تنسب للمنهج الوضعي المنطقي الذي كان لا يعترف بالواقعية الا للتعبيرات (البروتوكولية ) والتي يفهم منها التعبير الحرفي المباشر وقد يسنح لنا ان نقول ان المجاز هو الفهم الناتج عن صيغه مركبه أي بموافقة تعريف (هربرت ريد) وننطلق في ذلك من تبنينا لصياغات النظرية القصدية في اللغة عند المفكر العراقي الراحل (عالم سبيط النيلي ) ونحاول ان نستند إلى أطروحاتها في مبدأ القصد في المفردة ومن ثم في التعبير الإبداعي والذي ينتهي إلى أعادة الحياة إلى المبدع الذي انتهت البنيوية بإعلان موته لأننا نتبنى بذلك قصدية المنجز الإبداعي من قصدية المبدع أساسا ونحاول أن نعضد هذا الفهم في الخروج بنظريه نقدية تستمد علميتها من ارتكاز الفهم القصدي عند الراحل عالم سبيط على أسس منطقية للاستقراء ضمن الفهم الحداثوي في نظرية مفكر عراقي آخر (السيد محمد باقر الصدر ) والتي تطرح معالجة علمية مثبتة على أساس تجميع القيم الاحتمالية . على كل لو اننا جمعنا الوقائع حول المجاز وتعريفه وأن الصياغة الإبداعية منجز مقصود يعتمد على إعادة ترتيب العلاقات ضمن النسـق اللغوي شعرا كان أم أسطورة أم قصة . وتتوسع الدلالة والقيمة و التأثير بحسب ما يتمتع به المبدع من تراكم معرفي وبالطبع مع وجود ما نطلق عليه (الموهبة ) وهي ما يتمتع به المبدع أو العالم من قوة حدس عقلي ووجدان اجتماعي عند البطولي وعتبة حساسية عالية …… الخ . يذكر مونز بأن ( كارل يونك) يقول بأن شبه بين رؤى المنام والمثيولوجيا , وصاغ نظرية قائله بأن الأحلام تعكس تطور أو كبت الطاقة الجسدية. وعندي أن وجه المقاربة يتوثق أذا اعتبرنا بأن الأسطورة والرؤيا مجازات صوريه الغرض منها التعبير عن فاعليه عقليه يحاول ان يحدد فيها العقل معاني ومفاهيم ؛ وأق
ول أن البحوث التي أجريت على الدماغ البشري بينت بأن الجانب الأيمن على العموم يتخصص بتصور الكليات وله المحددات في صياغة الصور التخيلية والإبداعية المباشرة ؛ والجانب الأيسر هو الجانب اللغوي والمنطقي ؛ وحينما نأخذ هذه التفصيلات بالاعتبار قد يمكننا ان نفهم ان الصياغة القديمة للأسطورة تتناسب مع القوه العقلية التصورية للمعنى والتي تبحث عن تحديد للشعور بنسق لفظي واعني أن مجموعه من الثيمات المحددة لفظا وتصورا ترتبط بقوه بصريه للتعبير الشعوري يمكن أن نحدد أبعادها ومعانيها من خلال التطور في التعريف وزيادة الفهم وذلك ينتج من اعتقادنا بأن الشعور لا يمكن إلا ان يعبر عنه انطلاقا من ضرورة عقليه وأن تكشف المعاني يتم من خلال فهم المعرفة كسلسلة من الانجازات ؛ وهو ما يفسر بأن الأسطورة تفكر نفسها . بقي أن نذكر ان تناولنا للأسطورة كمفهوم عام لا يعني بالضرورة ان نعترف بالتوسيع الغربي لها على تصورات الرسالات السماوية لأننا لا نرفض أساسا التغريب في الحقائق والظواهر في الطبيعة ؛ لأننا نؤمن بأن الطاقة الكامنة في الوجود لا ترفـض احتمالات معينه ؛ لا تخضع للفهم التقليدي لمفهوم الواقعي أو العلمي أو الخرافي ؛ وإنما يثبت من غرائب الواقع أو الخروج عن المألوف من عدمه هو إمكانية التدليـل عليه استقراء وتجربه وهو المحك .