د. مازن حمدونه
فقط …
لأنك أمي تلحفت بالصقيع
ولأنك أمي تجشمت بالمحال
رغم الوجع الذي دثرني..
من الرأس حتى أخمص القدم
رغم حمم قذائفهم اللعينة
رغم أشلاء المنازل المبعثرة
بقيت كما أنت شامخة .. متشبثة الجذور
غائرة أظافرك في رحم التراب كالصنديد
جادوا علينا بقنابلهم الفسفورية
أرادوا اغتيال بقائي وصمودي
فاستنشقت غازات لا اعلم طلاسمها
مركباتها .. معادلاتها .. وبقيت
كمن عشق الحياة متجذراً..
فهرب منه الموت متجهما
وبقيت كما أنت لأنك أمي
صنعوا الدمار والخراب في كل الأزقة والطرقات
نهضت من تحت التراب
كلما سمعت هدير دباباتهم
أيقظتني مروءة في دمائي
مهما مزقتني السجالات
لأعود من جديد ..
ولأنك أمي نهضت من تحت الركام
أسطر التاريخ بعزة ..
لأكون طيارا .. قبطانا .. وفارس الميدان
لتبقي كما أنت شامخة كجبال عيبال
فقط ولأنك أمي ..
سكنت المخيم ..ولم أستكين
ارتضيت بالجوع وببطاقة التموين
وانتظرت ريعان الشباب .. وصلابة الحفيد
لنصنع نصراً .. لنحطم الجدار
لنقطع الأصفاد .. لنمزق الصمت
ولنسحق السجان .. ولتشرق الشمس من جديد
وقفت على أبواب التاريخ لأعزف لحن الحياة
كان مطويا تحت التراب
مهروسا تحت العظام
ولأنك أمي افتديتك بالغالي والنفيس
لتبقي شامخة دوما كالعظام
لأنك أمي …
نقشت تاريخك على صفحات وجداني
على أبواب المجد .. على القباب
رسمت أشجارك .. مدنك وقراكٍ
على ضلوع الصدر ..وغفوت على لحنها
نبضها .. وعشقت كنفها مع كل نبضة
كلما قبلٌ الوتر الوريد و الشريان
ولأنك أمي ..
احتضنك الصدر وعشقتك الأفئدة
فكل أعضائي كتبت لك عنوان
لا تمحوه حمم القذائف والبواريد
مهما مزقوا جسدي ستبقي منسوجة
لا تفنى ..لطالما بقي من خلفي طفل أو حفيد
في كل ليلة ..
كانت تيقظني أهوال الصوت من حولي
وعويل النساء .. وصراخ الرضيع
لتعلن اننا مازلنا في أوج عناقيد حقدهم
فلم ينالوا من عزمي .. فقط لأنك أمي
وعمتي وجدتي .. مازلن يزغردن للشهيد
حين اغتالوا بيوت جيراني ..
بزلزال تلاه زلزال
أحشاء البيوت تناثرت
وأشلاء الضحايا تبعثرت
وصفير طائراتهم تحلق كالغربان
وكان الكون من حولي كومة
من غبار وتراب ..
عاثوا وعاشوا الوهم .. فوقفت مجددا أعلن
إنني مازلت أقف عند عقارب الساعة الأولى
لأعلن أن الحرب ستتلاشى
وأنا مازلت في وجه الموت كالصوان
هل يدركون مجددا ؟؟
إني فلسطيني .. لا يعرف المحال
أنجبتني أمي .. بين الضواري ..
في الصحاري ..وفوق الجبال
هل يدركون إني حاضر من عنق التاريخ
من رحم عمالقة الجبال
هل يدركون مؤخرا
إننا من شاطر الموت بالحياة
فصارعتهم سواعد الفتية منا
فقط ولأنك أمي ..
تصنع المجد على جبين الرجال