استهلك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عقدا من الزمن، في السلطة، واستهلك معه ما تبقى من ثقة الشعب في مؤسساته، فخلال الحملة الانتخابية لعهدته الأولى، روّج وبقوة إلى كونه إنما ترشح، لاسترجاع ثقة الشعب، وهيبة الدولة، وتعهّد خلال كل التجمعات الشعبية بمكافحة الفساد، والمفسدين، ووعد الناس بأنه سيختار لهم رجال دولة للسهر على مصالحهم، وانقضت العهدة الأولى، ولم يف الرئيس بوعده، وترشح من جديد للعهدة الثانية، وهو ثمل بلذة السلطة، ونسي
خلال الحملة الثانية أنه قضى حوالي 20 سنة في المنفى، وأنه كان من بين من اضطهدتهم السلطة بعد وفاة المرحوم هواري بومدين، وعوض أن ينطلق في تصحيح سياساته، اجتهد في تصويب رمياته باتجاه من خرجوا إلى صف معارضيه، فبدا وكأنه يريد تملّك الجزائر لنفسه ولحاشيته، ونجح في المرور إلى العهدة الثانية، وواصل وبذكاء عمليات تدجين المواطنين وإفراغ مؤسسات الدولة من مضامينها، وتحولت بفعل ذلك المعارضة إلى كفر في منطق الرئيس وحاشيته، فكان أن نُكّل بكل من وجه عتابا لسياسة الرئيس وحكومته، ونجح بوتفليقة بحق في لجم المعارضة، وتوهمت جماعته أنها وصلت إلى برّ الأمان، وتأكدت من ذلك أكثر لمّا مرّر الرئيس التعديل الدستوري عبر البرلمان، وأزاح القيد الذي كان يمنعه من الترشح لأكثر من عهدتين، وتلذّذت الجماعة وبنشوة فاقت نشوة السكر، بهذا الفوز على الشعب الجزائري، ولم تستفق منها إلا عندما، تفاجأت بمقاطعة الشخصيات السياسية الكبيرة، الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة يوم 09 أفريل القادم، فبوتفليقة الذي لم يرقه انسحاب المترشحين الستة لانتخابات أفريل 1999، والذي لم تعجبه خرجة مدير حملته لرئاسيات العهدة الأولى، ورئيس حكومته، السيد علي بن فليس الذي دخل رئاسيات 2004 كمنافس عنيد له، نراه اليوم فاقدا لتوازنه، بعدما لم يجد الأرانب السمان التي تلعب معه في مضمار رئاسيات 2009 ، وازداد فقدانه للاتزان عندما ترشح لمنافسته، بعض التجار، والبطالين، والفلكيين…
فهم الرئيس بكل تأكيد إشارة السياسيين، وتلميحات المواطنين بمقاطعة هذه الانتخابات، وفضل معها التريث، وعدم إعلان ترشحه هو الآخر، رغم أنه يفصلنا عن الموعد الانتخابي حوالي شهرين لا غير، وهذا بحدّ ذاته يطرح أكثر من علامة استفهام، ويفتح في الوقت نفسه أبواب التأويل والمضاربات. لكني من جهتي، لا يمكنني أن أخلص إلا إلى نتيجة واحدة لا غير، وهي أن بوتفليقة، سيدخل هذه الانتخابات مرشحا بلا شعب، وليس كما يروج البعض لذلك بأنه سيجري في مضمار السباق إلى الرئاسيات وحيدا، وبلا منافسين، ولعمري إنه حتى في حال نجاحه في المرور إلى عهدة ثالثة، سوف لن يقوى على كبح لجام المعارضة فحسب، بل إنه سيفشل وبكل تأكيد في ترويض الفئات الكبرى من الشعب الجزائري، وهذا ما ينذر بالخطر، وهنا أستحضر مقطعا من حديث جرى بيني وبين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لما كان مرشحا لرئاسيات 1999 حيث قلت له وبالحرف الواحد«إذا نجحت فسينجح الشعب الجزائري معك، وإذا خسرت فستخسر لوحدك»، وأظن أن لا أحد سيجد عناء في الوصول إلى نتيجة هذه المعادلة اليوم، ويؤلمني بحق، أن الرجل الذي علق عليه الشعب الجزائري آمالا عريضة في رئاسيات أفريل 1999 يجد نفسه اليوم في مواجهة هذه الحقيقة المرّة…
جمال الدين حبيبي