لا شك أن صمود الشعب الفلسطيني قد أحبط مساعي إسرائيل لتحقيق أهدافها في الحرب الظالمة التي شنتها على الشعب الفلسطيني على مدى ثلاث وعشرين يوماً. لكن هذا صمود الهائل يجب ألا يدفع الفلسطينيين الى عدم دراسة ما حدث خلال الحرب واستخلاص العبر منه. فواضح أن الحرب كشفت عن العديد من مظاهر الضعف في الأداء الفلسطيني التي يتوجب معرفة أسبابها ومعالجتها بأسرع وقت، مع العلم أن هذه المظاهر لا تتجسد في الجوانب المادية والميدانية فحسب، بل أن المقاومة الفلسطينية مطالبة بإعادة تقييم النظرية االأمنية التي تستند إليها بشكل عملي. ومن خلال مسار الحرب وحتى نهايتها يمكن القول أنه يتوجب إعادة النظر في عدد من المبادئ التي تشكل النظرية الأمنية للمقاومة:
الإعداد والتجهيز للمعركة
على الرغم من أن أحداً لا يتوقع أن يكون إعداد المقاومة العسكري للمعركة مساوي ولا حتى يقترب من إعداد كيان الإحتلال الذي تميل موازين القوى لصالحه بشكل جارف، ومع ذلك فأن حركات المقاومة كان بإمكانها أن تكون أكثر جاهزية للمعركة، سيما أنه كان بالإمكان تقليص تفوق الاحتلال، وتحديداً في مجال مواجهة الدبابات وسلاح الجو الإسرائيلي. فلا يعقل أن يتبين أن المقاومة لم تكن تملك صواريخ مضادة للدروع كتلك التي كان يملكها حزب الله أبان حرب لبنان الثانية، سيما صواريخ ” كورنيت ” التي كان لها بالغ الأثر في إلحاق خسائر فادحة في الجيش الإسرائيلي. في ذات الوقت لم يكن من الممكن أن يترك المقاومون فريسة سهلة للطائرات الإسرائيلية، وحتى النسخة البسيطة منها، طائرات الإستطلاع بدون طيار والتي لعبت دوراً حاسماً في تقليص قدرة المقاومين على التصدي للقوات الإسرائيلية المتوغلة في الأراضي الفلسطينية. أن عدم الجاهزية في الاستعداد العسكري يعتبر صورة من صور التقصير التي لم كان بالإمكان تجنبها.
إعتماد قطاع غزة كساحة مواجهة رئيسية
لقد شنت إسرائيل حربها على قطاع غزة في ظل وضع مثالي، حيث أمن كيان الاحتلال من إنفجار أي جبهة أخرى غير جبهة غزة. فمن أسف انطلقت حركات المقاومة الفلسطينية في عملها المقاوم خلال السنين الماضية من إفتراض أن قطاع غزة هو ساحة المواجهة الرئيسية ضد إسرائيل، بعدما توقفت المقاومة في الضفة الغربية، بسبب مطاردة أجهزة سلطة عباس وجيش الاحتلال. فلا يمكن أن يتحول قطاع غزة الى ساحة المواجهة الرئيسية مع الاحتلال بسبب الظروف الجيواستراتيجية الخاصة به، والتي لا تمكنه من لعب هذا الدور، حيث أنه بالاضافة الى صغر مساحة القطاع وطبيعة تضاريسه المستوية، فأنه محاصر من كل الجهات، ويفتقر للعمق الإستراتيجي الداعم. فقد بات واضحاً أن خوض مواجهة فاعلة ضد الاحتلال يتطلب فتح جبهات أخرى.
إعادة تقييم أدوات المقاومة
بسبب الطابع الجيواستراتيجي الخاص بقطاع غزة وبعد أن سحب الجيش الإسرائيلي قواته منه، فقد ظلت عمليات القذائف الصاروخية هي وسيلة المقاومة الأبرز التي تعتمد عليها المقاومة الفلسطينية. وأن كان من حق المقاومة استخدام كل الوسائل ضد الاحتلال من حيث المبدأ، لكن هذا لا يمنع أن يتم تقييم دور هذه الوسيلة بين الفينة والأخرى. ولذا يتوجب فحص مساهمة الصواريخ الفاعل من خلال تسليط الأضواء على مردودها. وهنا يتوجب أن نشير الى أنه رغم هشاشة المنطق الإسرائيلي، إلا أن تل أبيب تمكنت من إقناع العالم من أن اطلاق الصواريخ من قطاع غزة يوازي اعتداء من دولة، ويتوجب الرد عليه بنفس القوة التي يتم فيها الرد على ” عدوان ” الدول. من هنا فقد شكلت الصواريخ مسوغ لإسرائيل لاستخدام ترسانتها العسكرية ضد المدنيين والبطش بهم.
الجمع بين الحكم والمقاومة
لقد شكلت الحرب الأخيرة اختباراً واضحاً وحاسماً لفكرة الجمع بين الحكم والمقاومة. فإسرائيل اعتبرت أنه من حقها ضرب كل مؤسسات السلطة والحكومة في قطاع غزة بسبب سيطرة حركة حماس على الحكم،فتحولت مراكز الشرطة الوزارات ومجالس الحكم المحلي وحتى النوادي الرياضية اهداف مشروعة لضربها، ولقد تفهم العالم الفعل الإسرائيلي. من ناحية ثانية فعلى الرغم من أن حماس في الحكم لكنها لم تكن ولن تكون صاحبة قرار المقاومة، بمعنى أن أي فصيل فلسطيني مهما كان حجمه وبغض النظر عن الدوافع التي تحركه بإمكانه إشعال الجبهة مع إسرائيل، في الوقت الذي تظل حركة حماس هي المسؤولة في نظر إسرائيل عن أي عمل مقاوم يتم في قطاع غزة بصفتها الحزب الذي يتولى الحكم، وتتولى دفع اثمان ذلك. لقد وظفت الكثير من الحركات المقاومة لإبتزاز حركة حماس، والتشكيك في نهجها ودوافعها.
لا يعني هذا التوصيف أن تتخلى حماس عن الحكم ليعود محمود عباس ومن معه، بل يتوجب أن يتم البحث عن صيغ أخرى، وبالفعل فأن هناك بعض الصيغ التي تستطيع أن تشكل مخرجاً للوضع القائم.
فضاء عربي حاضن
لقد تبين بالدليل القاطع أنه بدون فضاء عربي محيط داعم للمقاومة، فأنه لا أمل بتوفير الظروف المناسبة لها. وللأسف فأن المحيط العربي لا يكتفي بعدم تحريك ساكناً، بل يتورط في العدوان ويوفر لإسرائيل المخارج السياسية لتحقيق الإنجازات. وبكل تأكيد أن المقاومة الفلسطينية تغيير هذا الواقع العربي، لكنها في نفس الوقت يجب عليها أن تضعه في الحسبان عند تخطيطها لخطواتها.
طالع بقية المقالات على موقع صالح النعامي
بريد الكتروني
هاتف: 00970599404726