د. محمد احمد النابلسي
رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية
في كتابه “خمس سنوات في بيت من الزجاج” يقول الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي انه قابل الرئيس كلينتون بعد رفضه التجديد لغالي في الأمانة العامة. يقول غالي انه سأل كلينتون عن اسباب معارضته فاجاب الرئيس: ماذا تقول في رجل يركض في قاعة مليئة بالناس صارخاً حريق… حريق.. دون ان يكون هناك أي حريق؟!.
فهم غالي الرسالة وألف كتابه الذي يطلعنا على جوانب هامة من الجبروت الاميركي. اما البيت الزجاجي فهو مبنى الأمم المتحدة. حيث تقرر واشنطن من يسكن البيت الزجاجي.
ويبدو أن لعبة البيت الزجاجي قد أعجبت الرئيس بوش وم هنا عمله على تحويل دول عديدة الى بيوت زجاجية. ومن هنا أيضاً هوس بوش بالانتخابات حيث أصدر أوامره باجراء انتخابات في اكبر عدد ممكن من البلدان مع تدخل مخابراتي اميركي في هذه الانتخابات يؤمن وصول سكان مناسبين لهذه البيوت الزجاجية. وكان الرئيس عباس أول سكان بيوت بوش الزجاجية وكان ذلك على جثة الرئيس عرفات.
لعبة بوش كانت عكسية اذ دعا جماعته للصراخ في انحاء العالم بان هناك حريق… حريق… حريق.. وكان هو يشعل الحرائق ليعطي لكذبهم المصداقية!؟.
المشكلة ان كذابي بوش جروا الجماهير وراءهم هاتفة حريق.. حريق.. والمشكلة الأكبر ان بعض الرعاع ادركوا كذبة الحريق وباتوا يشاركون فيها. ولم تعد المسألة محصورة بمحاسبة شخص او مجموعة أشخاص.
لقد انتهى بوش لكن بيوته الزجاجية مستمرة وكذابيه باقون ولو لأجل في هذه البيوت. فما هو التغيير الذي يعدنا به أوباما؟.
من الواضح أن الأزمة الاقتصادية الاميركية والعالمية جعلت اوباما مضطراً لتوفير مصاريف صيانة البيوت الزجاجية التي صنعها بوش. وهو ما يتبدى في وصفه الرئيس الأفغاني كرزاي ،وهو زعيم الكرزايات، بأنه غير جدير بالثقة، كما وصفته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأنه يترأس “دولة مخدرات”. في إشارة اعتبرها المحللون قراراً بترك كرزاي في مواجهة قدره.
إنها قضية تدعو للتفكر فما قدمه كرزاي الاصلي لأميركا لم يقدمه الكرزايات المستنسخين ومع ذلك تم إسقاطه والتخلي عنه. فهل يطمع الكرزايات الآخرون بمصير أفضل؟.
لسنا نريد إستباق الأمور فإعلان أوباما عن استراتيجيات سياسته الخارجية سيتأخر الى نيسان ابريل القادم لدى اجتماع قيادات حلف شمال الاطلسي. وهذا الإعلان سيحدد سياسات منطقتنا وتوجهاتها وأدق تفاصيلها واكثرها تفاهة ومنها الانتخابات اللبنانية. فلا تصدقوا أية إحصاءات حول الانتخابات قبل تحديد أوباما لمصير البيوت الزجاجية ومصير سكانها.
بعضهم يحاججنا بالانتخابات العراقية التي بدت التزاماً بصيانة البيت الزجاجي وجوابنا ان هذه الصيانة واجبة وحيوية ما بقي الجيش الأميركي في العراق. بل أن تسويق الانتخابات كان ملتزماً تماماً بقوانين الدعاية الأميركية. سواء من حيث الشعارات أو التمويل أو إساءة إستخدام السلطة أو غيرها من اساليب التدخل المخابراتي الاميركي. هذا مع بقاء الرعب الاميركي في العراق قائماً بسبب استمرارية المقاومة وضعف الاقبال وملايين المهاجرين والمهجرين. بما يؤكد استمرارية زجاجية البيت العراقي.
والعراقيون يحطمون بيوتهم الزجاجية على طريقتهم الخاصة فالاميركيون يذكرون جيداً كيف حطموا بيت نوري السعيد وبأية طريقة. كما يذكرون أن رعاع السعيد الذين طالما هنفوا حريق.. حريق… كانوا أنفسهم الذين أحرقوا بيت نوري السعيد. ولكل دولة عربية طريقتها الخاصة في إحراق بيوتها الزجاجية فإذا ما أردنا توقع أسلوب حريق البيت الزجاجي في دولة ما توجب علينا ان نراجع تاريخها لمعرفة أسلوبها في الحريق.
انها الضائقة الأميركية التي ستجبر أوباما ،مهما كانت استراتيجيته الخارجية المنتظرة، على وقف مصروف إطعام القطط وتركها لتعود مشردة كقطط شوارع كما كانت في اصلها لمن يستطيع التعرف عليها.