بقلم – عطا مناع
كنا ثلاثة ممن عايشوا الاحتلال وزنازينه نلتف ليلا حول شعلة من النار باتت ملاذنا لنا نفجر وإياها اشمئزازنا وغضبنا من واقعنا الذي تحول لكابوس اسود يضغط على صدورنا ويثقل عقولنا بأحداث دفعتنا لاستحضار عذاباتنا ولعن أحلامنا التي طحنها الصراع الداخلي الفلسطيني المتجاوز لكل الخطوط الوطنية والإنسانية.
من حق الفلسطيني المقهور أن يخرج عن طوره ويطلق صرخة الاحتجاج في وجه الطغم الأمنية والسياسية والمليشيات السوداء التي حولت حياة الناس لكابوس لا ينتهي يقودنا للموت البطيء في ظل أن غالبية الشعب تلتزم الصمت إما خوفا أو قهرا واستسلاما لواقعنا المؤلم الذي يحاول الفاشيون إقناعنا بأنة وردي وان الدولة على مرمى حجر وما علينا إلا ببعض الصبر لنبني جنة اللة على الأرض.
تحدثنا في تلك الليلة عن المقاومة الفلسطينية الباسلة في قطاع غزة، وضحكنا من أنفسنا ومن تناطح سياسيينا حول انتصار المقاومة أو صمودها، وكأن صمد الشعب واستبسال المقاومة لم يعجب البعض الذي راهن على سحقها، تحدثنا عن العنف السياسي الفلسطيني وعمليات القتل المتعمد في قطاع غزة للوطنيين وخاصة الفتحاويين منهم، وعن الاعتقالات الغير مبررة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في الضفة وعن الأساليب المتبعة في التعامل مع الإنسان الفلسطيني في زنازين المشتل والأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية.
إن الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني يعبر عن حقيقة مفادها أنهم يستهينون بحياة الإنسان والأفراد، ويمارسون علية أقسى أنواع التعذيب المستحضرة من تجارب مورست علينا كفلسطينيين من قبل المخابرات الإسرائيلية، صحيح أننا ابتكرتا أساليبنا الخاصة مثل إطلاق الرصاص على الركب، وأنا شاهدت مجموعة من الغزيين الذين يتعالجون في الجمعية العربية في بيت جالا جراء إطلاق الرصاص على ركبهم من المليشيات الحمساوية خلال الانقسام وسيطرت حماس على قطاع غزة.
وحتى لا أتورط في المقارنة المقيتة والغير منطقية حول الأكثر قسوة وانفلاتا في استخدام العنف الذي وصل لدرجة القتل المباشر والغير مباشر، فان الممارسات العنفية التي يستخدمها هؤلاء مستقاة من تجارب فردية أو مكتسبة عاشوها في زنازين الاحتلال مما يدفعنا للشعور بالخطر الذي يتربص بالشعب الفلسطيني الذي يواجه حالة مرضية يتوجب الوقوف أمامها باصطفاف وطني ديمقراطي لا يهاب تلك الطغم التي تسوق عنفها بالتحريض على الأخر.
لقد استحضر الفلسطينيون أساليب التعذيب التي تعرض لها الأسرى الفلسطينيون مثل الفلقة والتعذيب الجسدي، وأساليب أخرى مثل استخدام الماء البارد والساخن وعمليات الشبح لمدد طويلة التي يرافقها تيار هوائي بارد والنوم في زنزانة ضيقة بدون فراش ناهيك عن الإهانات، وحتى لا يحمل هؤلاء ويشككون في تلك الحقائق التي لا تذكر أمام ما يمارسونه نظرا لسياسة الترهيب التي يتعرض المعتقل بعد انتهاكهم لكرامته، وتؤكد تقارير المنظمات الحقوقية الفلسطينية أن السجون الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تحولت لمراكز تعذيب بأساليب قاسية لأسباب سياسية، وان أساليب التعذيب المستخدمة حاطه بالكرامة الإنسانية في ظل انعدام الرقابة على السجون وغياب القانون.
تؤكد حركة فتح أن الأساليب التي تستخدمها حماس في تعذيب كوادرها نسخة طبق الأصل عن التي استخدمتها المخابرات الإسرائيلية بحق المعتقلين الفلسطينيين في الزنازين الإسرائيلية، فالشبح وقلة النوم والكيس المتسخ وأسلوب الشبح على شكل موزة والضرب على المناطق الحساسة ووضع الرأس بين الرجلين … الخ من أساليب التعذيب الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين تستخدم في السجون الفلسطينية، وبعيدا عن الاتهامات المتبادلة بين أجهزة الحكومتين ومحاولة كل طرف تجريم الطرف الأخر، فالحقائق تثبت أن أجهزة الحكومتين الأمنية ترتكب جرائم بحق الشعب الفلسطيني، جرائم أدت لموت معتقلين في زنازين غزة والضفة الغربية مثل مجد ألبرغوثي وسامي خطاب.
تشير إحصائيات مؤسسات حقوق الإنسان بان حوالي 90% من الأسرى الفلسطينيين الذي وصل عدد لحوالي مليون أسير فلسطيني عاشوا تجربة الأسر في سجون الاحتلال الإسرائيليين تعرضوا للتعذيب، بمعنى أن معظم الفلسطينيين عاشوا أساليب التعذيب في السجون الإسرائيلية، والملفت أن الأسرى الذين انخرطوا في الأجهزة الأمنية الفلسطينية والمليشيات يطبقون أساليب التعذيب التي تعرضوا لها على إخوانهم الفلسطينيين باسم القانون والوطن والمقاومة وما شئتم من أكاذيب باتت مكشوفة للمراقبين والمواطنين على حد سواء.
إن ثقافة الموت التي تتسلح بها الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة تلقي بظلالها على المشهد الفلسطيني، وخلال عملية البحث التي أجريتها ومحاولتي لإلقاء الضوء على ما يعانوه هؤلاء من أمراض ورثوها من زنازين الاحتلال تستدعي العلاج ارتكبت جريمة أخرى في سجن الأمن الوقائي في جنين بحق المواطن الفلسطيني محمد الحاج، حيث الادعاء أنة انتحر مما يضاعف الجريمة، لان وصول الإنسان لقناعة الانتحار في زنازين التحقيق بعني أنة يتعرض لضغط وتعذيب شديدين، وبصرف النظر عن المطالبات بأجراء تحقيق في وفاة المعتقل السياسي محمد الحاج والعشرات من الذين يتعرضون للتعذيب على يد أجهزة الحكومة المقالة والسلطة الفلسطينية، فالأصح عدم وجود معتقلين وإخضاع أفراد الأجهزة الأمنية بمختلف تسمياتها لرقابة صارمة ومحاسبة واضحة على جرائم التعذيب التي تصل لحد القتل في الزنازين الفلسطينية.
في بداية التسعينيات من القرن الماضي توجهت إلى مستشفى الأمراض النفسية في بيت لحم لإعداد تقرير صحفي عن الأسرى الفلسطينيين الذين تعرضوا لتعذيب شديد وباتوا يعانون من أزمة نفسية نقلوا على ائرها للعلاج في المستشفى، كان المستشفى يخضع لسلطة الاحتلال، وقد دخلت إلى أقسام المستشفى بطريقة غير مشروعة مما أثار الطبيب المسئول الذي عبر عن غضبة، وبعد أن صفيت الأمور من الطبيب المسئول الذي لا يحضرني أسمة قال لي جملة لن أنساها، قال لي على غالبية الأسرى الفلسطينيين الذين مروا بتجارب تعذيب قاسية أن يخضعوا لعلاج نفسي، واليوم ونحن نتابع أساليب التحقيق المنسوخة عن الأساليب الإسرائيلية ينضح أننا كفلسطينيين ننتقم من أنفسنا ونصدر ألازمات التي تعرضنا لها ولا زلنا على أبناء جادتنا.
في المحصلة، سحقا للدولة التي ستقام على عذابات أبنائها والتنكيل بهم، ولا لمقاومة تعمل على تصفية أبنائها متسترة بشعارات باتت مكشوفة، فرائحة الدم والموت أسقطت شعاراتهم وبات واجبا على كل فلسطيني ان يقول لا للاعتقال السياسي والتعذيب الذي يشكل جريمة وطنية سيلاحق مرتكبوها عاجلا أم آجلا.