د. فايز أبو شمالة
لا معنى لتواصل مفاوضات التهدئة في القاهرة لأكثر من عشرين يوماً دون اتفاق، إذ يكمن خطر إطالة أمد التفاوض في أن يصير عبثياً، وشكلاً آخر من أشكال التفاوض الذي أغرق سلطة رام الله، وما لذلك من أثر تخديري على مشاعر الأمة، وخداع لنفوس تفاعلت مع الحرب الظالمة، وعدوان الدولة العبرية، وفي الإطالة تعميم لحالة الترقب التي قد تصيب مفاصل الأمة العربية، والإسلامية، والإنسانية بالارتباك، والتشكك بدلاً من حالة التوثب التي خلقتها المواجهة، وقد دللت التجربة على أهمية سلاح الرأي العام الذي وقف مع غزة، إن إطالة أمد التفاوض فيه تبريد لمشاعر الجماهير المتأججة، وإيحاء غير مباشر بأن الحرب قد توقفت، وأن الحصار سيتوقف أيضاً، وهذه مخادعة قد تقع فيها المقاومة.
إن تعمد الدولة العبرية على تواصل تفاوض التهدئة في قاهرة المعز فيه تمويه، وخداع لمشاعر العرب، والمسلمين الذين سيصعب عليهم التفريق مستقبلاً بين “عاموس جلعاد” و”صلاح البردويل” وأيهما صاحب الحق وأيهما المعتدي، وأيهما الذي لين موقفه، وأيهما المتشدد، ما دام كلاهما يلتقي مع القيادة المصرية في القاهرة التي تقوم بدور الوساطة بين طرفين، دون تفريق، ودون أن يكون للقاهرة كلمة الفصل في هذا الشأن. إضافة لما سبق، فإن اعتبار مصر أرضاً حيادية يلتقي عليها طرفا الصراع فيه تقليل من مكانة القاهرة المعنوية، والتاريخية، والسياسية في المشرق كله، ولا تهون علينا القاهرة أم العرب، وبنت التاريخ بأن تترك انطباعاً في نفوس الشعوب بأنها تقوم بدور الوساطة بين عدو سلب فلسطين، واغتصب مصر قبل أن يعتدي على غزة العربية المسلمة.
لا بد من التحذير بأن إطالة زمن التفاوض لا يعمل لصالح المقاومة، فإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق تهدئة حتى يوم الاثنين الموافق يوم واحد قبل الانتخابات البرلمانية في الدولة العبرية، فسيكون صعباً على المقاومة بعد ذلك تحقيق ما تتمناه، والسبب يرجع إلى حاجة “الترويكا” الإسرائيلية إلى اتفاق تهدئة يعزز مكانة حزب “كاديما” وحزب “العمل” لدى الناخب، ويعكس نجاحاً ـ ولو كان وهمياً ـ أمام الرأي العام اليهودي، ولاسيما أن استطلاعات الرأي متقاربة، وما زال في يد المقاومة أوراقاً تفاوضية حتى تاريخه، وتفهم الحكومة الإسرائيلية الراهنة أن انطلاق بضع صواريخ على المدن الإسرائيلية يوم الانتخابات، سيضمن فوز تكتل اليمين بأغلبية مريحة، فهل لهذا تهدف المقاومة؟ أم أن نتائج الانتخابات البرلمانية لا تعني المقاومة كما أشار خالد مشعل في كلمته أمام مهرجان الانتصار في دمشق؟ أم أنها لعبة عض الأصابع حتى اليوم الأخير؟. مهما يكن، فإن غزة تعيش لحظات شدٍ على حبل الزمن الدقيق والخطير.