قصة/بقلم ثبات نايف
الستمعينة معلمة التاريخ، كانت الأقرب إلى نفوسنا من باقي المعلمات نحن طالبات ثانويةالمعرفة للبنات…
كانتلها طريقتها في شرح الأحداث التاريخية وتحليلها فإذا كان الموضوع عن تاريخ الأمةالعربية تتحدث بحماسة ومحبة وعندما تنهي محاضرتها كانت تقول…
ـ هذههي أمتكم يا بنات قولوا معي تعيش أمتنا العربية
فترتفع أصواتنا بحماس شديد.
ـتعيش تعيش
أماإذا كان الموضوع عن تاريخ الاستعمار الأوروبي فكانت تسهب في شرح ما اقترفهالأوروبيون بحق البلاد التي استعمروها ونهبوا ثروات شعوبها وعندما تنتهي منمحاضرتها تقطب حاجبيها وتقول بغضب:
ـرددوا معي يسقط الاستعمار
ـفنردد بأصوات متداخلة
ـيسقط.. يسقط
لكنزميلتي أميمة الفلسطينية الأصل كانت ترفع صوتها الأعلى بين أصواتنا وتقول
ـيسقط الاستعمار وأعوانه
ثمتبدأ أميمة بسب العملاء الذين باعوا وطنها فلسطين
اليوموبعد أن مر خمسون عاماً أجدني أتذكر الست معينة دون باقي معلماتي ويخترق أذني صوتأميمة فها هو الاستعمار يحتل بيتي… ويقتحم جنوده غرفة نومي ويخرجونني منها بعد أناقتحم داري ثلة منهم ومن أعوانهم العراقيين، وأمام باب غرفتي أقف لا حول لي ولا قوةبينما يقف جندي ضخم الجثة من أصل إفريقي باسطاً ذراعيه أمام الباب يبتسم بوجهيويقول:
ـسننتهي من مهمتنا بسرعة.
(يسرعالمترجم العراقي بترجمة ما قاله إلى اللغة العربية)
ـأسأل الإفريقي المتأمرك بصوت متهكم حرصت أن يسمعه أفراد المجموعة كلهم، التي انتشرأفرادها في أرجاء بيتي.
ـمهمتكم……..؟ (وبصوت مستهزئ) أتساءل:
ـمهمة عسكرية في دار مواطن عراقي أعزل.
(يهمسالمترجم العراقي في أذن أحدهم وأظنه ترجم له ما قلت)
أمدرأسي وأحول النظر إلى الجندي داخل الغرفة… لقد قلب الفراش ورمي الشراشف النظيفةعلى الأرض ثم أزاح بقدمه منضدة صغيرة يضع عليها شريك حياتي كتبه التي لا يمل منقراءتها، يفتح الصبي المدجج بالسلاح خزانة ملابسي يفتش الملابس.. يبحث في جيوبهاوثناياها ثم يترك باب الخزانة مفتوحاً.. ويستدير نحو منضدة الزينة.. يلقي نظرةسريعة على الصور التي تغطي مرآتها الكبيرة.. صور لأيام كانت جميلة ولكنها مرتسريعاً ولم تعود…
مازلتأنظر إليه.. يفتح خزانة صغيرة قرب المكان الذي ينام عليه سيد الدار، لكن الجندييعاني من ثقل ما يحمله من أسلحة… وكلما انحنى… اضطر إلى دفع سلاحه إلى الخلف أويدفع قبعته الثقيلة عن عينيه..
فكرتأن أنصحه بأن يتخلى عن سلاحه ويتركه جانباً لكني لم أفعل إذ كان الدم يفور في عروقيوكانت رغبة شديدة تتنازعني في الهجوم عليه، فأتوسل إلى الله إلى أن يساعدني علىمحنتي لئلا تنفلت أعصابي في هذه الساعة يمسك الأمريكي الصغير بدفتر ملاحظات صغيريقطب حاجبيه… لعله تمنى الآن لو كان تعلم لغتنا العربية… لاستطاع قراءة ما هومكتوب (مقتطفات جميلة من روائع الشعر العربي).
اسمعفجأة صوت رب أسرتي الذي عاد من السوق الآن وفوجئ بالعسكر يملؤون أرجاء بيتهالمتواضع يحدثهم بانزعاج ثم أسمعه ينادي باسمي بصوت قلق فأجيبه مطمئنة إياه دون أنأحيد بنظري عن الجندي الذي مايزال يفتش في غرفتي.. وأتمتم مع نفسي (آه ليتني أستطيعأن أفعل شيئاً.. أي شيء؟).. يرن في أذني ثانية صوت أميمة أردد معها دون أن يسمعنيأحد.. يسقط.. (هل أنا خائفة؟) يسقط يسقط
يخرجالجندي من باب الغرفة وهو يتحاشى النظر إلى وجهي فأسأله:
أراكلم تجد شيئاً؟
لميجبني بشيء لأنه أصلاً لم يفهم ملاحظتي
لكننيسمعته يتمتم مع نفسه وهو يتبع سيره نحو الخارج
نثنكنثنك (لا شيء لا شيء)
قالالمترجم العراقي لم يجدوا سلاحاً لديكم
ضحكتبسخرية وقلت إنهم يعرفون أننا لا نخبئ أي سلاح لدينا.. وكذلك جيراننا الذين اقتحمتبيوتهم ليس لديهم أي سلاح ولكن قادة هؤلاء الجنود يزيدون حقد الناس عليهم عندمايشغلون أوقات جنودهم في مثل هذه المهمات… والجنود ليس أمامهم سوى تنفيذ أوامرالقادة…
جاءنيصوت رب بيتي (آمراً) صمتاً يا امرأة
خرجالأمريكان من داري
أدخلغرفتي مع شريكي.. نتأمل الفوضى التي تعمها ثم نبدأ بترتيبها يقع نظري على حقيبة يديالتي أضع فيها نقودي… لقد سرقوها
أندفعإلى
خارج الغرفة وأنا أردد
خارج الغرفة وأنا أردد
سأستردها منهم
لكنهيمنعني من اللحاق بهم قائلاً
لنتستطيعي استرداد شيء. هل سمعت أنهم أعادوا إلى العوائل التي سرقوها شيئاً. هلأعادوا نقود جارنا الموظف المتقاعد البسيط أبو منال… ثم هل نسيت أنهم سرقوا وطننابأكمله؟؟؟
شعرتبعجز تام فجلست على الأرض وارتفع صوتي بالبكاء على وطني المسروق
بغداد 9/4/2007