الشاعرة العراقية نخلة العراق
“في ليلة مظلمة ٍ ممطرة فارقت الحياة عدالة ولم يشيعها في تلك الليلة غير شيخ ٍ واحد هو الضمير”
في ليلة تحشدت بها جحافل الظلام
ماتركت للعين أن ترى أنملة ً
سوى الذي يبديه ومض البرق هامسا ً
مسلما ً بضوء ِ ألف ِ نجمة ٍ
على الأنام
ريح تهز ّ في جنون الهائجين
عرائشَ النجوم والشجر
وتمطر الأوراق والأحجار والطيور
زخا ً كالمطر
ووحشة كوحشة القطار في محطة مهجورة
لما انتهى الصفير والسفر
وأغلق الأبواب
كي يموت وحده
في وحشة الغياب
والمطر
ما بين ظلمة ٍ ووحشة ٍ وريح
رأيت نعشها….
قد أومض البرق النديّ فوقه
رأيته فصحت… كيف… من…. وكيف
قيل مضت لتستريح
لكثر ما قد عذبّت تمنت الخلاص
تعذبت , واستهجنت
وهُجرت… ولوّعت
تمنت الخلاص
وكيف إن مضت ستستقيمُ بعدها الحياة؟
تففففففففف على حياة ٍ دونها
وهل تظن يا من تسألن
أنا نعيش شيئا ً أسمه ” الحياة “؟
قل لي أهذه حياة؟
وهبتَ كل َّّ ما لديك
فما الذي أخذته
من هذه الحياة؟
أنت على الحرمان نائمٌ
وهم على الحرير
أنت على جمر الغضا معذب ٌ
لا تعرف المصير
وهم بلا حساب ينهلون من ثمار جهدك الوفير
هم يرقصون كالدمى بلا ضمير
وأنت معدمٌ أسير
أهذه حياة؟
أن يسلب الطغاة عنوة ً بلاد ك التي تحب
وإن نطقت كي تقاوم الغزاة
أسموك مارقا ً وخارجا ً عن الصواب
ماذا عن الصواب؟
صار الصواب عندهم
تجارة العباد
أهذه حياة؟
العالم الكبير صارعالمين تحت حكمهم
السادة القضاة المترفون في الشمال
ونحن الأشقياء ُ في الجنوب
دماؤنا , أرواحنا , رخيصة
لا نستحق العيش مثلهم
وما لنا حق ّ
بأرض ٍ أو ببحر ٍ
أو سماءْ
أهذه حياة؟
من وضع الحقوق غيرنا
من وضع القانون؟
من عمر الكون قديما ً قبلنا
من أوجد الشرائع؟
أهكذا نكون
نلبس ما يفصلون؟
وتستباح أرضنا أمامنا , وما من مُنصف ٍ
ويعلمون أنّ كلَّ ما خطوه ُمن معاهداتٍ أو حقوقْ
تنصِفنا , ويسكتون
كأنهم لا يسمعون…
كأنهم لا يبصرون ما جرى
أهذه حياة؟
نصف الذين فوقها حقيقة ً
أموات
لا شأن لي بالتسميات
لي جوهر الأشياء لا أشكالها
أهذه بربكم حياة؟
من صبرنا لقبرنا
غرقى ببحر من أسى
وكلما قلنا غدا ً يجيء دورنا
نواجه المزيد من ظلامهم وظلمهم
يا ليتنا متنا ولا عشنا
بهذه الحياة
وهل تسمى هذه حياة؟
وا أسفا ً لوهمنا
رحيلها يؤلمنا
لكنها في عالم الوحوش حطمت
دعوا جثمانها يمضي كليلا ً هادئا ً..
ترحموا لها
كانت تعاني من تفشي الظلم
عانت قلة الحياءِ
كثرة الدماء
div>
في ليلة ليلاء سار نعشها
ما سار خلفه مشيعون
لا مشيعات
سوى ظلال شيخ ٍ
مطرق ٍ حزين
لم يبدُ منه غيرُ ثقل خطوه الرزين
في لمعة البرق بدت
على خديه
دمعتان
من يا ترى ذاك المشيعُ الحزينْ؟
دفانها مثلي رآه
وقال : آه ٍ ثم آه
سألته : من يا ترى يكون ُ ذلك المشيعُ الحزينْ؟
أجاب : إنه الضمير
هو الوحيد من أتى مشيعا ً
هو الوحيد بين كل الخلق
أدرك الخسارة
هو الوحيد من سيحيا دونها غريب
في عالم عجيب
وربما من بعدها يفارق الحياة
دفانها أهال الترب فوقها
والشيخ ُ قربه ينوح :
“حبيبتي الغريبة
منذ انطفأت ِ أظلم الزمان
تساوت القبور والقصور
واختلط الغث مع السمين
تشابك الغزل فتاه مغزلي
بلاك لا وجود لي
بلا هواك أختنق
أنت الجناح لي
فكيف دونه أطير؟
حبيبتي منذ انطفأتِ أعتمت
وخان البحر ُ سرّه
ما عاد بعدها من رحلة ٍ قبطان
وما تجلت بعدك النجوم
ولا الربيع فتق الأغصان
الورد مات في أمّاته
والحب غادر الزمان والمكان
فكيف يا شريكتي أعيش
وكيف لي
بدونك الحياة؟”
ناديت : يا ضمير.. يا ضمير
لم يجب
ناديت لم يجب
وربما مضى وغاب َ
متعباً حزين
في ليلة ٍ ليلاء ودّع الغريبة
رأيت تحت ومض البرق حزنه الشديد
وكان خلف نعشها
المشيعَ الوحيد
عن شبكة البصرة