يعوّل مراقبون ومحللون سياسيون ومسؤولون أميركان أيضا على أن فوز البعثيين السابقين –في إطار كتلة الحدباء السياسية بالموصل- قد يساعد على إلقاء السلاح من قبل 13 مجموعة مسلحة غير القاعدة، بل إنهم يرون أنّ السلطة الجديدة المنتخبة في المحافظة ستشكل “ضربة للقاعدة” وبالتالي قد تعمل على طردها نهائياً. ومع أن قيادة القاعدة تركز الآن على أفغانستان وهي تضعف يوماً بعد آخر في العراق، إلا أن محللين عسكريين يقولون إنها لن تغيب عن المشهد نهائياً ولسنوات.
ويقول (توم كوكز) المحلل السياسي ومراسل وكالة رويترز للأنباء إن الانتخابات المحلية في “المعقل الأخير للقاعدة في العراق” أعطت العرب السنة الساخطين “الصوت ثانية” الذي يمكن أن يتحوّل الى ما يشبه “صحوة الأنبار” لكبح جماح العنف الذي طال أمده في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى التي كانت قد منحت المجموعات المتطرفة ملجأ مهماً.
ونسبت رويترز الى محللين عسكريين قولهم إن نجاح الأحزاب العربية السنية في انتخابات الحادي والثلاثين من كانون الثاني الماضي في محافظة نينوى، قد يجعلها أكثر قسوة –في هذه المحافظة التي مازالت تعاني من العنف- في التعامل مع بقايا القاعدة التي بدأت منظمتها الرئيسة في الخارج تفقد اهتمامها بشؤون الوضع في العراق.
ويقول (ديفيد كلارج) الخبير في شؤون المخاطر الأمنية في مجموعة (جونسيان) الاستشارية: ((تركز منظمة القاعدة الرئيسة الآن على أفغانستان، وتعطي القليل من الاهتمام للعراق)). وأضاف الخبير قوله: ((في العراق، لم يعودوا يتمتعون بالفوائد نفسها التي كانوا يتمتعون بها. بالطبع لن تختفي القاعدة من المشهد نهائياً، لكنهم أصبحوا حركة إرهابية هشه في العراق، كما يبدو ذلك في كثير من الأماكن وليس في العراق وحده)).
وفي الوقت الذي انخفض فيه العنف في العراق الى مستويات لا تكاد تذكر مقارنة بما حدث خلال السنوات التي أعقب الغزو الأميركي للعراق، فإن محافظة نينوى وبعض المناطق الأخرى التي تسكنها غالبية سنية والتي كانت قد قاطعت الانتخابات سنة 2005، تستمر في حالة الاضطراب والعنف والقلق التي تعاني منها!.
لكن عملية التصويت التي جرت في العراق لاختيار مجالس جديدة تدير السلطات المحلية في 14 محافظة عراقية، غيرت بشكل كبير “الخارطة السياسية” في العراق الذي يشكل الشيعة فيه أغلبية السكان. وفي نينوى ومركزها الموصل –يقول المحلل السياسي لرويترز- يمكن أن تساهم التطورات الجديدة بتحقيق مستوى أكبر من الأمن والهدوء.
وبرأي المحلل السياسي (توم كوكز) فإن القاعدة التي أعادت تجميع نفسها في الموصل بعد أن أجبرت على مغادرة معاقلها السابقة في بغداد والأنبار من قبل العشائر السنية، كانت وراء الصعوبة في تحسين الحالة الأمنية في نينوى ذات الاختلاط السكاني، والمنقسمة بين المتنافسين العرب السنة والأكراد، إضافة الى وجود التركمان الشيعة والمسيحيين واليزيديين والشبك.
في الموصل يخشى السكان من السيارات المفخخة، ولذا يراقبون مرورها بكثير من الشك، ويضع رجال الشرطة أعينهم على القناصين، وفي الوقت نفسه فإن العوائل مازالت تعيش الفزع والرهبة من مسلحي القاعدة الذين يجوبون الشوارع، ويطرقون الأبواب للاستفسار أو للمداهمة بشكل مفاجئ بحثاً عن “هدف” ما!.
يقول المقاول المتقاعد (محمد طيب) 73 سنة الذي كان جالساً يدخن سيكارته أمام مسجد ذي قبة خضراء: ((نحن نريد أن نكون في أمان، وطلبنا هذا فوق كل الطلبات الأخرى)). وأضاف: ((أعطنا أمناً، والأشياء الأخرى سوف تأتي)).
والهجومان العسكريان المكثفان –الأميركي وللجيش العراقي- خلال السنة الماضية، استطاعا أن يُضعفا القاعدة في الموصل، لكنهما لم يسحقاها تماماً، ولم يلغيا عنف المجموعات الإسلامية المتطرفة التي حافظت أيضا على حضورها في محافظة ديالى شمال بغداد.
وبرغم ذلك –تقول رويترز- ليست كل الهجمات في الموصل من عمل القاعدة وتنفيذها. لقد تعقّبت القوات الأميركية حوالي 13 مجموعة متمردة هناك، والكثير منها “علماني” وليس إسلامياً. وغالباً هي تنظيمات سنية، من الوطنيين، وبقايا حزب البعث الذي كان يقوده الرئيس السابق (صدام حسين). ويقول المحلل السياسي البريطاني (ديفيد كلارج) إن العرب السنة الذين قاطعوا الانتخابات سنة 2005، تركوا الأكراد يسيطرون على 31 مقعداً في مجلس المحافظة فيما احتلوا هم فقط 10 مقاعد على الرغم من أنهم يشكلون 60 بالمائة من السكان، فيما يشكل الكرد ربع السكان فقط!.
وفي الانتخابات الأخيرة، فازت كتلة حزب “الحدباء” السنية التي ينتمي إليها الكثيرون من البعثيين السابقين في نينوى بما يقرب من 48,4 بالمائة من أصوات الناخبين، في
ما حصلت المجموعة الكردية الرئيسة على 25.5 بالمائة.
ما حصلت المجموعة الكردية الرئيسة على 25.5 بالمائة.
إنّ هذه النتيجة –كما يظن المحلل السياسي- يمكن أن تعيد العلاقات السياسية بين المجموعتين الإثنيتين إلى “التوازن”. وإذا ما حدث ذلك –والكثيرون يشككون- فإن البعثيين السابقين الموجودين في قلب التمرّد بنينوى يمكن أن يقتنعوا بترك العنف، وهم يشاركون في قيادة مجلس المحافظة. وكان زعيم حزب الحدباء (أثيل النجيفي) قد أخبر روتيرز قوله: ((إن الفوز بالنسبة لقائمتنا سيقود العديد من المجموعات المسلحة لإلقاء السلاح)).
وفي الوقت نفسه لم يبد الزعماء الأكراد أي مؤشر لإظهار استيائهم. وبهذا الصدد يقول (خسرو كوران) نائب محافظ نينوى: ((نحن نعرف كم نحن كثر ومدى الدعم الذي نحصل عليه، ونعرف أيضا أن هذا الدعم لا يمكن أن يكون أكثر من ثلث الأصوات)).
ويضع المحلل السياسي البريطاني في احتماله أن يكون الهدوء في أوساط البعثيين السابقين في نينوى “خبراً سيئاً جداً” بالنسبة للقاعدة، لأن حضور مجموعة التطرف كان مفيداً فقط بالنسبة للبعثيين، فيما هم يحتاجون الى الفوضى. ولكنهم معادون جداً لخط القاعدة الإسلامي الصارم. وبهذا الخصوص يقول أحد المسؤولين الأميركان الكبار في الموصل: ((ما يقوله البعثيون لنا هو: الموصل مدينة عالمية الطابع ومعقدة جداً. ولهذا لا تستفيد من أجندة إسلامية، وسوف تنقلب على الإسلاميين)).
ويقول المحلل السياسي إن المجموعة لها “حضور ولو ضئيل” في أماكن أخرى من العراق، فيما تنقل رويترز عن (تيم ريبلي) وهو مؤلف عسكري ومعلق في سياسات الدفاع: ((يبدو العراق كما لو أصبح له حكومة جديدة الآن)). وأضاف قوله: ((إن بيئة حالة الفشل أصبحت شيئاً من الماضي)).