منظمة التحرير هي الكيان السياسي الفلسطيني (4)
مصطفى إنشاصي
سأرجئ الحديث عن الجدل القائم حول منظمة التحرير الفلسطينية ودعوة الأخ خالد مشعل لتشكيل مرجعية أخرى لِما يزعم أنه (فصائل مقاومة) إلى أن أنتهي من التذكير لمن جهل أو غفل أو نسي ذلك المخطط التاريخي القديم لاستئصال وجودنا كشعب وعدم تشكيل سياسي فلسطين مهما كان الثمن، ذلك لأن الكيان السياسي الفلسطيني هو نقيض الكيان السياسي الصهيوني، ويشكل خطر على وجوده الآن بالذات وقد شارف على أن يحقق ذلك الكيان جميع أهداف الصهيونية! ويمكن لأي إنسان عاقل أن يدرك أبعاد المخطط الغربي ـ الصهيوني للقضاء على وجودنا كشعب له حقوق وطنية تتمثل في كيان سياسيي ودولة، من خلال التأمل في واقع سياسة اغتصاب ومصادرة الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 التي يقوم بها كيان العدو الصهيوني، والتي تخالف أبسط قواعد ما يسمى القانون الدولي وقرارات (الشرعية الدولية)، ومن خلال البحث عن تفسير منطقي ومقنع لصمت العالم أجمع وخاصة الغربي على تلك السياسة، ومقارنة ذلك الموقف بالموقف الدولي والصمت الذي تم تبنيه قبل عام 1948 من مسألة اغتصاب العصابات الصهيونية لوطننا، وتهجير أهلنا من أرضهم وديارهم قسراً وبالإرهاب! وربط ذلك بالمخططات التي أسست وهيأت لإقامة الكيان الصهيوني في فلسطيننا، لندرك الأبعاد الحقيقة لتلك المخططات والموقف الغربي الداعم للمشروع والخطط الصهيونية للترحيل القسري، وإفراغ فلسطين من أهلها، واغتصاب وطنهم،
أرض بلا شعب لشعب بلا أرض
ذلك الموقف الذي أساسه الشعار الغربي الكاذب: (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) الذي أطلقه البريطاني النصراني الصهيوني شافتسبري، الذي كان مهووساً بخرافات التوراة، ونبوءات العودة والسيادة العالمية اليهودية، ذلك الشعار الذي يظن البعض أنه شعاراً غربياً (استعمارياً) استعاره اليهود من الغرب، في الوقت الذي هو في الأصل شعار يهودي صهيوني توراتي، أساسه إلغاء الوجود الفلسطيني كشعب وعدم الاعتراف به، والحكم عليه مسبقاً بالموت، كما اقتضت أوامر كتبة التوراة أيام السبي البابلي على لسان إلههم الخاص (يهوه) كذباً، الذي يأمر بإبادة الأقوام العربية التي سكنت فلسطين قبل قدوم بني إسرائيل إليها! فذلك الشعار فيه إشارة إلى موافقة الغرب ضمنياً على إبادة اليهود الصهاينة للسكان الأصليين في فلسطين توطئة لتحقيق وعد الرب باغتصاب الأرض؛ كما ستؤكد على ذلك جميع مراحل المؤامرة التي سنعرض لها كمحطات تاريخية فقط، لندرك جميعاً أهمية الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية حتى وإن بقيت على حالها الذي لا يُعجب أحد، ومخاطر أي محاولة تمس وجودها ككيان سياسي ووطن معنوي للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة بالذات، وواجب أن يبقَ لنا مرجعية واحدة مهما كانت سلبياتها!.
ولأن ذلك الشعار (أرض بلا شعب لشعب بلا لأرض) هو في الأصل عقيدة توراتية وهو خلاصة تعاليم (يهوه) فيما يخص الصراع على اغتصاب الأرض، فإن هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية وهو يقدم المشروع الصهيوني للغرب لم يغفل منذ البداية وهو يخاطب الغرب باللغة التي يفهمها، لغة الدول القومية والمصالح والخطر الإسلامي الذي يهدد الغرب نفسه، لذلك عنون كتابه باسم “دولة اليهود”، ولم يسمه “الوطن القومي لليهود” أو “ملجأ لليهود المضطهدين” أو غيره، ولكنه أراده عنوان يفهم منه الغرب بالضبط ما يريده اليهود الصهاينة، (دولة لليهود الصهاينة) في فلسطين بدل دولة فلسطينية، أي إبادة للشعب والوجود الفلسطيني.وفي السطور الأولى من الكتاب سارع إلى القول: إن “الفكرة التي عالجتها وبسطتها في هذا الكتاب هي فكرة قديمة تتعلق ببعث الدولة اليهودية”. وفكرة بعث الدولة اليهودية يفهم الغرب معناها جيداً. كما عاد وأكد على ذلك المعنى والهدف السياسي عندما ذَكَرَ الغرب بأهمية تلك الدولة في الحفاظ على مصالحه: “ونقيم هنا جزءً من حائط لحماية أوروبا في أسيا يكون عبارة عن حصن منيع للحضارة في وجه الهمجية ويتوقف علينا كـ(دولة) محايدة أن نبقى على اتصال مع أوروبا التي ستضمن وجودنا بالمقابل”. وبعد انتهاء المؤتمر الصهيوني كتب هرتزل في يومياته بتاريخ 29/8/1897م: “لو طلب مني تلخيص مؤتمر بازل في كلمة – وعلى أن أحرص عدم تلفظها بصوت عال- لكانت هي: في بازل أسست الدولة اليهودية”.
ذلك أن الهدف الوحيد الذي أعلن عنه في المؤتمر الصهيوني الأول 1897: “إن غاية الصهيونية هي خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام”. كان يعني “دولة يهودية” على غرار دول العصر الحديث! فقد كتب ماكس نوردو مستشار ومساعد وصديق هرتزل عام 1920م عن مصطلح “الوطن القومي”: “لقد بذلت كل ما في وسعي من
جهد لإقناع المطالبين بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين بأنه قد يكون في وسعنا أن نعثر على طريقة غير مباشرة للتعبير عن كل ما نريد من معنى، بحيث نقول ما نريد بطريقة تجنبنا إثارة الحكام الأتراك للأرض الموعودة”. ولكنه فشل! وفكرة الدولة بدأ حاييم وايزمان ترديدها على مسامع حكام لندن منذ عام 1900: “فلسطين اليهودية هي ضمانة لانجلترا خاصة فيما يتعلق بقناة السويس”. فلسطين اليهودية وليس العربية أو المسلمة! وعندما“استفهم الوزير “لانسنغ” من وايزمان أمام المجلس الأعلى لمؤتمر باريس عما يعني تماماً بالوطن القومي أجابه بجوابه المشهور: أن تتاح لنا الفرصة لنبني بالتدريج قومية في فلسطين هي لليهود بمقام الأمة الفرنسية للفرنسيين والأمة الإنجليزية للإنجليز”.
جهد لإقناع المطالبين بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين بأنه قد يكون في وسعنا أن نعثر على طريقة غير مباشرة للتعبير عن كل ما نريد من معنى، بحيث نقول ما نريد بطريقة تجنبنا إثارة الحكام الأتراك للأرض الموعودة”. ولكنه فشل! وفكرة الدولة بدأ حاييم وايزمان ترديدها على مسامع حكام لندن منذ عام 1900: “فلسطين اليهودية هي ضمانة لانجلترا خاصة فيما يتعلق بقناة السويس”. فلسطين اليهودية وليس العربية أو المسلمة! وعندما“استفهم الوزير “لانسنغ” من وايزمان أمام المجلس الأعلى لمؤتمر باريس عما يعني تماماً بالوطن القومي أجابه بجوابه المشهور: أن تتاح لنا الفرصة لنبني بالتدريج قومية في فلسطين هي لليهود بمقام الأمة الفرنسية للفرنسيين والأمة الإنجليزية للإنجليز”.
علاقة ذلك بحق عودة اللاجئين
معنى ذلك أن اليهود منذ البداية أرادوا فلسطين خالية من سكانها، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتهجير الفلسطينيين منها باختيارهم أو رغماً عنهم، لذلك لم يغفل هرتزل عن وضع مخططه لاغتصاب فلسطين وإفراغها من أهلها، ومسح جميع المعالم غير اليهودية، ذلك المخطط الذي يعتمد القتل والإرهاب والإبادة الجماعية وتطهيرها من أهلها بالقوة، واستئصال وإبادة جميع سكانها، لإسكان اليهود المستجلبين من أوطانهم الأصلية لإسكانهم مكان السكان الأصليين، أدركنا أن الخطط الصهيونية للترحيل القسري، وإفراغ فلسطين من أهلها، وأن جميع الأعمال الإرهابية والمذابح والمجازر التي ارتكبها ولازال يرتكبها اليهود في فلسطين وجوارها تمت وتتم بوعي وقصد مسبق، وأنها لم تأتي استجابة للحظة التي حدثت فيها، أو للظروف الطارئة التي تطلبت مثل تلك الجرائم.وذلك ما يفسر الإجماع الصهيوني على رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم بحسب قرارات ما يسمى (الشرعية الدولية). لو علمنا ذلك، لأدركنا أن عمر خطة طرد السكان العرب من فلسطين بعمر الحركة الصهيونية ذاتها،وأن الغرب أدرك منذ البداية ما أراده اليهود في فلسطين.
وقد كان هرتزل رائداً في وضع المخطط لكيفية التعامل مع سكان فلسطين الأصليين لإفراغ الأرض من أهلها واغتصابها. فقد كتب في مذكراته: (سنسعى لتهجير السكان المعدومين عبر الحدود من خلال تدبير الوظائف لهم في بلاد الانتقال، لكننا سنمنعهم من القيام بأي عمل في بلدنا .. وعمليتا الاستيلاء على الملكية وترحيل الفقراء ينبغي أن تجريا معا بصورة محكمة وحذرة). كما أنه اقترح طريقة أخرى للتخلص من الفلسطينيين، وذلك خلال استخدامهم كأرقاء عند المغتصبين اليهود وتسخيرهم للقيام بالمهام الصعبة والخطرة التي لا يجوز أن تزهق أرواح اليهود فيها أو بسببها. فقد كتبفي يومياته: (إذا انتقلنا إلى منطقة حيث توجد حيوانات مفترسة لم يتعود عليها اليهود كالأفاعي الكبيرة مثلاً فسأحاول أن استعمل السكان البدائيين للقضاء على الحيوانات قبل أن أجد لهم عملاً في البلاد التي يعبرون إليها).
وبعد أن ينتهوا من الأعمال الخطرة وتهيئة الأرض وجعلها صالحة لحياة اليهود، فإنه يجب التخلص منهم بالإبادة الجماعية، وبأسلوب حضاري جداً، باستخدام أساليب ووسائل ومنجزات العصر الحديث في عملية الإبادة الجماعية، حيث كتب في كتابه “دولة اليهود” بأسلوب رمزي، يقول: (لا يتم تأسيس دولة الآن بالأسلوب ذاته الذي كان يُستعمل قبل ألف سنة، فمن الغباوة العودة بمستوى الحضارة إلى الوراء كما يقترح الكثير من الصهيونيين. فلنفترض على سبيل المثال أننا أُجبرنا على أن نُخلي بلداً ما من الوحوش، يجب علينا أن لا نقوم بهذا العمل وفقا لأسلوب الأوروبيين في القرن الخامس كأن نحمل الرمح ونذهب كل على حدة للبحث عن الدببة، يجب علينا تأليف حملة صيد كبيرة ومن ثم نجمع الحيوانات ـ الفلسطينيين الذين بحسب العقيدة اليهودية هم وجميع البشر من غير اليهود حيوانات ـ ونلقي في وسطها القنابل المميتة). ويمكن اعتبار أفكار وإشارات هرتزل تلك بمثابة الجذور الفكرية للمجازر والمذابح التي مارسها اليهود في فلسطين وجوارها بعد ذلك، وأنها الأصول الصهيونية التي يعتمد عليها قادة الكيان الصهيوني اليوم في رفضهم إقامة أي كيان سياسي للفلسطينيين بجوار الكيان الصهيوني، ورفضهم عودة اللاجئين إلى ديارهم!!.