د. فايز أبو أبو شمالة
“جلعاد شاليط” ليس أسيركم وحدكم، بل هو أسير كل الفلسطينيين، عسى أن يخرج قريباً يحمل انطباعاً إيجابياً عن أخلاقيات العرب في معاملة الأسرى، ولذا أجد من واجبي تقديم وصايا عاجلة، ولاسيما أن موقف الدولة العبرية في الإفراج عن أسرانا قد لان، وأضحت صفقة تبادل الأسرى جاهزة للتوقيع، وعليه فإن نفسية “شاليط” تذوب شوقاً لسماع أي كلمة عن التبادل، ولا يمل التكرار، فهو يعيش حالة الترقب والانتظار، وقد تتركه للحظات متقاربة في حالة من التوتر والقلق، وربما في حالة من الحزن المهموم، لذا لا تتركوه وحيداً يتسلل اليأس إلى نفسه، أكثروا من حديث التفاؤل والأمل أمامه، وأشعروه أن نهاية أسره قد اقتربت، وأن أهميته إلى الشعب الفلسطيني تفوق أهميته لبني إسرائيل، وأن الفرحة التي ستدخل القلوب يوم تحرره ستكون كبيرة، وسيكون يوماً تاريخاً ذلك اليوم الذي يشترك فيه اليهود والعرب في فرح واحد لأول مرة منذ 1985.
طعام الأسير وشرابه إحساسه بالحياة، وقدرته على التحكم بالزمن، وهذا يتوقف على عاملين؛ الأول: مدى انسجامه مع نفسه، وقدرته على الرجوع إلى الماضي يتغذى عليه، احترموا لحظات خلوته ضمن حدود. والثاني: رغبته في معايشة الواقع والتفاعل معكم، فكونوا أصدقاء أسيركم، ولاسيما في هذه الأيام المحفوفة بالترقب، فهو أكثر حاجة إليكم من ذي قبل، وأكثر رغبة في الانشغال معكم بالوقت من الاشتغال فيه، وهنا تكمن مهارتكم، وخفة ظلكم.
أسيركم إنسان، يحب، ويكره، ويغضب، وينفعل، ويبكي، ويضحك، ويحزن، وقد تمر على الأسير فصول السنة الأربعة في لحظة واحدة، فينتقل من الحزن المتحجر إلى سيولة الحنين، لا تندهشوا، مشاعر الأسير يخدشها الندى، وروحه معلقة مع النجمة العائدة، فلا ينخفض لديكم منسوب الاهتمام بأسيركم، وأنتم تتركونه يتواصل إعلامياً بالعالم الخارجي، لعل وعسى يجد في إنسانيتكم العوض، وفي حضنكم ما يخفف عنه وجع الأسر.
ما زلت أشكر إنسانية سجاني “موريس” عندما كنت مريضاً مقيداً بسرير مستشفى “سوروكا” في بئر السبع، وقد أدخلوا جندياً إسرائيلياً بإصابات خفيفة إلى الغرفة نفسها التي أعالج فيها، وكان يفصل بيننا سرير ثالث يجلس عليه حراسي، بعد ساعة بدأت وفود الزائرين من اليهود تهل على الجندي المصاب حامي حمى إسرائيل، كل خمس دقائق باقة ورد، وبطاقة تهنئة، وابتسامة. أما أنا السجين الفلسطيني المخرب لأمن الدولة العبرية، فكانوا يلقون إليّ نظرة ازدراء صامتة. لقد تنبه سجاني إلى دموعي المكبوتة، وحزني الغائر، ونظراتي الباهتة، فاقترب مني قائلاً بالعبرية: لا تحزن “أبو شمالة” أنت عند شعبك أكثر منه أهمية، وسيأتي يوم تعود فيه إلى بيتك، لقد أيقظني سجاني من غفوة المقاربة، وأعادني إلى زمني واتزاني.