شهدت المنطقة هذا الاسبوع تحركات سياسية ربما لم تشهد مثلها منذ عدة سنوات على خلفية تداعيات الحرب العدوانية التي شنها العدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فمن لقاء جمع الرئيسين حسني مبارك ووزراء خارجية مصر والسعودية في القاهرة، الى اجتماع وزراء خارجية عشر دول عربية في ابو ظبي، الى اجتماع بين الملك عبد الله مع الرئيس التركي عبد الله غول في الرياض، الى جولة الرئيس عباس في عدد من الدول الاوروبية، والموقف الحاسم الذي اعلنه الرئيس عباس حول عدم الحوار مع من يرفض منظمة التحرير الفلسطينية ويعمل على ايجاد مرجعية بديلة لها، الى تصريحات عدد من وزراء الخارجية العرب. والكلمات التي القاها سواء في البرلمان الاوروبي او في المؤتمرات الصحفية مع قادة اوروبا، الى خطابات وتصريحات الرئيس مبارك، وتصريحات الملك عبد الله الثاني، وتصريحات خادم الحرمين.
بالاضافة الى الجهود المصرية للتوصل الى هدنة في قطاع غزة، والحوار الفلسطيني الفلسطيني، واعادة اعمار القطاع، والحملات الاعلامية المتبادلة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس.
هذه الحركة السياسية المكثفة والتي شاركت فيها اغلبية الدول العربية، والتي يطلق عليها تسمية “الدول المعتدلة”، قابلتها حركة اقل نشاطا وفعالية وتأثير كان من ابرزها زيارة وفد حماس الى طهران، وقبلها الى الدوحة والتي فجر خالد مشعل أثناءها قنبلة الاعلان عن جهود حماس لايجاد مرجعية جديدة للفلسطينيين بديلا لمنظمة التحرير، وما تلاها من تداعيات على المستويين الرسمي والشعبي الفلسطيني، وادت الى التراجع بشكل مرتبك من قبل مسؤلي حماس عما اعلنه مشعل.
والخيط الرئيسي في هذه الحركة السياسية المكثفة، ، يقوم على موضوع رئيسي واحد عنوانه مواجهة محاولات الاعتداء على الشرعية الفلسطينية، من قبل ايران التي تستخدم حركة حماس لتعزيز نفوذها في الساحة الفلسطينية، واستغلال القضية الفلسطينية للعبور الى الساحة العربية برمتها، لتحقيق اطماعها الثابتة بالسيطرة على الدول العربية والتي اعلنها الخميني بعد الثورة مباشرة بقوله ” ان السنة حكموا المسلمين مئات السنين والان جاء دور الشيعة ليحكموا لمئات سنين قادمة” وقد عبرت الدبلوماسية الايرانية بشكل مقصود عن تمسكها بهذا الهدف خلال زيارة مشعل لطهران، بوصفها المرشد الاعلى للثورة الاسلامية ب “المرجع الاعلى لأمور المسلمين”.
ومن نافل القول ان الدول العربية خصوصا الخليجية منها لديها مخاوف عميقة من الاطماع الايرانية بالسيطرة والهيمنة في المنطقة، وبعضها معلن حول الحقوق الايرانية في البحرين، وادعاءاتها مؤخرا حول حقوقها في الامارات ومحاولاتها املاء شروطها على الامارات بخصوص حركة المسافرين الايرانيين في مطار دبي. علما بان القيود المفروضة على سفر الايرانيين في مطار دبي سببه ان 27 بالمائة من تجار ومهربوي المخدرات التي القت سلطات الامن القبض عليهم هم ايرانيون. وفي نفس الوقت مخاوف الدول العربية الاخرى من النشاط المذهبي الايراني في العديد من الدول العربية مثل مصر والمغرب، واليمن.
وهذا ما دعا الى التحرك السريع، لمواجهة التحركات الايرانية والسورية في تعزيز شرعية حماس على حساب شرعية منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، مما يعني تعزيز النفوذ الايراني، فجاء الموقف العربي واضحا جدا في نهاية اجتماع وزراء خارجية الدول العربية العشر في ابو ظبي حيث اكد الوزراء رفضهم الحاسم للتدخل الايراني في المنطقة. وتأييدهم الحاسم للمنظمة والسلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس.
كما ان زعماء المنطقة اكدوا في كل تحركاتهم واجتماعاتهم وتصريحاتهم على التمسك بالسلام كخيار استراتيجي في وجه الخيارات المغامرة، التي تختبئ خلف شعارات المقاومة والكفاح المسلح، والصراع اللانهائي مع العدو الصهيوني الذي تتبناه حركة حماس بدعم من حلفائها في دمشق وطهران والدوحة.
وسط هذا الصراع السياسي الساخن كان لا بد من معرفة الموقف التركي بوضوح، خصوصا بعد مواقف اردوغان ردا على ما اعتبره اهانة لتركيا، وانطلاقه من ذاك الموقف الى الدخول على الخط بقوة وبخطوات متسارعة لايجاد موطئ قدم لنفوذ تركيا في المنطقة، وايضا من خلال مدخل القضية الفلسطينية، وركوبه موجة التصعيد اللفظي مع العدو الصهيوني، لخلق حالة توازن مع النفوذ الايراني، واكمال اضلاع المثلث الى جانب ايران واسرائيل، بما يغيب ويهمش أي دور عربي، وخصوصا دور مصر والسعودية، مما خلق ردة فعل سريعة، أدت الى اللقاء الذي جمع بين خادم الحرمين والرئيس التركي، الذي طمأن العرب بان تركيا متمسكة بخيار السلام، ورفضها الحاسم للانشقاق والانقسام في الساحة الفلسطينية. مما ادخل شعورا بالطمانية حيث نجحت الدول العربية المعتدلة في استمالة تركيا الى صفها، لتضيف قوة رئيسية الى جانبها في الصراع القائم بينها وبين ايران.
ولكن هذه الاصطفافات والتحالفات الجديدة، سواء العربية العربية او العربية الاقليمية، كشفت وبشكل واضح عن مدى الضعف العربي وعدم قدرة الدول الرئيسية مصر والسعودية والمغرب والارن على بلورة موقف قوي ومستقل في مواجهة اطماع الدول الاقليمية، اسرائيل وايران وتركيا، ووجدت نفسها مضطرة للتحالف مع قوة اقليمية رئيسية هي تركيا لمواجهة التعنت الاسرائيلي تجاه مبادرة السلام العربية، وتجاه محاولات ايران لتعزيز نفوذها في المنطقة.
وهذا يعني وكان هناك اعلان رسمي غير مباشر بالاعتراف بان الدول العربية اصبحت ساحة مكشوفة للاطماع الايرانية والتركية وقبلهما اسرائيل، وان هناك عجز تام عن صيانة الامن القومي ليس على المستوى العربي العام، ولكن على مستوى القطري كذلك.
ومع كل الخطوات الدفاعية والاستباقية التي اتخذتها الدول العربية المعتدلة في الاسبوع الاخير وما قبله، الا ان هناك مخاطر كبيرة، من اختراق ايران وتركيا للدول العربية منفردة “كل منها على حده” بدافع حاجة الدول الصغيرة والكبيرة الى حليف اقليمي قوي يساعدها على صيانة امنها في مواجهة محاولات الدولة الاقليمية الاخرى اقتحامه. مما يزيد من الانقسام والتشتت وتدمير العمل العربي المشترك، الامر الذي يعيد الى المنطقة ما كان يعرف في التاريخ القريب بالصراع العثماني الصفوي، وهذا يعني عودة الهيمنة التركية التي من المؤكد لم تفارقها احلام الدولة العثمانية، وسيكون لها الافضلية عند الخيار بينها وبين الهيمنة الايرانية، باعتبارها دولة سنية.
ان المنطقة العربية تواجه مرحلة عصيبة يقودها اليها المغامرون والممانعون، والثوريون اللفظيون، الذين يخدمون بوعي او دونه الاطماع الاقليمية الصهيونية والايرانية والتركية، ويعرضون القضية الفلسطينية للتدمير، حيث يتمكن العدو الصهيوني في حال اضعاف الشرعية الفلسطينية من التراجع عما وافق عليه لفظيا على الاقل باقامة الدولة الوطنية المستقلة وسوف يتراجع الكثير من دول العالم عن الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه بان تكون له هوية وطنية مستقلة، وهوية قومية مستقلة قبل ان تكون عربية او اسلامية.
وهناك الكثير من المؤشرات التي بدات تظهر علانية من قبل التيارات الاسلامية ومفادها ان القضية الفلسطينية هي قضية اسلامية، وانها ليست قضية فلسطينية خالصة، مع الرفض التام ان تكون قضية عربية، فيما ينازع هذه الدعوة التيار القومي الذي يرى بان القضية الفلسطينية هي قضية عربية وانها ليست قضية فلسطينية خالصة.
وهكذا ووفق هذه المباديء والقناعات الاسلامية والعروبية، فان الفلسطينيون ليسوا سوى رعاع لا مكان لهم الا في ذيل هذا التحالف القومي، او ذاك التحالف الاسلامي، ليس لهم شخصية وطنية مستقلة، او هوية قومية مستقلة، او وطن مستقل لهم، وفي هذه الحالة فان العدو الصهيوني، يكون اكبر الرابحين باعتباره هو الذي يسيطر على الارض والسكان، ولديه من القوة لابعاد الصراع الاقليمي الايراني التركي وحلفاء كل منهما عن فلسطين.
وهذا يستدعي دعوة مصر والتي لا نشك بانها تدرك تماما حجم المخاطر التي تعرض لها المنطقة وفي مقدمتها مصر، وايضا دعوة السعودية لما لها من وزن وتأثير وامكانيات، ومعهما كل الدول العربية التي ترفض ان تكون بلادها مسرحا للصراع العثماني الصفوي، ان تتضافر جهودها بقوة وان تعلن مواقفها بصراحة ووضوح وتحدد اهدافها المرحلة والاستراتيجية، وان تتخذ خطوات فعلية ضد من يستخدم كاسفين لتقسيم بلادنا بين اطراف المثلث الاسرائيلي الايراني التركي. فلا بد من ان تكون مصر قوية وان تكون زعيمة لهذه المنطقة، والا يقل وزنها ودورها الاقليمي عن دور الدول الاقليمية الاخرى، مما يستوجب الالتفاف العربي والشعبي خلف مصر، حتى يمكن للمنطقة ان تنجو من السقوط أسيرة لمشاريع الخلافة الصفوية او الخلافة العثمانية.
ابراهيم علاء الدين