بقلم : خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب
من المؤكد أن عموم التيار الوطني الديمقراطي الفلسطيني ينظر إلى منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، ويلتف حولها بصفتها رمز وحدة وقائدة النضال الفلسطيني، وعنوان واضح للشعب وأمام العالم.. وهو يتمسك بها كيانا معنويا للشعب وحاملة للبرنامج السياسي الأكثر واقعية.
لكن ومع الرفض القاطع لما تسعى حركة حماس للقيام به– من خلق مرجعية فلسطينية أخرى للشعب الفلسطيني– يشكك بوحدانية تمثيل المنظمة للشعب، ويضر بمجمل المشروع الوطني الفلسطيني.. الا انه من المهم– وفي هذه اللحظات المصيرية– إقران الرفض القاطع لنهج حركة حماس– بتوجيه النقد الشديد للأوضاع المزرية التي تعيشها المنظمة.. ولا بد من الجرأة بتسمية الأشياء بمسمياتها، وتحميل قيادة المنظمة مسئولية هذا الوضع، كونها أعمت عيونها عن الأخطاء، وأغلقت أذنيها عن جميع الأصوات التي طالبت ومنذ سنوات طوال بإعادة النظر بالكثير من الأمور في المنظمة.. ويجب القول أن هذه القيادة بأدائها الخاطئ هي التي سهلت لحماس مهمتها للانقضاض على منظمة التحرير.. كما لا بد من القول أن الانتباه لأهمية المنظمة ما كان يجري الا عندما يحدق خطرا وتفقد القيادة بعض معاقلها ( كما حصل عندما تسلمت حماس زمام أمور السلطة الوطنية ).. والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا كانت تفعل قيادة هذه المنظمة أكثر من استخدام المنظمة..؟؟ واستخدام شرعيتها كسلاح في وجه الخصوم..؟؟ والمحزن حقا أن هذه القيادة كانت سرعان ما توقف اهتمامها بموضوع إصلاح المنظمة بمجرد تراجع حدة الخطر.
ومن الجدير بالذكر أن الخطر الذي يهدد منظمة التحرير.. هو نفسه الخطر الذي يهدد مجمل المشروع الوطني بالاندثار، ويدفعه للسقوط بالهاوية.. فبدون وحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني ستفتح أبواب جهنم كاملة على المشروع الوطني :
حيث سيتكرس الانقسام العمودي ( الجغرافي والسياسي والقيادي ).
وسيجد البعض في النظام العربي والمجتمع الدولي فرصته للتنصل من مسئولياته، وحتى الإفلات من التزاماته المحددة تجاه حل القضية الفلسطينية.
ستتاح لإسرائيل فرصة ثمينة لتقول للعالم لا شريك فلسطيني للتفاوض معه وتكسب الوقت لفرض وقائع جديدة على الأرض تطيل عمر احتلالها.
إن استمرار الالتفاف والتمسك بمنظمة التحرير لا يجب أن يعمي الأعين عن الوضع المزري الذي تعيشه هذه المنظمة :
فقد همشت وألحقت بالسلطة..
وفقدت دورها كمرجعية عليا .. للسلطة وللقرار السياسي.
وتراجع دورها وحضورها في أوساط فلسطينيي الشتات إلى درجة مريعة.
ويجري استحضارها فقط بالمناسبات وعند استفحال الخطر.. حيث يتم استخدامها كأداة في وجه الخصوم.
طوال الوقت كانت المنظمة تخضع لهيمنة حركة فتح– دون شراكة حقيقية مع القوى الأخرى.. لكن الخطير الآن أنها ( أي المنظمة ) تقاد من قبل أشخاص لم تعد حركة فتح أو أي من التنظيمات الأخرى تشكل المرجعية الملزمة لهم.
لم تكن دعوة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لتشكيل مرجعية جديدة للشعب الفلسطيني مفاجأة، فمسار حركة حماس منذ تشكلها كان يشير إلى أنها تسير نحو هذا الاتجاه.. وكانت تسعى دوما لتكريس نفسها أمام الجماهير بأنها البديل– هذا ما كانت تفعله في الانتفاضة الأولى .. وهذا ما فعلته في كل المراحل اللاحقة.. لقد بدأت حركة حماس صراعا على السلطة، ثم انتقلت لتصارع على المنظمة.. حاولت الاستيلاء عليها، وعندما فشلت أخرجت ما في جعبتها من أهداف وهو الآن بناء البديل للمنظمة
إن دعوة مشعل لتشكيل المرجعية الجديدة هي إضافة جديدة للتحديات التي يواجهها الوضع الفلسطيني.. فالتحديات كانت موجودة ولكن للأسف لم يتم التعامل معها بالجدية المطلوبة.. فهناك انقسام يتعمق أكثر فأكثر ويسير باتجاه طريق اللا عودة، وهناك انعدام كبير في ثقة الجماهير بقياداتها، ووضع تآكلت فيه سمعة السلطة والرئاسة، وهناك وضع تمتلك فيه حركة حماس زمام المبادرة، لتداهم الكل الفلسطيني وتشغله بقضايا تقع ضمن أجندتها الخاصة، وهناك حالة تعيش فيها الجماهير بدون أفق سياسي، وانحراف لبوصلة العمل الوطني عن مسارها الصحيح ضد الاحتلال، وهناك انتهاك متسارع لحقوق الجماهير ومساس بالحريات.. والأخطر من ذلك غياب القرار الفلسطيني المستقل وتحول القضية إلى ورقة تستخدمها المحاور الإقليمية والدولية في معاركها الدائرة على المصالح.
إن المواجهة الناجحة للدعوة لبناء بديل للمنظمة يجب أن تكون بعيدا عن الانفعالية وبما لا يسمح بتسعير حدة الصراع الداخلي، ولا بالاكتفاء بإطلاق الشعارات دون التوجه الفعلي لتحصين منظمة التحرير.. يجب أن تسارع قيادة المنظمة لإعادة بناء اطر وهياكل الم
نظمة باليات وبأساليب ديمقراطية ( أي بالانتخابات حيث أمكن ).. وبمغادرة نهج الاستئثار والاستحواذ على القرار، أي بجعل مبدأ الشراكة هو السائد.. والذي وفقه فقط يجب أن تجري عملية اتخاذ القرارات وعلى أساسه يجب أن تدار الحياة الداخلية للمنظمة.
نظمة باليات وبأساليب ديمقراطية ( أي بالانتخابات حيث أمكن ).. وبمغادرة نهج الاستئثار والاستحواذ على القرار، أي بجعل مبدأ الشراكة هو السائد.. والذي وفقه فقط يجب أن تجري عملية اتخاذ القرارات وعلى أساسه يجب أن تدار الحياة الداخلية للمنظمة.
إن المشروع الوطني الفلسطيني يواجه اليوم وبفعل مخطط تتشارك فيه قوى فلسطينية وإقليمية ودولية مخاطر قد تودي به إلى الهاوية.. حيث يجري تلاعب مبرمج بالقضية الفلسطينية، فقد حاول البعض أولا اختزال القضية الفلسطينية كلها بقضية العدوان على غزة، ثم قام بإشغال الكل الفلسطيني بالصراع على التمثيل وبطرح البديل، ويجري بشكل ممنهج تغييب الجوهر الحقيقي للقضية كقضية تحرر وطني.
ومع القناعة بان حماس ماضية في طريق تحقيق مشروعها الخاص حتى النهاية.. الا انه ومن مبدأ سد الذرائع .. كان على قيادة المنظمة أن تستجيب لأصوات من نادوا وعملوا جاهدين ليكون الصراع في المنظمة.. وليس على المنظمة.. وان تنفذ ما جرى الاتفاق عليه في القاهرة عام 2005 ( أي فتح الأبواب لحماس وغيرها من التنظيمات التي هي خارج المنظمة لدخول اطر ومؤسسات المنظمة ).. لكن قيادة المنظمة والرئيس أبو مازن بالتحديد لم يفعلا ما يكفي لتنفيذ ذلك الاتفاق.
إن الخطر الداهم على المنظمة لا يمكن صده ومن ثم إفشاله– الا إذا واجهنا الخطر القائم داخل المنظمة– والمقصود هنا الدعوة إلى ترميم هذا البيت المتهالك، والكيان المعنوي الأخذ بالضمور، بإعادة بناء أطره ودوائره بطريقة ديمقراطية، وعلى أسس سليمة بعيدة عن الفئوية، وعلى قاعدة الشراكة الحقيقية، واستنهاض هذا الرمز ليأخذ دوره الكامل في قيادة النضال الوطني داخل وخارج الأرض الفلسطينية المحتلة، ليكون متسعا للجميع، ويعكس وحدة وطنية فلسطينية حقيقية.
مخيم الفارعة – 4/2/2009