ثبات نايف
ضحك للبيع؟؟.. هذا ما كانت تقوله اللافتة المعلقة على باب الدكا ن ..
قلت في نفسي :
مااحوجني الى الضحك، لقد مضى زمن طويل لم اضحك فيه . امس قال لي طبيب الامراض القلبية ان الضحك رياضة للقلب . وان علي ان اضحك وافرح لكي اتجنب الاصابة بالذبحة القلبية مرة اخرى… ولكن كيف يباع يا ترى ؟؟ معباْ داخل علب معدنية مقفلة كعلب المشروبات الغازية ، ام في قناني بلاستيكية كتلك التي يعبا بها ماء الشرب ام سيكون على شكل اقراص كاقراص الحلوى ام حبيبات صغيرة مثل حبيبات الدواء ؟؟..
وراحت الاسئلة تتوالد في راسي عن شكل الضحك الذي ساشتريه …..اه كم الضحك لذيذ و كم هي رائعة تلك الحالة الانسانية التي يعيشها الانسان الضاحك
رحمك الله يا امي ..لن انسى ذلك اليوم الذي نلت فيه عقابك ؟؟ لانني ضحكت في حضور ضيفاتك من نساء الحي و لم اعرف حتى الان لم ضحكت ولكنني اتذكر جيدا كيف قمت من مجلسك غاضبة و قرصت اذني بشدة واخرجتني من غرفة الضيوف وانت تقولين بصوت مسموع
_الضحك بلا سبب من قلة الادب
لم افهم معنى كلامك في تلك الساعة ، وكيف لطفلة في الرابعة من عمرها ان تفهم المعنى او ان تدرك انها اخطات التصرف ،ولكني استوعبت الدرس الاول عن الضحك وفيما بعد تعلمت ان الانسان يجب ان يضحك لسبب ما والا فانه مجنون والعياذ بالله
- بماذا تامرني الحاجة ؟
سالني البائع وقطع علي حديثي مع نفسي ، قلت
– اريد ما تعلن عنه من بضاعة نادرة في ايامنا هذه
فاجاني الرجل بقهقهة عالية جعلتني ابتسم بتفاؤل وقال
-اه ..انها فعلا نادرة بل ان الناس نسوها تماما…
قلت ولكن كيف تروجها في هذه الايام الحزينة؟
قال- يكفي هذا الاعلان الصغير ليتوقف الناس مثلك ليشتروها ( وانتابته نوبة من سعال خفيف اعتذر لي عنها ثم اكمل كلامه ) لقد كثرت احزانهم حتى الفوها ونسوا كيف يضحكون ، تاملي الان وجوه الذين حولك من المارة وسترين فيها الحزن بكل تفاصيله
هززت راسي موافقة وقلت
– عسى ان لايكون ثمنها غاليا
اجاب بثقة- بل رخيصة ، رخيصة جدا اذا قارناها باسعار البضائع الاخرى الف دينا ر فقط وسوف تضحكين طوال يومك وربما طوال اسبوع بعده
اخرجت ورقة النقد المطلوبة وهي بما يعادل ثلثي دولار عملة المحتل الامريكي الذي عمل على اسقاط عملتنا الوطنية في تسعينات القرن العشرين بعد حرب الخليج الثانية و ما تلاها من سنوات حرب الحصارات والتجويع ..
تسلم الرجل مني الورقة النقدية وناولني قرصا مدمجا وقال
– تفضلي.. ضعيه على جهاز الكومبيوتر وسوف ترين . قلت؛
– ما هذا ؟؟
قال-او نسيت اننا في قرن الالكترون القرن الحادي والعشرين هذا القرص يسجل اليوم اعلى رقم مبيعات في العالم اما العاملون في تجارته فهم الاكثر ثراء في العالم بل تتجاوز ارقام ثرواتهم ميزانيات دول كبيرة
اخذت منه القرص وعدت الى البيت وما ان دخلت الدار حتى اسرعت الى جهاز الكومبيوتر و وضعت القرص فيه..ففاجاني وجه الرجل على الشاشة ضاحكا وجاءني صوته وهو يلقي نكات ساخرة تنا ل من رئيس الجمهورية ضحكت لها . تلتها نكتة اخرى لاتقل طرافة عن سابقتها وهكذا كلما انتهت واحدة روى الرجل اخرى اقوى منها . ثم تحول في نكاته فنال من رئيس الحكومة ثم من الوزراء ثم من الاحزاب وقادتها ثم من الميليشيات و لم يترك الرجل احدا الا ونال منه ،كنت اضحك بصوت عال الامر الذي جعل افراد عائلتي يتجمعون حولي ويضحكون
قالت شقيقتي- هذا الرجل لديه موهبة في صنع النكتة والقائها
قلت صحيح – وهو مثل اي صاحب موهبة يتكسب منها انه مثل المغني و الممثل و الرسام … و الانسان الذكي هومن يستغل موهبته التي انعم الله عز وجل بها عليه
قال –شقيقي بل هو يستغل اجواء الديقراطية التي يعيشها البلد
اما شقيقتي فعلقت وهي تزم شفتيها
-هذا الذي حصلنا عليه من بركات الاحتلال الامريكي عشرات الصحف ..عشرات القنوات الفضائية ..عشرات الاحزاب والطوائف والكل ينادي انه يعمل من اجل مصلحة العراق العظيم..ديمقراطية ولم لا ؟ الناس يتحدثون كما يشاؤون بكل ما يخطر على بالهم دون خوف من رقيب او من حسيب و لكن … خسرنا اعز ما يملكه الانسان الوطن والعيش الامن فيه
قلت –الديمقر اطية … والله انها لاكذوبة كبيرةلا وجود لها على سطح الكرة الارضية
وتوالى النقاش بين العائلة الواحدة وارتفعت الاصوات على صوت الرجل الذي لم يتوقف عن نكاته حاولت اسكاتهم قلت
-يبدو ان مجلس الامن الدولي انعقد الان هنا ولابد ان قرارا سيصدر بحق الرجل كتلك القرارات التي لاحول ولاقوة لها ، كفاكم نقاشا ودعوني استمتع بالنكات فقد دفعت الف دينار
– ضحكت شقيقتي بسخرية ودعاني اخي الى استغلال القرص وتاجيره لمن يشاء
وقبل ان اردعلى فكرته… دوى صوت انفجار هائل ، ثم علت اصوات استغاثة غير بعيدة عن دارنا فهرع الجميع نحو الخارج ثم جاء من يقول ان صاروخا انطلق من طائرة مروحية امريكية كانت تحوم في سماء المنطقة واصاب بيت جيران لنا
اغلقت الكومبيوتر واسكت الرجل الذ ي كان لايزال يلقي نكاته بينما انهمرت دموعي غزيرة لحياة نعيشها و لامفر من تلونها بلون واحد غامق السواد
بغداد 9/4/2007