زكريا النوايسة
(بداية أعلن براءتي من كل طريق لا يفضي إلى فلسطين كل فلسطين، ومن كل رصاصة تُطلق لغير طُهر ترابها ، ومن كل كلمة لا تضيف جديدا لسِفْرِ النضال المجيد)
ما فهمنـاه ووعينـاه أن الدم الفلسطيني انتصر في غزة كانتصاره دائما عبر مراحل النضال الطويلة الممتـدة عبـر قرن من الزمـان ، فصبـر وصمـود وعنفوان الشعب العربـي الفلسطينـي حكايــة طويلة من الدم والآمـال والدموع والشتـات قلَّ نظيـرها ، ولأن هذا النضال متفردا حيـن يقاس بغيره فليس من الانصاف اختزال هذه الرحلة الطويلة في شكل سياسي هنا أو هناك ، أو حشر هذا الصبر الطويــل فـي جيب مغامـر أو مقامـر يُكيّفـه ويشكلـه كيفما شاء ، ومن عظائـم الأمور أيضا غضّ الطرف عن التاريـخ النضالي لرجال حملوا ذات لحظة عصيبة مشاعل ثورة البراق وثورة 36 ، وتحملوا بصبر جميل عناء وقهر النكبة وخيبة وانكسار النكسة.
ولكن ما لا نفهمـه أن يسيل دمنـا ويهرس لحمنا ، وتدق عظامنـا ، وتستبـاح حرمـات غـرف نومنـا ، وبعد ذلك وبمنتهى البساطـة يسجل النصر لآخريـن ، فالقاصي والداني يعرف يقينا أن الدم سال في غزة والفسفور الأبيض لوث سماء غزة ، ولكن شارات النصر وصيحاته انطلقت من طهران ، حتى خالطنا الشك بأن طائرات الإجرام الصهيونية كانت تدك طهران أولاً ومن ثم تكمل حمولتها على غزة بعد ذلك .
فيمـا يبدو أن السيـد خالد مشعل قد صـدّق شكّنا ،هذا بأن طهـران كانت تتوشـح بالـدم مثـل
غزة ، فشدَّ الرحـال إليها وعلق نيشان النصـر على صدر مرشدهـا ، وأطلق مقولته المدويــة والتي سيسجلها له التاريخ مخاطبا تجمعا طلابيا ايرانيا( إننا سنحـرر القدس سويا ) وبمقولتـه النارية هذه أعاد لذاكرتي النكتة السياسية عن الزعيم ياسر عرفـات حيـن كان يرتفع منسوب الآمال بالتحرير القريب تتمدد عنده الرغبة بالصلاة في القدس ومـع كل زعيـم يلتقي بـه حتى
ولو كان كيم إيل سونغ،وقد تكون هذه الرغبة المحمومة حالة وراثية في الزعامة الفلسطينية
التي تنخدع بسراب التحالفات ، فيغشاها وهمُ الموعد القريب ، لتصحو متأخـرا علـى الحقيقة المرة أن الحليف المزعوم لا يعنيه إلا أهدافه آجلاً أم عاجلاً.
ودعوة السيد مشعل للصلاة مع الإيرانيين في المسجد الأقصى لها خصوصية ، لأنـها تنطلق من خلفية دينية بالأساس ، والمتمعن في هذه الدعوة سينظر إليها من أحد احتمالين ، أن مشعل لم يقرأ ايران جيدا ، فاصطاده شبك التقيّة التي تمثل عماد السياسة الايرانية ، أو أنه يحيط بكل ذلك ويعي الحقيقة الايرانيـة التي يجاهر بها أصحابهـا على الملأ وقصد الدخـول فـي مثـل هـذه التحالفات بالرغم من مخاطرها الكارثية التي ستصيب القضية الفلسطينيـة في مقتل،إضافة لما تشكله هذه التحالفات من مخاطر فتـح البوابات للتبشير الشيعـي ، وهذه المرة من خـلال أكثـر القضايا ملامسة لوجدان الإنسان العربي والمسلم، ويبقى المرجح هو الاحتمال الثاني لأننـا لا نتحدث عن شخصية ساذجة أو هامشية الوجود والحراك على الأرض.
وللأمانة وبعيدا عن الخوض والدخول في تجاذبات ذات طابع طائفي ، وتجلية للحقائق ، كان لا بـد من إضاءة بسيطة على اعتقاد هؤلاء الطلبــة الذين خاطبهم خالـد مشعل ، والكيفيــة التي ينظر فيها مذهبهم الذي يدينون به للمسجد الأقصى :
1) أورد (المجلسي ) : (( عن أبي عبدالله عليـه السلام قــال : سألته عن المساجـد التـي لها الفضل فقال : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، قلت : والمسجد الأقصى جعلت فـداك؟ قال : ذاك في السمـاء ، إليه أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلـت : إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال: (( مسجـد الكوفة أفضل منـه ))/ بحـار الأنوار ؛ محمد باقر المجلسي (97/405) الطبعة الثالثة 1403هـ - 1983م ؛ دار إحياء التراث العربي.
2) وروى أيضا الشيخ الصدوق في كتابـه من لا يحضره الفقيـه والخصال ، بإسنــاده عن أميـر المؤمنين عليه السلام أنه قال : ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:المسجد الحرام ، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، ومسجد الكوفة ))/ الوسائل (3/525).
3) ( المسجد الأقصى إين ؟) عنوان كتاب للعلامة الشيعي( جعفر مرتضى العاملي المولـود في جبل عامل عام 1945م ((جنوب لبنان)) ودرس في النجف وقم وأشهر مؤلفاتـه (( الصحيـح من سيرة النبي الأعظم )) )جاء فيه : (( لقد تبين لنا عدة حقائـق بخصوص المسجـد الأقصـى والذي يحسم الأمر أنه ليس الذي بفلسطين )).
4) ويقول جعفر العاملي : ( أنه حين دخل عمر بيت المقدس لم
يكن هناك مسجدا أصلا ، فضلا عن أن يسمــى أقصـى)/ الصحيــح من سيـرة النبــي الأعظـــم (3/137) ، الطبعـة الخامســة 1427هـ - 2006م ، المركز الاسلامـي للدراسات(وهو الكتـاب الذي نال على تأليفـه جائــزة ايران للكتاب، وكرمه الرئيس الايراني أحمدي نجاد بنفسه).
يكن هناك مسجدا أصلا ، فضلا عن أن يسمــى أقصـى)/ الصحيــح من سيـرة النبــي الأعظـــم (3/137) ، الطبعـة الخامســة 1427هـ - 2006م ، المركز الاسلامـي للدراسات(وهو الكتـاب الذي نال على تأليفـه جائــزة ايران للكتاب، وكرمه الرئيس الايراني أحمدي نجاد بنفسه).
5) وفي نص ثالث يقول العاملي : ( المسجد الأقصى الذيحصل اإسراء إليه ، والذي بارك الله حوله ، فهو في السماء)/ الصحيح من سيرة النبي الأعظم (3/128،129).
6) ويقول عباس القمي : ( والمشهور على أن المسجد الأقصى هو بيت المقدس ، ولكن يظهر من الأحاديث الكثيــرة أن المراد منه هو البيت المعمور الذي يقع في السماء الرابعة وهو أبعد المساجد )/ منتهى الآمال لعباس القمي ص ( 70 ).
** للإستزادة يمكن العودة لكتاب (الشيعة والمسجد الأقصى ) لمؤلفه طارق أحمد حجازي ، أو زيارة موقع ( (www.haqeeqa.com