مع كل التقدير والتبجيل لكل الديانات السماوية والارضية، والاحترام لكل اتباعها في كل زوايا الدنيا، ندين وبكل شدة من يمتهنون الدين لتحقيق اهداف سياسية، ومن يسخرون اتباعه لممارسة القتل والتدمير والتفجير، وتأجيج الصراعات السياسية والعنصرية والطائفية، ومن يستغلون الايمان الفطري عند البشر، للوصول الى المناصب والمواقع والزعامة السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية.
ندين من يتلبسوا اسماء الرموز الدينية، ويسبغون على انفسهم صفات ذات مضامين قدسية، لتجنيد الفقراء والبؤساء للقيام بعمليات ارهابية، لقتل الناس المدنيين في الشوارع والطرقات والمدارس والجامعات والاسواق والمنازل ومحطات المواصلات، ووسائل النقل والساحات.
واحدة من هؤلاء الدجالين سيدة عراقية اسمها سميرة احمد جاسم، لقبت نفسها او لقبوها باسم أم المؤمنين، اعلنت الحكومة العراقية القاء القبض عليها، امس، وهي مسؤولة عن تجنيد النساء العراقيات الفقيرات البائسات، للقيام بعمليات انتحارية.
أم المؤمنين هذه اعترفت بانها قامت بتجنيد 28 امرأة نفذن عمليات انتحارية في بغداد وديالى، يعني انها مسؤلة عن جريمة قتل مئات العراقيين الابرياء، لم يقترفوا ذنبا سوى انهم تواجدوا في الاسواق والطرقات ومواقع التفجير التي اختارها اسياد ام المؤمنين من امراء جماعة انصار السنة الارهابية المجرمة.
والمفارقة ان اسم أم المؤمنين يعطي ايحاء بالوقار والايمان الصوفي والسلام الداخلي، وبأن صاحبته يمتليء صدرها بالعطف والرحمة والانسانية والتسامح، لكن أم المؤمنين سميرة احمد، ومن يشبهها من امهات المؤمنين، امتلأ صدرها بالحقد والدموية وعشق الموت والقتل والجريمة، وبلا شفقة استغلت بعضا من فقيرات العراق البائسات فتقول “ان اول امراة جندتها كانت ام هدى, نقلتها الى البساتين وكنت اتحدث اليها دون ان تنطق بأي كلمة، وكانت تقرأ آيات من القرآن الكريم، ثم تركتها تفجر نفسها في مركز شرطة المقدادية شمال شرق بغداد”.
فيما كانت الانتحارية الثانية والقول لأم المؤمنين “تدعى سعدية وهي عانس طاعنة في السن تحدثت اليها حتى اقنعتها وقد فجرت نفسها في مرآب للنقل في المقدادية” . اما الانتحارية الثالثة كما جاء في اعترافات أم المؤمنين “كان اسمها آمال وهي معلمة تعاني من مشاكل اجتماعية مع عائلتها وحالتها النفسية تعبانة, تمكنت من اقناعها خلال فترة وجيزة، واخذتها الى البساتين حيث قامت بتفجير نفسها عند مقر للجان الشعبية، التابعة الى قوات الصحوة”.
أم المؤمنين سميرة احمد هذه “وهو بالمناسبة اسم ممثلة مصرية قديمة” مثلها العشرات اذا لم يكن المئات ممن يتغلغلن في نسيج الاوساط الشعبية والفقيرة في بلادنا، يعبئن ويحرضن وينشرن ثقافة الموت والانتحار، ليس في صفوف النساء فحسب بل في صفوف الشباب وبعضهم مريض نفسيا وأعلبهم من العاطلين عن العمل، من ذوي العقد النفسية والشعور بالنقص، والرغبة بالتخلص من الحياة وبؤسها.
أم المؤمنين هذه هي من انجبت ال 900 ارهابيا في في السعودية في السنة الماضية فقط، ومنهم من اعلنت وزارة داخليتها عن القاء القبض على 85 ارهابيا منهم امس الاول، وأم المؤمنين هذه وامثالها هن امهات الاف الارهابيين الذين زرعوا شوارع المدن الجزائرية بالموت والدمار، واسفرت عملياتهم الارهابية عن قتل نحو 100 الف جزائري من الاطفال والنساء والشيوخ الابرياء، وهي من انجبت جماعة الارهاب في السودان الذين يقتلون الابرياء في دارفور، والذين خطفوا السودان وجردوا اهله وقواه السياسية من كل حقوق المواطنة والحقوق السياسية.
فكيف يطلق على مجرمة ارهابية تزرع الموت في كل مكان تصل اليه لقب أم المؤمنين، كيف يقبل المسلمون المحترمون ازدراء هذه التسمية العظمية عند المسلمين التي أطلقت على زوجات النبي (ص).
هل هناك اكثر اثباتا ودليلا على استغلال الدين من تجار السياسة من الجماعات الاسلاموية من اسباغ هذه التسمية على مجرمة قاتلة تمتهن تجنيد النساء البائسات لتفجير انفسهن وهن في حالة من الغياب الكلي عن الوعي، والادراك، تحت وطأة الوهم والتضليل، بأنهن ذاهبات الى الشهادة حيث السعادة الابدية.
هل هناك دليلا اوضح من مثال ام المؤمنين لفضح كذب وضلال تيارات الاسلام السياسي باستخدامهم الرموز الدينية لتحقيق اهدافهم السياسية..؟؟
وكما هناك امهات للمؤمنين من شاكلة المجرمة سميرة احمد ، فهناك ايضا اباء للمؤمنين، ومن اشهر ابائهم المعاصرين المجرم اسامة بن لادن، الذي حصل على منزلة الابوة فقط بسبب ثرائه، وامواله وثروة عائلته، بينما يقوده ويسيره ويسيطر عليه عاشق كهوف ت
ورا بورا المضلل الأفاق ايمن الظواهري.
ورا بورا المضلل الأفاق ايمن الظواهري.
ابو المؤمنين هذا “الابن لادن” انجب مئات الابناء من امثال المجرم الزرقاوي، والمصري والجزائري الذي اهدر دم الفنان عادل امام، والالاف ممن لا يزالوا مجهولي الهوية والذين ستعرف هوياتهم ان اجلا ام عاجلا في سياق المواجهة الضارية الي تخوضها الشعوب وقواها السياسية الحية ضد الارهاب والارهابيين والقتلة المجرمين، من دعاة ثقافة الموت والدم والدمار.
لكن الاخطر من وجود امهات المؤمنين وابائهم من سميرة احمد الى بن لادن، هي البيئة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية “الرحم، او الحاضنة” التي يتكون فيها هؤلاء الذين تستدرجهم امثال أم المؤمنين سميرة، وامراء المؤمنين من مختلف التيارات السياسية الاسلاموية، هذه البيئة التي يزدهر فيها الثالوث البشع .. الفقر والجهل والمرض.
فبغير هذه البيئة لا يمكن لجماعات الاسلام السياسي ان تترعرع وتزدهر وتنمو وتكبر، فلولا هذا الثالوث لما تمكنت ام المؤمنين سميرة من تجنيد ام هدى او سعدية او آمال، ولما تمكن بن لادن من تجنيد الاف اليمنيين العاطلين عن العمل، ولو كان قطاع غزة مزدهرا اقتصاديا لما وجدت جماعة الاخوان المسلمين فرع فلسطين المسماة حركة حماس موطئ قدم فيه، ولو كانت الحكومة المصرية او الجزائرية او المغربية او اليمنية او الاردنية تضع في اول اولوياتها التنمية الاقتصادية في المدينة والريف لما وجدت جماعة الاخوان المسلمين في هذه البلدان وباقي الجماعات الاسلامية الارهابية الجهادية من القاعدة والسلف نصيرا لها في تلك البلدان.
ولو لم تكن السودان كل شيء فيها ” زفت” الا الشوارع لما تمكنت عصابة البشير وجماعة الاخوان المسلمين من اختطاف السودان وتهميش اهله وقواه السياسية.
ولو لم تقوم سياسة الشاه على خدمة تجار البازار الاثرياء، وترك ملايين الايرانيين فريسة للفقر والجهل والمرض، لما تمكن اصحاب العمامة السوداء من الملالي من “السادة” وممن “قدس الله سرهم” من سرقة ايران، منذ 30 عاما، تفاقمت خلالها مشاكل الفقر والجهل والمرض، ليظل هذا الثالوث حاضنا للارهاب الطائفي الذي يسعى الى تعميم المذهب الشيعي في العالم الاسلامي. كمقدمة لاستعادة امجاد الامبر اطورية الفارسية.
وهكذا الامر في مختلف البلدان التي يسميها البعض ب “الاسلامية” وهي تسمية غير صحيحة لانه لا يجوز اطلاق تسمية دينية على بلد ما حتى لو كان غالبية سكانها يدينون بديانة معينة، وهذه التسمية لا تستخدم الا في البلدان ذات الاغلبية المسلمة، فالصين واليابان وجزء من الهند ومعظم دول جنوب شرق اسيا تدين بالديانة البوذية، ولكن لا تستخدم هذه الدول تعبير البلدان البوذية ، كما ان البلدان الاوروبية والتي يدين معظم اهلها بالديانة المسيحية تخلت منذ الف سنة عن تسمية نفسها بالبلدان المسيحية.
نرجع للموضوع لنقول ان كل البلدان التي اغلب سكانها مسلمون من تركيا الى باكستان الى اندونيسيا الى بعض دول اسيا الوسطى، بالاضافة الى الدول العربية، لم تنمو التيارات المتطرفة والجماعات الطائفية، وجماعات الاسلام السياسي فيها، الا بسبب انتشار الفقر والجهل والمرض ، وفشل النخب السياسية عن التعامل مع هذه المشاكل الكبرى، كون هذه النخب لم تكن وما زالت الا ممثلا لمصالح الطبقات الثرية.
ولذلك فان القضاء على أم المؤمنين سميرة وأمثالها في العراق والدول الاخرى، والقضاء على القاعدة ومن على شاكلتها من منظمات القتل والارهاب، وتحجيم وتقزيم وعزل تيارات الاسلام السياسي مثل جماعات الاخوان المسلمين وحزب التحرير والسلف بمسياتهم المختلفة وعلى راسهم الوهابيون السعوديون، لا يمكن ان يتحقق الا اذا تمكنت القوى الحية في هذه المجتمعات من وضع البرامج والسياسات الكفيلة بالقضاء على الفقر والجهل والمرض. لتجفيف ما يسمى بمنابع الارهاب، ومحاصرة ام المؤمنين حتى لا تجد أي امرأة بائسة فقيرة معدمة تجندها للقتل والتدمير، وحتى لا يجد اتباع التيارات السياسية الاسلاموية آذانا صاغية لدى الفقراء والعاطلبن عن العمل في احزمة الفقر المحيطة بالمدن العربية، وفي القرى والنجوع ومخيمات الفلسطينيين، ويفقد الخطاب الاسلاموي قدرته على اشاعة الاوهام والاباطيل والاضاليل، عن خليفة المسلمين المخلص، والمهدي المخلص، والمسيح المخلص.
ان مواجهة أم المؤمنين ومن جندها ومن نظمها ومن يقف ورائها فكرا وثقافة وسلوكا يتطلب ان يخصص المثقفون والادباء والكتاب والشعراء والفنانون والرسامون جهدا رئيسيا لنشر ثقافة البناء، والاعمار والازدهار، ثقافة تشجع على العمل الحقيقي بجد واجتهاد، ثقافة تشجع على اقامة المصانع الجديدة وتطوير القديمة، والارتقاء بالزراعة، وتطوير التجارة، خلق فرص العمل، ثقافة تولي اهتماما بالغا بالتنمية البشرية والارتقاء بقدرة الانسان وخبرته وثقافته.
ان القضاء على أم المؤمنين وامثالها ومن جند
ها ومن يقف ورائها فكرا وثقافة وسلوكا يتطلب، انشاء المئات من مراكز الابحاث، واعادة هيكلة جذرية لنظم التعليم الالزامي والجامعي، وافساح المجال امام مؤسسات المجتمع المدني للقيام بدورها في اجواء من الحرية، وتقديم كل ما تحتاج اليه من مساعدة واسناد، ونشر ثقافة أسرية جديدة تعزز روح المبادرة الفردية، وتهمش السطوة الابوية القمعية، بتعميم اساليب التربية الحديثة التي يكون لكل فرد في المجتمع قيمته ومكانته ودوره.
ها ومن يقف ورائها فكرا وثقافة وسلوكا يتطلب، انشاء المئات من مراكز الابحاث، واعادة هيكلة جذرية لنظم التعليم الالزامي والجامعي، وافساح المجال امام مؤسسات المجتمع المدني للقيام بدورها في اجواء من الحرية، وتقديم كل ما تحتاج اليه من مساعدة واسناد، ونشر ثقافة أسرية جديدة تعزز روح المبادرة الفردية، وتهمش السطوة الابوية القمعية، بتعميم اساليب التربية الحديثة التي يكون لكل فرد في المجتمع قيمته ومكانته ودوره.
وكل هذه المهام الكبرى لا يمكن تحقيقها الا من خلال المؤسسة السياسية العليا أي الحكومات التي تتشكل من افراد يؤمنون بان الغاية القصوى لأي عمل واي نشاط مهما كان نوعه هو سعادة الانسان، ورفاهية الانسان، وارتقاء الانسان. ويؤمنون بان هذه الاهداف العظيمية لا يمكن ان تتحقق الا اذا كانت النخبة السياسية والثقافية تؤمن ايمانا قاطعا بالديمقراطية وحقوق الانسان. وتعمل على نشرها وترويجها في اوساط الجماهير.
وبدون ذلك ستظل بلادنا مبتلاة بالارهاب وسوف تواصل ام المونين وامير المؤمنين وسيد المؤمنين وشيخ المؤمنين، انجاب الارهابين والقتلة والمجرمين، وسوف يظل اصحاب العمامات السوداء والبيضاء يجدون من الفقراء والبؤساء والجهلاء من يمنحهم قدسية دينية ويسبغ عليهم صفات ربانية، ويخضعون طوعا لاوهامهم الخرافية.
ابراهيم علاء الدين