منظمة التحرير الفلسطينية من التهميش والتجويف إلى الإنكار والإبدال
بقلم :- راسم عبيدات
…..أثارت تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل،حول إيجاد وبناء مرجعية بديلة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج،الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام،بما ستؤول إليه الحالة الفلسطينية المنقسمة والمنشطرة على نفسها سياسياً وجغرافياً،وفي وقت هي أحوج ما تكون إليه إلى الوحدة وإنهاء الانقسام،نظراً لوجود مخاطر جدية وحقيقية تعصف ليس بالقضية الفلسطينية،بل بمصير الشعب الفلسطيني،حيث كشف العدوان الإسرائيلي الأخير على شعبنا في قطاع غزة،أن هناك العديد من المشاريع والسيناريوهات المشبوهة الإقليمية والدولية يجري رسمها وإخراجها تصب في خانة تعزيز وتعميق الانقسام الجغرافي والسياسي بداية،على أن يجري لاحقاً تصفية فعلية وكلية للقضية الفلسطينية،من خلال التوطين للاجئين في الخارج والضم والإلحاق للضفة والقطاع،والتطهير العرقي والتهجير لعرب عام 1948 والتهويد والأسرلة لسكان القدس.
وفي الوقت الذي شكلت وحمت ووحدت وعبرت منظمة التحرير الفلسطينية عن كيانية وهوية ووجود هذا الشعب طوال أكثر من أربعين عاماً،فهذا لا يعني بالمطلق أن هذا العنوان هو بمثابة التابو المقدس الذي لا يجوز الاقتراب منه،والعمل على تطويره وتفعيلة وإعادة بناءه وهيكلة مؤسساته وبما ينسجم مع التطورات والإزاحات السياسية الجارية والحادثة في المجتمع الفلسطيني سياسياً ومجتمعياً،ولعل هناك دوافع وأسباب عند رئيس المكتب السياسي جعلته يدلي بهذا التصريح،والتي مهما كانت مشروعيتها فهذا التصريح المتسرع لا يصب إلا في طاحونة تعزيز الانقسام وتبدد وضياع الحقوق،والتي سآتي على ذكرها وتفصيلها.
وللعلم والتذكير فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ النصف الأول من عقد السبعينات وهي ترفع لواء إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية،وأكثر من مرة احتجت على مصادرة واحتكار قراراتها من قبل القيادة المتنفذه فيها،والتي كانت تحولها إلى أداة استخداميه لتمرير هذا القرار أو ذلك،فكان خروجها من اللجنة التنفيذية في عام 1974،ولاحقاً تشكيل جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني،والجبهة الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية،وفي الخروج وتشكيل هذه الأجسام،كانت الجبهة حريصة أن لا تشكل هذه الأجسام بديلاً أو حالة من القطع والطلاق مع عنوان وكيانية الشعب الفلسطيني،واستمرت في النضال الداخلي من أجل تثبيت رؤيتها ووجهة نظرها.
ولعله من المفيد النظر لتصريحات مشعل بعيداً عن زوايا الانقسام والإنكار،حيث الوضع الداخلي الفلسطيني المنشطر والمنقسم لا يحتمل لهذا التصريح غير هذه الحقيقة،حتى لو كان عند مشعل أسبابه ودوافعه الأخرى،وفي الوقت الذي تلتف فيه قطاعات شعبنا الفلسطيني حول هذا العنوان وهذه الكيانية،فإننا نجد أنه من مرحلة أوسلو وما تلاها،أن هناك فئة قليلة حولت منظمة التحرير إلى مزرعة وملكية خاصة،تتحكم في مقدراتها وقراراتها وتعييناتها وتستحوذ على كل شيء فيها،وتمنع فتح أبوابها أو حتى شبابيكها أمام أية تغيرات وتطورات،ناهيك عن تحويلها إلى مؤسسة استخداميه لتمرير هذا القرار أو ذاك،أو إصدار”فرمانات” جديدة،ناهيك عن تقزيم دورها وتفريغها وتجويفها لصالح السلطة ومؤسساتها،والجميع يدرك أن السلطة ابتلعت المنظمة بقرار أصحاب السلطة أنفسهم والذين يتباكون على المنظمة،والجميع يعرف من ألحق سفارات ومكاتب المنظمة في الخارج بالسلطة بدل المنظمة،وكذلك هناك تحنيط وتأبيد لهيئات ومؤسسات منظمة التحرير،والتي باتت غير معروفة مدة صلاحيتها وشرعيتها ودستوريتها،وعدد أعضاء هيئاتها،وبحيث يجري تعويم عضويتها،والتي تحولت إلى أشبه بالهيئات العامة للمؤسسات والأندية،أضف إلى ذلك حالة الشلل والتكلس والفساد والتي تطال الكثير من جوانب عملها وشخوصها.
إذا نحن أمام منهجيين يدمران المنظمة،منهج يريد الاستحواذ على كل مقدرات وقرارات المنظمة،ويحول هيئاتها ومؤسساتها إلى حالة استخداميه وبما يخدم قراراته ورؤيته وسياسته،ونهج آخر يريد حالة من القطع الكلي مع هذا العنوان وتفكيكه لصالح عنوان آخر،وفي كلا الحالتين خدمة مجانية للعدو وقوى إقليمية ودولية،وتبديد وضياع القضية الفلسطينية وما راكمته من مكتسبات ومنجزات على مدار انبعاث هوية وكيانية هذا الشعب.
رغم أن تصريحات مشعل متسرعة،فهذا لا
يعني أن يستمر الوضع على ما هو عليه،وكيل الاتهامات لكل من يحاول أن يجعل الهرم يجلس على قاعدته بدل رأسه،فهناك اتفاق جرى في اذار/2005 في القاهرة وافقت عليه كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني الوطنية والإسلامية،حول ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية،ومنذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة الراهنة لم تجري أية خطوة عملية في هذا الاتجاه،وبقاء الوضع على ما هو عليه غير مقبول،ويفتح ويشرع الأبواب أمام ضرورة طرح بدائل تشكل عوامل ضاغطة وجدية على المتحكمين والمستحوذين على المنظمة،ولكن بما لا يؤدي الى تدمير هذه الكيانية،فمنظمة التحرير الفلسطينية ملك الشعب الفلسطيني بأسره وليس هذه الجهة أو تلك،والتباكي وسكب الدموع على منظمة التحرير،من قبل البعض هو كلمة حق يراد بها باطل،فالتهميش والتجويف والاستحواذ هو وجهه آخر للإنكار والإبدال.
والمدخل الأساسي لمعالجة هذه الحالة،لا يكون بسكب الزيت على النار،بل لا بد من عودة لطاولة الحوار الوطني الفلسطيني،على قاعدة ما جرى الاتفاق عليه في وثيقة الوفاق الوطني- وثيقة الأسرى –واتفاق القاهرة آذار /2005،وبما يفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية على قاعدة المشاركة في القرار لا على قاعدة المحاصصة.
ومن هنا نرى أن تصريحات الأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس،حول بناء المرجعية الفلسطينية البديلة كانت متسرعة ولها مدلولات ومعاني خطيرة،ولكن هذا لا يلغي أو يمنع من استنفاذ كافة الخطوات والوسائل المشروعة،التي تلزم من يستحوذون ويستخدمون المنظمة لأهدافهم ومصالحهم،ويغلقون أبوابها وشبابيكها أمام كل المحاولات الجارية من أجل إعادة بناءها وتطوير وتفعيل هيئاتها ومؤسساتها وتطوير أداءها وتطهيرها من كافة الأدران بأشكالها ومسمياتها العالقة بها .
راسم عبيدات
القدس- فلسطين
1/2/2008