رشيد شاهين
لم تكن الساحة الفلسطينية والفلسطينيين وبعد كل هذا الذي جرى منذ استيلاء حماس على السلطة في قطاع غزة في شهر حزيران يونيو من العام الماضي، وما حدث في الأشهر العجاف الطويلة التي تلت ذلك، ومن ثم هذه الحرب المجنونة المجرمة التي شنتها دولة الاغتصاب، وما خلفته من قتل بدون تمييز طال كل شيء في القطاع الصامد من أطفال ونساء وشيوخ وبنى نحتية وكل ما له علاقة بالحياة، لم تكن بحاجة سوى أن يخرج علينا السيد خالد مشعل بنيته تشكيل منظمة أو إطار أو أي شيء ليكون بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية.
الواقع إن فلسطينيا واحدا لم يكن ليعتقد ولو للحظة واحدة، بان هذا ما كان يمكن للسيد مشعل أن يقوله أو أن تتفتق عنه قريحته، بعد كل هذا الذي جرى، وخاصة هذا الشلال من الدم الذي نزف من أطفال وحرائر أبناء الشعب الفلسطيني في القطاع ليروي ارض القطاع الطاهرة، كما إن فلسطينيا واحدا لم يكن ليعتقد بان هذا الذي جرى سوف ينتهي إلى مثل هذه الدعوة التي لا يمكن أن يقال عنها سوى انها لم تأت في محلها أو في موعدها والتي بات من الواضح انها لا تحمل في طياتها نوايا طيبة.
عندما قامت حركة حماس بالاستيلاء على قطاع غزة قدمت من الأعذار والأسباب ما اعتقدت بأنه يعطيها الحق ويخولها القيام بتلك الخطوة، التي من دون شك، تسببت في شرخ لم يكن مسبوقا في التاريخ الفلسطيني على مدى سنوات نشوء هذه القضية، كما انه تسبب في مآس لا يمكن النظر إليها إلا على أنها كانت كارثية بكل المقاييس. وبرغم ذلك فقد كان هناك من يبرر هذا الاستيلاء على السلطة في القطاع والانفراد به، وكان هناك من يمكن أن يتفهم ذلك خاصة في ظل ما خلفته الكثير من الممارسات التي تمت عندما كانت فتح تستفرد أو تنفرد بالسلطة منذ توقيع اتفاق اوسلو سيء الصيت والسمعة والذي لم ينتج عنه سوى ما نحن عليه الآن.
لم نكن نعتقد ولو للحظة أن يكون السيد مشعل ينتظر كل هذه الأشلاء والدماء، من اجل أن يستخدمها فرصة للانقضاض على منظمة التحرير الفلسطينية، لا بل كنا نعتقد بان هذا الذي جرى في قطاع غزة من دمار وتقتيل للأهل والأحبة، سوف يكون الرافعة التي من خلالها يتم جسر الهوة التي لم تكن بهذا الاتساع أو العمق أبدا، وكنا نعتقد بان المجزرة الصهيونية سوف تساعد الجميع وعلى رأسهم السيد مشعل وحركة حماس أن يبادروا إلى كظم الغيظ والتوجه إلى مصالحة فلسطينية فلسطينية بدلا من تعميق الهوة والبحث عن أسباب تساهم في زيادة الفرقة والتشظي.
كنا سوف نفهم لو ان السيد مشعل قال بأنه لن يذهب إلى الحوار إلا بعد أن يتم الاتفاق على ان الأولوية لبدء الحوار أن يتم النظر في موضوع إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير لا إلغاؤها، وكنا سوف نتفهم لو ان السيد مشعل طرح شروطا من اجل أن تكون “حصة” حماس بهذا القدر أو ذاك، أما ان يخرج السيد مشعل ليرقص على الجراح وكأنه كان يتمنى هذا الذي حدث من اجل أن “يبق البحصة” التي لا شك انها كانت موجودة لديه منذ زمن، فهذا ما لا نعتقد بان أحدا يمكن أن يوافق عليه أو أن يتفق معه.
نحن لا نعيش في كوكب آخر، ولا يمكن أن نقول إن منظمة التحرير بشكلها ووضعها وأدائها الحالي هي أقصى طموح الفلسطيني، والجميع يعلم بان منظمة التحرير الحالية وبمن تشكل أو تمثل من فصائل لم تعد هي ذات المنظمة التي كانت في الماضي، لكن لا نعتقد بان فلسطينيا مخلصا يمكن أن يوافق على شطب هذا الكيان، هكذا، لان حماس تعتقد بأنها حققت انتصارا تاريخيا على العدو الغاصب.
إن محاولة شطب الآخرين وتاريخهم ومحاولات منعهم أو الأخذ عليهم التغني بالتاريخ المشرق الذي حققوه خلال مسيرتهم ليس هو الحل، هذا عدا عن ان من حق أي كان أن يتغنى بتاريخه وبإنجازاته، وإلا ما معنى أن يتم التغني بالتاريخ العربي والإسلامي وببطولات بدر وأحد وصلاح الدين وخالد
بن الوليد. أن يتم شطب التاريخ للآخر واعتبار انه بدا فقط منذ أن قامت حماس لا يمكن أن يكون مقبولا من أي كان، لان هذا ليس سوى تزوير للتاريخ ليس إلا.
بن الوليد. أن يتم شطب التاريخ للآخر واعتبار انه بدا فقط منذ أن قامت حماس لا يمكن أن يكون مقبولا من أي كان، لان هذا ليس سوى تزوير للتاريخ ليس إلا.
إذا كانت حماس وعند استيلائها على القطاع اعتقدت بأنها تقوم بالعمل الصحيح، فإنها على أي حال لم تقم بالممارسات الصحيحة فيما يتعلق بإعادة الوحدة لشطري الوطن، هذا عدا عن انها وبعد الدعوة أو النية التي أعلن عنها السيد مشعل لا تزال مستمرة في غيها، وليس في الإمكان أن تحل الإشكالية القائمة الآن بهذا الشكل، لان الجميع لاحظ بدون أدنى شك ان دعوة السيد مشعل شطب المنظمة لم تلق سوى الرفض والاستنكار حتى من بعض ألاعضاء المرموقين في حركة حماس، هذا عدا عن الرفض الذي أبداه حلفاء لحماس وفي مقدمتهم الإخوة في حركة الجهاد بالإضافة إلى الرفض الخجول من الجبهة الشعبية القيادة العامة.
منذ فترة طويلة لم تتوقف حركة حماس بشكل عام عن توجيه تهم التخوين واتهام الآخرين بالتنازل عن فلسطين، أو ان هؤلاء يتجهون إلى فعل ذلك، وهي على أي حال تبقى اتهامات تميزت بها الساحة الفلسطينية منذ فترة طويلة، فما أن يختلف هذا مع ذاك إلا ويبدأ بكيل الاتهامات التي ليس اقلها التخوين والارتباط بالأجنبي، إلا أن كل هذه الاتهامات التي يتم توجيهها سرعان ما تتلاشى لتجلس الأطراف المتنازعة وكأن شيئا لم يكن، وفي هذا السياق وإذا كانت حماس تعتقد بان الأطراف الأخرى التي تتمثل منها المنظمة هي ليست سوى أطراف رهنت نفسها للأجنبي، إذا فان من غير المعقول أن تكون هناك مصالحة في الأفق، حيث إن من غير الممكن أن تتم المصالحة بين من يعتبر انه لا يزال متمسكا “بالثوابت الفلسطينية” وبين من باع الوطن والقضية وارتضى لنفسه أن يكون مطية للأجنبي. ونحن لا نعتقد بان من المفيد أن يتم الاستمرار في سوق وتسويق مثل هذه الاتهامات، خاصة إذا كان هناك أي أمل في المصالحة في المستقبل سواء القريب أو البعيد، لان هذه الاتهامات سوف لن تكون سوى أسباب لإدانة من يروجون لمثل هذه الاتهامات.
قبل أن تنتهي الحرب المجرمة على قطاع غزة كنا قد طالبنا بان تتخذ السلطة مواقف بحجم الحدث وألا تكتفي بإصدار البيانات وكأن ما يجري في القطاع يحدث في قارة أخرى، وذكرنا بان انتفاضة الحجارة التي شملت الأرض الفلسطينية كلها، كانت بسبب استشهاد ثمانية من العمال في جباليا، وبالتالي قان من غير المقبول أن تقف السلطة أو أن تتخذ مواقف لا ترتقي إلى كل هذا الدم الذي يراق على أيدي دولة الأجرام ضد أبناء فلسطين في القطاع.
بعد أن انتهت المجزرة الصهيونية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والدور الذي قامت به كل الفصائل المقاومة في التصدي للعدوان، لم يعد مقبولا كل المحاولات لتجيير هذا الصمود لهذا التنظيم أو ذاك، ومن المعيب أن يتم تغييب ادوار الآخرين، هذا عدا عن تغييب العامل الأهم بالصمود والمتمثل بأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بشكل عام، ولا يمكن قبول تغييب كل الدم الفلسطيني وأشلاء الرضع والحوامل والشيوخ، والقول بان أحدا لم يكن في ارض المعركة سوى حركة حماس، ونحن هنا لا نحاول الانتقاص من الدور الذي لعبته الحركة، لان من حقها علينا أن نقر بما قامت به من تصد للعدوان، وهي قدمت من الشهداء الذين نقف إجلالا واحتراما لتضحياتهم، ولا يمكن إلا أن نفعل، لكن وبالمقابل على حماس أن لا تحاول أن تنسب كل هذا الصمود الذي جرى على ارض القطاع لها وان تقول أن لا احد كان في “الساحة” سواها.
وبعد أن انتهت المجزرة فان من غير المعقول أو المقبول أن نسمع هذا الذي سمعناه وسمعه العالم من السيد مشعل، إلا أن هذا الذي سمعناه وإذا ما أريد لنا أن نكون أكثر صراحة وعلنية ومباشرة، يرسخ ما يردده الكثير من الناس من أن حماس -والدين السياسي بشكل عام- التي أتت من خلال خيار ديمقراطي لا تؤمن بالآخر، وقد ثبت ذلك من خلال الاتصالات التي قامت بها حماس خلال تشكيل الحكومة الأولى بعد نجاحها في الانتخابات، والتي لم يشارك بها أي من الفصائل الفلسطينية، ليس لان هؤلاء لم يرغبوا في المشاركة، بل لان حماس لم تكن ترغب في ذلك بحسب كل الذين تم التفاوض معهم في حينه.

0;
0;
التصريحات التي أشار فيها السيد مشعل إلى انه يرغب في تشكيل بديل للمنظمة إنما ترسخ رغبة حماس في السيطرة على الآخر، وان تكون سيدة الموقف في الساحة الفلسطينية، ومحاولة إلغاء أو شطب المنظمة ليس سوى الشاهد الأخير على ان السيد مشعل إنما خلع القناع الأخير الذي توارت خلفه الحركة منذ تأسيسها، وما الحديث عن الحوارات والمصالحة والتغيير والإصلاح سوى شعارات لذر الرماد في العيون، منظمة التحرير جزء لا يتجزأ من التاريخ النضالي المشرف للشعب الفلسطيني، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يتم إلغاء أي جزء من التاريخ الفلسطيني، خاصة إذا كان مشرقا، نحن لا نختلف حول موضوع الإصلاح في المنظمة، وأنها بحاجة إلى إعادة بناء وتفعيل وصياغة، لكننا نعتقد بان على الجميع أن يدافع عن كينونة المنظمة – لأنها الممثل الشرعي والوحيد لهذا الشعب بغض النظر عن أعضائها- بكل الطرق المتاحة على ألا يكون ذلك سوى بالطرق الديمقراطية والحوار وليس باللجوء إلى السلاح أو بأي مظهر من مظاهر القوة كما فعلت حماس في سيطرتها على قطاع غزة.
1-2-2009