د. وسام جواد
لا داعي للبحث عنهم بين الحفر, ولا في المغارات وبين الصخر, ولا في الوديان وبين أكوام الحجر, ولا في الصحارى أو قاع البحر, ولا في المستفعات أو سفح النهر, ولا في الغابات أو تحت الشجر, ولا في الخيام أو قصور الحضر, فالساقطون موجودون بين كل أجناس البشر, وقد سقطوا كما شاؤوا لا كما شاء القدر . أقذرهم من خان شعبه وساوم وغدر, وأحقرهم من ذم قومه وبالغريب افتخر, وأنذلهم من جعل رفاقه جسرا وعبر, وأذلهم من إحتمى بالعدو ساعة الخطر, وأرخصهم من مدح الغزاة وبالمال ظفر, وأبغضهم من تاجر بالدين وبالله كفر, وأتفههم من تقلب في المواقف َوانحدر, وأسخفهم من بالغ بحقيقة حجمه فصغر, وأشقاهم من خسر المعارك واندحر, وبقي مصرا على أنه إنتصر, ويا ليته أطلق الرصاصة وإنتحر .
لقد فوجئ العراق بأعداد الساقطين, من أقصى اليسار الى اليمين, شيوعيين وبعثيين وقوميين, وقادة أكرادٍ معروفين, تعاون أكثرهم مع الغازين . وليس الحال بأفضلَ في الدين, فقد إبتلي بحفنة معممين , نجحت في جذب المساكين, وخدعتهم بأنهم من الداخلين, الى جنة أعدت للمتبرعين, فتمكنت من جمع الملايين, وأثقلت الأموال جيوب الطائفيين, وظلت التفرقة تدق الأسافين, بين المذاهب وطوائف المسلمين, على نحو لا يليق بالمؤمنين, ولا يرضاه رب العالمين ..
والعجب من بعض اليساريين, أمَرّ في السياسة من البعثيين, وأكثر جهلا من الأميين, وأبطأ في الفهم من المتخلفين, وأقرب مسافة الى الرجعيين, وأبعد حصافة عن الثوريين, زعموا أنهم من المُجددين, ولتطوير النظرية من الساعين, وعلى درب فهد من الماضين, وأنهم على ثقة ويقين, بتحقيق وطن حر بوجود المحتلين, وشعب سعيد بحلفاء أمريكيين, وأن المقاومة طريق الإرهابيين, ولا خلاص للشعب من الهمجيين, إلا بالدخول مع المشتركين, في عملية سياسية للمتاجرين, بدم الشهداء وكبرياء العراقيين, وبرروا سلوكهم بمرونة الدياكتيكيين, في أسؤ نظام في القرن العشرين, وأبشع مرحلة مُنذ خلق التكوين, لأجشع طبقة كتب عنها ماركس ولينين ..
ويا عجبا بعد ما جرى وصار, لقيادة فشِلت في صنع القرار, وعجَزت عن إجتياز إختبار, تطلب الثبات منها لا الفرار, لكنها توارت عن الأنظار, ووجد بعضها الحل في الفرار, وبعضها استسلم طوعا لأشرار, تاركين مصير الشعب للاقدار, ولمن تلذذ بفرض الحصار, وتسبب في القتل والدمار, ودنس الأرض واحتل الديار, وهَجّر ورَحّل أهلها الأخيار, فيا لخزي الهزيمة ويا للعار, ويا بئس من يمثلهم المختار, ومن عَبرَ المحيطات والأنهار, ووجد في أوتاوا المفر والدار, وراح يكتب عن النثر والاشعار, وعن فك الطلاسم والأسرار, ويتنبأ بما يحدق من أخطار, ومن زوابع سياسية وإعصار, ناسيا أن من صمد في الدار, يحق له وحده إتخاذ القرار, وأن الشعب سيحقق الإنتصار, وإن طال الليل وتأخر النهار, ومن بللته قطرات الأمطار, ليس كمن عذبته السنة النار .
في مصرَ فرعون أسموه مبارك, لا رحم الله أمثاله ولا ُبارك . فقد تآمر على جاره, وخطط للجريمة مع مَن زاره, وقبل التهديد في عُقر داره, وجوع غزة وشدد حصاره, ووضع الأسلاك فوق جداره, وعلى الجياع فتح ناره, ولتصفية الأباة أطال إنتظاره, وفي الخارجية أطلق أشراره, فراحوا ينشرون علل أفكاره, ويرقصون على أنغام مزماره, وينعقون نشازا على غراره, لكن شعبه إستهجن قراره, وعزم على أن يغسل عاره. ولن يقبل أبناء الكنانة, بذل السكوت على المهانة, وعلى حكومة أنذال جبانة, رئيسها لم يصن الأمانة, قضى عمره ضالعا في الخيانة, وبقائه في الحكم عنوان الإهانة ..
وفي بلاد يسمونها السعودية, حكومتها في الأصل يهودية, ومَليكها أبله آل سعود, نبيه لا محمد بل داوود, وهو خائن الحَرَمين, وخادم البوشيَن. يحيط به جيش من الأمراء, يعيشون في رعد وثراء, تعذر على علم الإحصاء, تحديد نسبة المرضى بينهم الى الأصحاء, فجلهم حمقى وسذج وأغبياء, وأصحاب فضائح بلا إستثناء, وعشاق لهو وطرب وغناء, ورواد مراقص في الليالي الحمراء . أولهم في السِجل زيرُ نساء, لا تفارقه الفياجرة في المساء, وآخرهم سخي في العطاء, لا في المساجد على الفقراء, بل في النوادي على كل شقراء, لا الخجل يمنعه ولا الحياء, فالفساد مستفحل بين الوزراء, ومنتشر في الخارج بين السفراء. أما عيون الشعب, فشاخصة نحو السماء, وبتقوى القلوب يُتلى الدعاء, لعل الله يسمع صدق النداء, وينقذ الناس من هذا الوباء, فأمة محمد من هؤلاء الساقطين براء.
وفي فلسطين, فقدت الشرعية سلطة, رئيسها واقع في ورطة, وتعيينه كان أسوء غلطة, تكاد حماس تصيبه بجلطة, لفشل إسقاطها ضمن خطة, لذا توجب أن يحمل الشنطة, ويبحث لنفسه عن محطة, ويبدأ من هذه النقطة, فلا الاحتلال سينقذه ولا الشرطة, وغزة عرين للأسود لا لقطة ..
لن يقتلوا في أمتنا الأمل.. لا بدس السم الزعاف في العسل, ولا الاخذ بالأحضان وتوزيع القبل, ولا بمن سقطوا ويسقطون بلا خجل,ولا بمن لجأوا الى الخِداع والحيل, ولا بمن تاجروا بالدين واحترفوا الدجل, ولا بمن كالحرامي اذا حط ونزل, تلقى ضربه جزاء بالقنادر ورحل . وستنهض الأمة شامخة كالجبل, رغم ما مر ودار وحصل,لا التعب سيوقفها ولا الملل, وسيأتي من يصلح فينا الخلل, ومن يداوي مُزمنات العلل, ومن اذا حكم بين الناس عدل, ومن اذا قال قولا فعل, واذا سار فلا يعرف الكلل, والعِبرة لا بمن سار على عجل, بل من تأنى وتريث فوصل ..