ميسلون هادي
يمكن القول إن الكثير من الخوارق والمستحيلات التي نراها الآن على الشاشة في أفلام الرعب والخيال العلمي، كانت بذورها موجودة في “ألف ليلة وليلة”، وظهرت في تلك القصص على شكل مخلوقات أسطورية ينتمي بعضها إلى الأنس وأخرى إلى الجن وأخرى جسدها خيال الكاتب على شكل غيلان وطيور متوحشة ونملات بحجم الكلاب وفواكه تبكي وحجارة تمغنط وأزهار تضيء وحيّات تتكلم وجبال من البلور ومسافات أطوالها بعشرات السنين ومخلوقات أطوال أذنابها بمسافة عشرين سنة وبشر ينقسمون إلى أنصاف، كل نصف منها يمشي في اتجاه وعماليق رؤوسهم في السحاب وأقدامهم تحت التراب ورؤوس بلا أبدان وأبدان بلا رؤوس وأقوام تطير وأشجار أغصانها تشبه رؤوس بني آدم، فإذا طلعت الشمس تصيح تلك الرؤوس جميعاً وتقول في صيحاتها واق واق.. سبحان الملك الخلاق.
كما يمكن القول إن الكثير من قصص الأطفال التي أصبحت الآن من كلاسيكيات أدب الأطفال، مثل “قطر الندى” و”سندريلا” و”بيتر بان”..، مأخوذة أو مقتبسة من قصص “ألف ليلة وليلة”. كذلك فإن خوارق وخرافات أخرى من هذه القصص ، يمكن أن تكون قد شكلت نوى لأدب الخيال العلمي الذي لم يزدهر إلا بعد “ألف ليلة وليلة” بقرون. وهنا يمكن الإشارة إلى بعض هذه الخوارق بكثير من الدهشة والعجب وكيف تم تخيّلها في عصر لم تكن فيه عجائب التكنولوجيا ووسائل الإتصالات وفنونها قد عُرفت بعدُ على أرض الواقع. فمن هذه الخوارق التي ورد ذكرها في “ألف ليلة وليلة” طاقية الإخفاء التي يعثر عليها حسن البصري، وفرس الأبنوس الذي يطير بالأميرة مرجة بين بلاد فارس وصنعاء اليمن وبلاد الروم، والفارس المصنوع من النحاس الذي يحرس مدينة الموتى ويتحرك باللوالب للإشارة إلى الاتجاه الصحيح، والسرير الطائر الذي يعود بعلاء الدين وزوجتيه ياسمين ومريم من روما إلى مصر بعد أسره من الروم وجعله يخدم في الكنيسة مدة عشرين سنة. والقصة الأخيرة تحديداً استفاد منها، باعتقادنا، الكاتب أمين المعلوف في روايته التاريخية “ليون الأفريقي” حين يجعل بطلها المسلم حسن محمد الوزان يتأسر على يد بحارة صقليين في عرض البحر وهو في طريق عودته من حج بيت الله الحرام، فيقدمونه هدية إلى البابا ليون العاشر في روما حيث يعمده باسم جان – ليون الأفريقي ويلازم تلك المدينة عشرين سنة لحين سقوطها.
كما زخرت “ألف ليلة وليلة” بقصص الجن والعفاريت، بعضهم شرير والآخر طيب، وأشهر تلك العفاريت وأكثرها كرماً وأريحية هو عفريت (أبو السعادات) الذي ينقذ (معروف الإسكافي) من ورطة مؤكدة بعد أن يجيء هذا الأخير من مصر الى بغداد هرباً من زوجته ويتزوج من ابنة الملك زاعماً أنه تاجر غني من أصحاب الأموال والذخائر والمجوهرات، ولكن أمره ينكشف بعد حين فيهرب من بطش الملك ويلوذ بمدينة قريبة يعثر فيها على خاتم سحري فيغتني ويرجع مرفوع الراس من جديد بفضل العفريت (أبو السعادات). وهذا العفريت شأنه شأن كل عفاريت “ألف ليلة وليلة” يقضي في محبسه عقوبة أبدية يفرضها عليه النبي سليمان عليه السلام لعنةً وغضباً، ولكن ما أن يتنفس هذا العفريت هواء الحرية مرة أخرى على يد محظوظ من المحظوظين ، حتى يبادر إلى التوبة ووضع كل خدماته طوع بنان هذا الشخص المحظوظ الذي يفرك الخاتم وينقذه من محبسه، فيقول له “شبّيك لبّيك.. عبدك بين إيديك” ويفتح له مغاليق الخزائن ويبني له القصور في لمح البصر ويحوّل الأعوان إلى خيول وعربات ومماليك، والتراب إلى جواهر وفضة وذهب.
خلاصة القول أن كتاب “ألف ليلة وليلة” يزخر بأروع صور الخيال الجامح، وأعجب ما يمكن للإنسان أن يفكر فيه من غرائب وخرافات صيغت في قصص وحكايات أسطورية تجري أحداثها في بغداد والبصرة وبلاد فارس وبلاد الروم والصين والهند والحبشة وبلدان أخرى مجاورة لبلاد العرب. وكم جميل لو أن داراً فنية تقام لـ”ألف ليلة وليلة” لتحول ما يصلح من هذه الحكايات الى افلام ورسوم متحركة وتقدم الدمى التي تمثلها على مسرح مشابه لموقع الاحداث، فتصبح هذه الدار مرأى (بانوراما) لهذه الملحمة الأدبية الخالدة وتكون شاخصاً فنياً كبيراً يزوره الصغار والكبار ويربط روعة الحاضر بسحر الماضي.