بقلم: يوسف احمد
كاتب فلسطيني – لبنان
سكرتير اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني
مع إنتهاء الحرب العدوانية التي شنها جيش الإحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة والتي إستمرت 22 يوماً وذهب ضحيتها نحو 1350 شهيدا وما يقارب 5500 جريح إضافة الى الدمار الكبير الذي خلفه العدوان في مختلف مدن ومناطق ومخيمات قطاع غزة. لا بد من التوقف أمام جملة من التساؤلات والحقائق.
– أولى هذه الحقائق ان الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها قدمت نموذجاً رائعاً في الصمود والتضحية والمقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي وآلته الحربية رغم إختلال موازين القوى والتفوق العسكري لجيش الإحتلال الإسرائيلي وإستخدامه كافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً كالفوسفور الابيض وقنابل الدايم التي ما زالت مجهولة حتى هذه اللحظة، بحيث شكل هذا العدوان إختبارا لجدوى وفاعلية هذه الأسلحة!! التي تستخدم للمرة الأولى وما تسببه من حروق في الجسم ونزيف كبير يعجز اي طبيب على انقاذ المصابين بها.
رغم ذلك، فلم تستطع اسرائيل تحقيق اهدافها ولم تكسر إرادة الشعب الفلسطيني الذي ما زال صامدا في ارضه يؤكد بحقه وبقدرته على مواجهة الاحتلال.. حيث لم يتمكن من وقف إطلاق صواريخ المقاومة التي استمرت بالسقوط على المدن والمستعمرات الإسرائيلية حتى اليوم الأخير من العدوان، هذا ان سلمنا ان العدوان الاسرائيلي كان يستهدف وقف اطلاق الصواريخ من قطاع غزة.
وعلى المستوى السياسي، فشل العدو في إستغلال هذا العدوان لفرض حلول إستسلامية سبق لشعبنا وان رفضها، وان النتيجة الوحيدة بعد العدوان، هو اصرار جميع الفصائل على رفض منح اسرائيل في السياسة ما عجزت عن تحقيقه بقوة آلتها العسكرية.
من هنا نستطيع القول ان حكومة أولمرت قد فشلت وانهزمت في هذه المعركة التي حاولت أن توظفها في أكثر من جانب ولا سيما على صعيد الداخل الإسرائيلي بما يتصل بانتخابات الكنيست الإسرائيلي التي ستجري في منتصف شهر شباط المقبل، ومحاولة توظيف هذه الحرب من قبل الثلاثي “أولمرت، باراك ، ليفني” في مواجهة رئيس الليكود بنيامين نتنياهو ومحاولة حصد نتائج العدوان في المعركة الإنتخابية لصالح حزبي كاديما والعمل. إلا أن رياح الحرب لم تجري كما اشتهى جنرالاتها الذين لم يحصدوا سوى الهزيمة رغم بشاعة جرائمهم وقتلهم للأطفال والأبرياء من أبناء قطاع غزة.
ثاني هذه الحقائق هي إنكشاف مناورات العدو الصهيوني والإدارة الأمريكية التي زعمت ان الحرب العدوانية لا تستهدف الشعب الفلسطيني وانما تستهدف هذا الفصيل أو ذاك فقط، وهو إدعاء روجت له الدعاية الاسرائيلية والامريكية ووقعت في فخه بعض وسائل الاعلام العربية التي سرعان ما بدأت الوقائع الميدانية تشير الى عكس ذلك. فجاءت النتائج لتكشف زيف وكذب هذا الإدعاء من خلال عديد الشهداء من القادة الميدانيين والمقاومين من مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية بالإضافة الى مئات الأطفال الذين سقطوا بفعل الأعمال الإجرامية لجيش العدو الصهيوني الذي لم يستثن احداً.
ثالث الحقائق التي انكشفت أيضاً في هذا العدوان هي تواطؤ العديد من العواصم الغربية، وحتى العربية، مع الإحتلال الإسرائيلي وحربه العدوانية والتصريحات العلنية التي صدرت عن بعض قادة هذه الدول الذين إعتبروا العدوان الإسرائيلي على غزة بأنه دفاع عن النفس!! تدعم هذا الاستنتاج، بما شكل تشجيعا للاحتلال على الاستمرار في عملياته العدوانية دون اي رادع من المجتمع الدولي الذي عجز عن اتخاد قرار يلزم الاحتلال بوقف حملته العسكرية العدوانية.
بالإضافة الى ذلك فإن حالة التشرذم والإنقسام العربي الذي شهدناه طيلة فترة العدوان قد لعبت دوراً كبيراً في إطالة أمد العدوان فغاب الفعل الرسمي العربي الموحد نتيجة صراع المحاور وحرب القمم العربية الذي عطل القيام بأي عمل وجهد عربي مشترك وترك الشعب الفلسطيني فريسة للعدو الصهيوني الذي إستغل الإنقسام العربي لإستكمال عملياته العسكرية .
والسؤال المطروح هنا هل كان المجتمع الدولي والأنظمة الرسمية العربية ينتظرون حرباً يتم فيها إبادة الشعب الفلسطيني بأكمله لكي يتحركوا؟ وهل الجرائم التي إرتكبها العدو الصهيوني من قتل وإبادة وإستهداف المدنيين بشكل مباشر بالصواريخ من الجو والبر والبحر وإستخدام القنابل الفسفورية والإنشطارية لم تكن كافية للتحرك الجدي لوقف العربدة الإسرائيلية التي ضربت بعرض الحائط كافة القوانين والمواثيق الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860؟!
اما على صعيد الوضع الفلسطيني فلا بد من طرح جملة من التساؤلات التي فرضت ذاتها ولا زالت تضغط على الحالة الفلسطينية التي تعيش في وضع لا تحسد عليه. ألم يكن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كافياً لإعلان إنهاء الإنقسام الفلسطيني والتوحد السياسي
والميداني في مواجهة الحرب العدوانية الإسرائيلية ؟
والميداني في مواجهة الحرب العدوانية الإسرائيلية ؟
ولمصلحة من بقاء الحالة الفلسطينية متشرذمة ومنقسمة على ذاتها واستمرار الصراع السلطوي بين حركتي فتح وحماس، وكأننا في دولة مستقلة ذات سيادة، علما ان الجميع تحت سقف الاحتلال المادي المباشر سواء في القطاع او في الضفة. بل ان الانقسام شكل احد الاسباب الرئيسية في تمادي اسرائيل في عدوانها، نظرا للتداعيات الخطرة التي سيتركها العدوان على صعيد المزيد من التشرذم على الوضع الداخلي الفلسطيني.
إن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما تسبب به من كوارث إنسانية واجتماعية كبيرة وهائلة تملي على الجهات الفلسطينية المتصارعة ان تستجيب لنداء الشعب وقواه الوطنية من زاوية وطنية شاملة بعيداً عن المصالح الفئوية الضيقة.
فما خلفه العدوان من دمار كبير في كافة مناطق القطاع وتدمير المنازل والبنية التحتية وتشريد الآلاف من المواطنين الذين لا يزالون دون مأوى. لا يحتمل المناكفة الفصائلية والصراع بين سلطتي رام الله وغزة على حساب آلام الجرحى والمشردين. لذلك نقول ان محاولة طرفي الصراع الإمساك بملف اعادة الإعمار والتفرد فيه عمل خطير سيؤثر بشكل سلبي على مصالح المواطنين ويعيق لملمة جراحهم بالإضافة الى آثاره السلبية في العلاقة مع الجهات والدول المانحة التي ابدت استعدادها للمساهمة في اعادة الاعمار .
وعليه فإن الاستحقاقات التي يعيشها شعبنا الفلسطيني ما بعد الحرب العدوانية على قطاع غزة تتطلب الإستجابة فوراً لنداء الوحدة الوطنية والتوجه الى حوار وطني فلسطيني شامل من أجل إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية على أساس برنامج القواسم المشتركة وليس على أساس برنامج هذا الفصيل أو ذاك.
فشعبنا الفلسطيني ما زال في مرحلة تحرر وطني ولا بد من شراكة حقيقية في صنع القرار، وكما تشاركت الفصائل الفلسطينية جميعها في مقاومة العدو الإسرائيلي في قطاع غزة وقدمت جميعها التضحيات والشهداء فيجب أن تكون جميعها شريكة في صنع القرار، عملاً بمبدأ ” شركاء في الدم شركاء في القرار”، لأن قطاع غزة او الضفة الغربية ليست ملكاً لهذا الفصيل أو ذاك وليس بمقدور طرف لوحده أن يتفرد في اتخاد القرارات الوطنية التي تمس الحقوق الوطنية وكافة جوانب الحياة لشعبنا الفلسطيني.
وعليه فقد آن الأوان لمعالجة كافة الملفات والقضايا الخلافية على صعيد الوضع الداخلي الفلسطيني من خلال انجاح الحوار الوطني الفلسطيني بالإستناد الى وثيقة الوفاق الوطني واتفاق القاهرة بعيدا عن الشروط المسبقة التي تعطل الحوار، لأن شعبنا اكتوى من نار الانقسامات، ولم يعد قادراً على تحمل هذه السياسات المدمرة التي تلحق الضرر بشعبنا وصموده وقدرته على مواصلة نضاله ومقاومته من اجل استعادة حقوقه الوطنية المشروعة وفي مقدمتها انهاء الاحتلال الاسرائيلي من كافة الاراضي المحتلة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وفقاً للقرار الدولي رقم 194.