بقلم: سهام البيايضة
لابد ان البعض قد سمع او لم يسمع باسم المواطنة الكويتية لطيفة الرزيحان.
كلمة المواطنة هنا علامة فارقة, الى انها خليجية ,كون ان كل من هو خليجي مواطن ,وكل من هو غير خليجي اجنبي,هكذا جرت عادة العرب من المحيط الى الخليج .
ساجرد هذه المراة من كل الالقاب والمسميات واقترب منها لأناديها ب “لطيفة “.. لطيفة فقط.
لقد “ابت” لطيفة الا ان تدين وتستنكر مواقف بعض النواب الكويتين المؤيدين, لحركة حماس قائلة :”ان بعض اعضاء مجلس الامة يبيعون من خلال تأيدهم حركة حماس, دم الشهداء الكويتين الذين ضحوا بارواحهم فداء لتحرير وطنهم من الاحتلال العراقي, بأبخس الاثمان “, داعية النواب الى :”تقوى الله في وطنهم الكويت والكف عن جمع الاموال من المواطنين لارسالها الى (حركة الخونة) في فلسطين”,ويذكر ان المهرجان اقيم تحت شعار “غزة انتصار..شكر واعمار)…الى هنا واكتفي .
تسمرت امام الخبر والصورة ,ولجمني تخبط مشاعري بين الاستنكار والحزن.بين التعاطف والرفض,بين الصرعة والهدوء,….من يلومني؟؟..من يلومها ؟؟..خبر صريح واضح ,وردت فعل مرتجلة ,عفوية , لسيدة عربية.. لم تخضع لترتيبات ولا لبرتوكولات الكياسة والسياسة.وتحضيرات الاجتماعات والخطابات الرنانة..انه غضب الالم .
طبعت الخبر والصورة على ورقة ,واخذتها بعيدا عن المواقع والتعليقات ,لاجلس انا وهذه السيدة المجروحة ..المتالمة بعيدا.. انا وهي فقط,اتمعن بتفاصيلها, وادقق بتعابيرها, واستحضر الغضب المرسوم في عيونها وحركات جسدها, ولغة المكان والزمان حولها ,وانتشار التعابير عبر مساحات اللون في الصورة ..يا الله: ..ما هذا الغضب الحزين ؟؟,دموعي عبرت ,وسكوني اطبق ..يا الله:..كن معنا!!
“لطيفة” ,سيدة في منتصف العمر تقريبا.-ربما انا وهي في نفس العمر,او قريبا منه- ولا بد انها ام لابناء وبنات لم تسنح لهم ” مفاهيم العروبة” ان يلتقوا بخالهم ,الذي فقدته امهم في الاجتياح عام 1990 .
سواد ملابسها وغطاء رأسها ,يحمل نفس لون الحزن الرابض فوق كيانها, ما فارقها طوال تلك السنين ..انه بعمر الشباب في التاسعة عشرة ..لم يشيخ بعد ولم يهرم بعد.
أما وشاحها ..فهو بلون الدم, الذي لا يزال ينزف من ذلك الجرح الحزين..انه احمر!..اما شالها الابيض الذي تلوح يه, فهو انتشار لهذا الحزن الساكن وتعبيرا واضحا عن الرفض ,ودعوة لتركيز الانظار على جدار الغضب الذي بنته في وجدانها, استنكارا لفقدان اخيها ,رفيق البيت والملعب.
ادعوا الله ان يكون في عون هذه السيدة, التي فقدت اخاها ابن امها وابيها ,رفيق طفولتها ,واحق الناس بالعبث بجديلة شعرها ..وشدها ليثير حنقها !!
انه مشهد عربي يحمل هم الامة, وقهرها, بمسميات وطنية مختلفة ,وباختلاف ادوات القطع والبتر والقتل والتقاء الالم والنزف ..والغضب.
اعلن ,ولائي للطيفة ,ليفوق كل الولاءات الوطنية والاقليمية وحتى العربية ويفوق كل ولاءاتي للقادة العرب باختلاف انظمتهم ومملكاتهم وجمهوريتاهم واماراتهم.
اهتمامي بلطيفة ,يفوق اهتمامي بالاتفاقيات والمباحثات والقمم العربية ,انه الاهتمام بالجرح العربي والغضب العربي فوق الارض العربية وتحت سماءها.
الجرح الذي سكن قلوب النساء العربيات وجعل صراخهن يملاء ارجاء الارض استنكارا وتعبيرا صارخا ,لسع الوحدة وقتل التضامن, وانسانا انفسنا, ونحن في هم رتق الجراح وجمع الكلمة.
اعود واقراء كلمات لطيفة باحرفها العربية وبمعانيها التي اختلفت اختلاف المكان والزمان .
لطيفة, قالت :”غزة” ..هناك في غزة جراح تنزف, واشلاء تناثرت واجساد احترقت ونساء جمعن اشلاء اولادهن واشقاءهن في صرر ..كصرر حاجات الهاربين من الاحتلال عام 1948 وعام 1967 في فلسطين .وصرر العراقيات الهاربات من الاغتصاب عام 2003 .
لطيفة قالت:”زبالة”..انها نفس الكلمة التي استخدمتها طفلة غزة التي رمت العابها وملابسها في الزبالة,لان رائحة عصف البارود قد اتلفتها وتركت رائحة الموت حولها.
لطيفة قالت:”خونة”…هم من قدم اجساد الشرفاء ليضعوها فوق المشانق ,مقابل حفنة دولارات,وهم من احاط رقاب القتلة والمجرمين بقلائد الذهب والاوسمة ,وهم من دخلوا بغداد فوق الدبابات الامريكية ,وهم من يضعون القطع الالكترونية على سيارات وبيوت المجاهدين لتقصفها طيارات الاباتشي الاسرائيلية ..وهم ..وهم ..ماذا اخبرك بعد؟؟….ما اكثر الخونه فوق الارض العربية!
لطيفة قالت:”باعوا الاوطان”..انها نفس الكلمات التي تعبر عن معاني الاتفاقيات المعلنة والغير معلنة ,وصفقات البترول والانبطاح العربي لثقافة الغرب ومناهجه التعليمية, وركضنا المسعور خلف الشعر الاشقر والعيون الزرقاء, على حساب سمرة الجبهات و والسواعد العربية وعيونها العسلية.
لطيفة قالت:”بخس الاثمان”…انه ثمن العربي والمسلم في سوق البورصات العالمية وفي ملفات الصناديق الدولية ..انه حقا ثمن الدم العربي والجرح العربي الذي لم تستطع الارادة العربية ان تتحرك لنجدته, ورضيت بالدولار ليعوض ألفة الأخ للأخ , وتضامن الحس والشعور والموقف , مع الصمو د و المواجهة ,انه ثمن صرخات الاستنجاد وطلب المروءة العربية عبر التاريخ العربي المعاصر والمصدوم بالذل والتخاذل.
في غزة والضفة .في العراق والمغرب العربي .في الاردن والسعودية وحتى في افغانستان وباكستان وتركيا .هناك سيدات أدمت قلوبهم ادوات القطع والبتر , التي اختلفت وتنوعت ,بين هشاشة وحدة المصير واختلاف الفكر والاتجاهات بين مسميات الفرقة والشرذمة والعصبية الجاهلية: سني وشيعي . ليبرالي سلفي ,وطني اجنبي,اردني فلسطيني .و و كثير
لقد غابت كلمة الله عنا ,ليتسع الجرح وليزيد النزف ..غار الجرح وتعفن في القلوب, فلم نعد نحتمل ,حتى مخارج الحروف العربية في اختلاف لهجاتنا ,وكتابنا ,مرجعيتنا ”القران” واحد!, وغابت كلمة الحق ,فصدمتنا مشاعرنا باننا لا نحمل الا الكره ولا نقبل الا بالاقليمية والتمحور داخل حدود سايكس بيكوا وقرارات الامم المتحدة,حتى تضخمت احزاننا, وقبلنا بحالنا ونسينا اننا امة محمد..امة لا اله الا الله
لقد ادمتنا فرقة الاوطان وحقرتنا الشرذمة ,واصمتنا عن سماع وجع الامهات ,فلا بغداد كفتنا ولا القدس غيرتنا ولا غزة علمتنا ان اليد التي قتلت وان اليد التي جرحت ونفذت ولا تزال تنفذ , ليست باليد التي خططت .
اردنية انا ..وجذوري كركية ,تمتد عبر التاريخ ..وكويتية انت “لطيفة” بعدد حبات الرمل فوق الشواطيء الخليجية ..لقد قتلني حزنك يا لطيفة ..واغضبني غضبك .
اردنية انا فجعني صوت غزاوية تودع ابنها الذي تمزق اشلاء امامها :”فديتك للوطن يمة”
اردنية انا ..لا يزال جسد الشاب الحسيني المجرور في شوارع القدس يتربع في ذاكرتي .
مسلمة عربية كويتية الوطن انت ..داوي أُخيتي جرحك .واكتمي غيضك .
انا وانت,ننتمي الى امة اسلامية ,عقيدتها التوحيد, ورايتها المحبة والسلام ,قتلاها شهداء في ال
فردوس ,مصيبتها في ابناءها كبيرة.
فردوس ,مصيبتها في ابناءها كبيرة.
تعالي ننير شمعة للابناء ,نمسح الجراح ونحتسب الالم, ونعفوا ونسامح وننثر الامل ,
انا وانت ..أخيتي باقيات..وكل هؤلاء راحلون بخزيهم وعارهم, باتفاقياتهم وبزندقتهم, ببترولهم ودولاراتهم .انا وانت ونساء هذه الامة باقيات ,ما بقيت النفوس الطيبة… أخيتي:لن يبراء جرح الامة اذا لم يلتئم جرح لطيفة الرزيحان, ..صدقيني!!