حماس : تشخيص صحيح ومعالجة خاطئة!
بقلم : زياد ابوشاويش
تجاوزنا في مرحلة العدوان كل ملاحظاتنا على خطأ انفراد حماس بالسلطة في غزة عبر معركة داخلية أنتجت واقعاً كارثياً في الساحة الفلسطينية تسببت بقصد أو بغير قصد في تدمير أهم أسس المشروع الوطني بشق الصف وضياع الوحدة الوطنية، وحينها سجلنا أن ما تقوله حماس في تشخيص المرض الداخلي وأسباب إقدامها على فتح معركة الاستيلاء على السلطة صحيحة ولكنها لا تبرر أو تسوغ الحسم ونتائجه الخطيرة، والذي أدى في النهاية شاءت حماس وقبلت ذلك أو لم تقبل إلي تكريس انفصال غزة عن الضفة وهو مشروع إسرائيلي بامتياز وله شواهده في برامج أكثر زعماء الكيان الصهيوني تطرفاً( شارون وليبرمان ).
إذن في الخطوة الكبيرة الأولى لحماس قبل سنتين قامت حماس بالتشخيص بشكل صحيح ولكنها قدمت العلاج الخاطىء، ولن تكفي كل أدلة حماس حول خيانة الآخرين وتنسيقهم مع العدو لتبرير نتيجة كارثية كالتي نشاهدها اليوم، وليس حصار غزة وجوع أهلنا وتعبهم إلا شواهد بسيطة على نتائج تلك الخطوة. وكما يلاحظ القارىء الكريم فقد افترضنا حسن النية في تلك الخطوة من حماس رغم أن هناك معلومات وشواهد تقول أن الحسم العسكري كان مخططاً وجاهزاً منذ فترة طويلة ولم يكن ردة فعل على سلوك مدان ولا يزال من الطرف الآخر.
بعد أن انتهت المجزرة أو تكاد في غزة وبعد انتصار المقاومة بشعبها على آلة القتل والدمار الصهيونية قامت حماس بتشخيص صحيح لتداعيات الحرب وأسبابها ودوافعها، وربما لنتائجها وقد أثنينا على ما بذلته من جهد كبير وقتال مشرف في مواجهة العدوان وقلنا بشكل لا لبس فيه أننا كلنا حماس طالما استهدفها العدو بل وأدنا سلطة رام الله على تقصيرها في نصرة أهلنا في غزة أقله في كبح جماح الناس في الضفة الغربية لتخفيف الضغط عن أشقائهم في غزة، ثم أننا أكبرنا فيهم تقديم الشهداء من القادة وكتبنا صادق مشاعرنا في رثاء الشهيد القائد نزار ريان رحمه الله وطالبنا أن يستثمر نصر غزة باتجاه وحدة وطنية تعطي حماس حقها في المشاركة بشكل فعال ويناسب ما تمثله في الشارع وما حققته في غزة رغم حجم خسائر شعبنا الفادحة.
إن تشخيص حماس الصحيح وتحليلها للأحداث في جوهره الصحيح لم يقدم على ما يبدو إضاءة كافية لقادتها لترى بشكل صحيح أين تتجه بوصلة الطريق نحو فلسطين وحقوق شعبنا وما هي الخطوة أو الخطوات الواجب اتباعها حتى نتجاوز آثار العدوان ونعالج آثارها ونخفف عن شعبنا كل هذا الألم، كما لم تستوعب قيادة حماس كلمات ذلك المواطن الفلسطيني الذي سأله مراسل أحد الفضائيات عن طلباته بعد الحرب وآماله وتطلعاته، وكان الرجل يقف شامخاً فوق أطلال منزله فرد قائلاً:” يصطلحوا وبدناش بيوت “. ألم يلخص هذا الرجل كل المسألة؟ ألم يوضح للإخوة في حماس طريقهم المفترض بشكل دقيق؟ فما بالهم تركوا العلاج الصحيح والمتناسب مع تشخيصهم ليقفزوا إلى خطوة خاطئة ومنحرفة بشكل فج وغير مفهوم وأيضاً لا يبررها ولن يبررها كل الحديث عن خيانة الطرف الآخر أو انحرافه أو غير ذلك من الذرائع التي تذروها بسهولة كلمات أي مواطن فلسطيني فقد أحداً من أسرته أو دمر بيته، بل ويذروها بكاء طفل وعويل امرأة فقدت أعز ما تملك في عدوان همجي حمل عنوان كسر حماس وإنهاء وجودها في غزة وهو في الحقيقة يستهدف كل الشعب الفلسطيني بكل أطيافه بمن فيهم من تتهمهم حماس بالخيانة والتواطؤ الذي قد يتفق معها فيه أغلبية الناس.
إن القفز في الفراغ كما فعلت حماس بالإعلان عن بحثها عن مرجعية وطنية للداخل والخارج يعيد سيرتها في انقلاب غزة وآثاره المدمرة والأرجح أن تكون لهذه القفزة ذات النتائج وربما أكبر، إلا إذا كان ما أعلنه السيد خالد مشعل في قطر من باب ممارسة الضغط على السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية لتحقيق أكبر قدر من المشاركة في السلطة وامتيازاتها؟.
بالمعنى الشخصي أعتقد أن الأمر كله ينطلق من هذه الفرضية يدعمها عدة مؤشرات ومعطيات لابد أن أذكرها ولو سريعاً :
1 – لا تستطع حماس أن تبحث عن بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية أو
تعلن عن ذلك بدون موافقة دول الطوق المعروفة وبالتأكيد هي لم تأخذ موافقة مصر والأردن، وسوريا كما نعلم ليست في وارد فتح معركة من هذا الوزن داخل الساحة الفلسطينية، ولبنان كذلك، وإن اعتقد أحد أن القيادة السورية ستقبل أن تخوض معركة بهذا الحجم عربياً ودولياً وبالأخص فلسطينياً واحتمال نتائجها بعد أن حققت مكاسب دبلوماسية كبيرة في العام الماضي وانفتاحها على العالم بعد الحصار الظالم الذي عانت منه كثيراً، قلنا إذا اعتقد أحد ذلك فإنه يكون واهماً.
2 – منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثل الشعب الفلسطيني بغض النظر عن شخوص قيادتها وتصنيفهم وعلى المتضرر من وجودهم العمل بشكل سليم وشرعي لإزالتهم من موقعهم على رأس المنظمة وليس من العقل أن بيتاً بنيناه بدمنا وبجهد خارق وأوجدنا مرجعية لنا بعد تشتتنا وعبث الأنظمة بنا يمكن أن يلقيه شعبنا هكذا وببساطة حديث الأخ خالد مشعل في تصريحاته العنترية بالدوحة، والتي خيبت آمال أكثر الناس تأييداً لصمود حماس واعتزازاً بشهدائها.
3 – يعرف مشعل وحركة حماس أن اعترافاً بمرجعيته المقترحة شبه مستحيل عربياً ودولياً وهو عند أغلب الفلسطينيين مستحيل بنفس القدر، وبالتالي فليس من الحكمة إضاعة اعتراف أغلبية دول العالم بمرجعية موجودة وان كانت على غير ما نرضى ونحب لمصلحة مرجعية في علم الغيب ومحكوم عليها بالفشل سلفاً مهما كانت قوة حماس ومن يقف وراءها بمن فيهم كل حركة الإخوان المسلمين على سطح المعمورة، وهذا تعرفه حركة حماس قيادة وكوادر.
4 – وجود حركة حماس القيادي في دمشق وفي غزة لا يؤهلها للعب دور حركة فتح في الإطار الوطني ونعلم أن هناك عدة فصائل لمنظمة التحرير لن تقف مكتوفة اليدين أمام خطوة حمقاء كهذه تدمر ما بقي من المشروع الوطني وتكرس الانقسام بشكل نهائي لا رجعة عنه وهذه تعرفها حماس أيضاً ولا أظنها قادرة على تحمل نتائجها. بل أزعم أن بعض حلفاء حماس من خارج المنظمة لا يحتملون طريقة حماس في قيادة التحالف، ونعرف ما لا يجب قوله هنا.
5 – الثورة والكفاح المسلح مع السعي لبناء دولة وشرعية قانونية كالتي انخرطت فيها حماس وشكلت من خلالها أول حكومة لها بعد فوزها المشهود في انتخابات التشريعي يستدعي القدرة على حمل متطلبات ذلك على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والحال أن حماس لا تستطيع حمل كل هذا، وليست حماس فقط لا تستطيع بل كل الفصائل لا تستطيع منفردة حمل مشروعنا، ومن هنا دعوتنا للوحدة الوطنية والابتعاد عن منطق المحاصصة وغيرها.
6 – وأخيراً نلاحظ أن لهجة قيادة حماس وأولوياتها في الداخل تحمل ملامح مختلفة قليلاً عن الخارج وخاصة في موضوع الوحدة الوطنية ولم نسمع أي قائد حمساوي يتحدث عن مرجعية بديلة، وحتى لقاء الأخ هنية مع قناة الجزيرة لم يشر إلى ذلك لا تصريحاً ولا تلميحاً وكان من المفروض في خطوة خطيرة كالتي أعلن عنها مشعل أن تكون قد درست جيداً في غزة أولاً.
إذن فالأمر المرجح أن تكون تصريحات الأخ خالد مشعل للتهويل فقط وهذا ما نتمناه بالطبع وأن يتراجع سريعاً عن تلك التصريحات ليصار إلى البحث عن كيفية تطبيق اتفاق القاهرة وتفاهماتها بخصوص تفعيل منظمة التحرير وترميم خرائبها الكثيرة كما الذهاب بعد ذلك لانتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة تشرف عليها حكومة وحدة وطنية من الجميع وعلى أسس اتفقنا عليها في وثيقة الأسرى المعروفة للجميع، ولن يستثمر شعبنا نصر غزة في مزيد الانشقاق والتقسيم بخطوة كالتي تحدث عنها خالد مشعل، لأنه ليس معقولاً أن نزيد على كارثة تدمير غزة كارثة أكبر بتدمير كل الروابط بين أبناء الشعب الواحد.
إن كان لحماس ملاحظات على الطرف الآخر فلدينا ملاحظات أكثر، وإن كانت حماس تشعر بالغضب على مواقف وأداء البعض أثناء العدوان الهمجي على غزة فنحن أيضاً نشعر بما هو أكبر من الغضب والحزن، وإن كان لحماس طلبات محقة وعادلة وأقر بأن لها الكثير من هذا فنحن سنقف معها في ذلك ولن نتردد في نصرتها. أما أن تخرج عن جادة الصواب وتدمر كل شيء تحت إحساس النصر والاستعلاء وبدون أن ترى مأساة أهلنا ودون أن تأخذ مطالب شعبنا ونداءا ته للوحدة الوطنية فهذا لن نتقبله ولا نرضى به ولا نتمنى أن ترتكب حماس غلطة كبيرة من هذا النوع بعد أن قدمت التضحيات، ونأمل أن تقدم مصلحة الوطن على مصالحها الحزبية وتتراجع عن طرح بدائل لمرجعيتنا الوطنية هي في ا
لمحصلة لن تفيد حماس ذاتها.