لأول مرة منذ إقرار التعددية السياسية في الجزائر، تطفو على السطح أزمة سياسية غريبة، لم نألف مثيلا لها، في كل المواعيد الانتخابية السابقة، فلأول مرة، يفضل غالبية السياسيين من الوزن الثقيل، عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها شهر أبريل القادم، وحتى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لم يفصح لحد الساعة عما إذا كان سيترشح لهذه الانتخابات أم لا، واكتفى بتحريك رجالاته المقربين، وبخاصة منهم عبد العزيز بلخادم الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، للتأكيد على قرب إعلان ترشحه، بل إن بلخادم ذهب بعيدا عندما وجه الدعوة للرؤوس السياسية الكبيرة للترشح لهذه الانتخابات، ودعوة كهذه لم نألف سماعها على الإطلاق، الأمر الذي يؤكد بأن البلاد تمرّ بأزمة سياسية كبيرة، أزمة قد تتعدى في تأثيراتها وتداعياتها، ليس فقط السير الحسن لهذه الانتخابات، بل إمكانية إجرائها أصلا، فمن غير المستبعد في حال استمرار حالة الانسداد السياسي، أن يرفض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح هو الآخر، بعد أن يتيقن بأنه سيدخل وحيدا في سباق الرئاسيات، وسوف لن يتمكن جراء ذلك من إقناع الجزائريين للذهاب إلى صناديق الاقتراع، علما هنا أن بوتفليقة معروف عنه أنه لا يقبل بنتائج انتخابات تكون فيها نسبة المشاركة ضعيفة، وكل المتتبعين للشأن السياسي عندنا في الجزائر، يجمعون على أن نسبة المشاركة في الرئاسيات القادمة لن تتعدى 10 بالمائة في أحسن الأحوال، لأن المواطن الجزائري، الذي علق آمالا كبيرة على الرئيس بوتفليقة، أصيب بخيبة أمل أفقدته حتى شهية العيش داخل البلاد، ودفعت بعشرات الآلاف من الشبان الجزائريين إلى المغامرة بحياتهم عبر قوارب الموت، هروبا من جحيم الحياة والحقرة والظلم….
بوادر هذه الأزمة السياسية تجلت بوضوح مع إعلان الرئيس السابق اليمين زروال عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية، وتأكيده بالقول«لا أكاد أتصور مفهوم الرجل المُلهم أو المُنَزَل كمفهوم لم أؤمن به مطلقا»، فزروال بمقولته هذه اختزل كل مضامين الأزمة الراهنة في الجزائر، ولمّح من جهة أخرى إلى حالة العبث السياسي التي سادت إبان فترة حكم الرئيس بوتفليقة، وحالة العبث هذه، وفي حال تواصلها إلى حين اقتراب الموعد الانتخابي، بمقدورها أن تدخل البلاد إلى مرحلة فراغ دستوري، ستحتم على الجزائريين العودة مرة أخرى، إلى وصفات «لجنة إنقاذ الجزائر»، وتسليم سلطة القرار إلى ما يسمى عندنا ب«المجلس الأعلى للأمن» الذي برع في إنشاء قيادة خماسية للجزائر، سماها ب«المجلس الأعلى للدولة»، غيّبت أهم رمز للبلاد وهو رئاسة الجمهورية، وعصفت بأمن واستقرار الجزائر.
اليوم وقد بدأت تتجلى معالم هذه الأزمة السياسية الجديدة، والغريبة، يتوجب على كل الوطنيين المخلصين في جميع المستويات، أن يبادروا إلى تدارك الوضع قبل انفلاته، ودخول البلاد مرة أخرى في عين الإعصار….
جمال الدين حبيبي