وليد رباح
فيما مضى من الزمن القريب ، كانت لفظة عميل تسبب لاجسادنا الحساسية المفرطه ، نظل نحك اطرافنا عندما نسمعها حتى تدمي جلودنا ٍ، وكأن اسراب القمل قد عششت في ثنايا ذلك الجلد فغدت ثناياه وئلا لتلك الحشرات الصغيرة المؤذية التي تنهب دماءنا وتمتصها دون ان ندري ، وكان ذلك بالضبط ما ينطبق على العميل الذي يبيع ارضه للعدو ، أو يعطي الاجنبي امتيازات لنهب الثروات بحجة الاستثمار ، او يلجأ الى دولة معادية لتعينه على دولته او شعبه ، او يفكر ( مجرد التفكير) بان يكون عينا للمختار في قريته او للحكومة على رعاياها او لكبير القرية على صغارها .
وظللنا كذلك الى ان جاء ( عصر السلام) الذي جعل الكلمة مقبولة في اسماعينا ، لينة على جلودنا ، فلم نعد نحكها ولم نتخيل جموع القمل وهي تنساب في اجسادنا وتعشش فيها تعمل فيها تدميرا وقتلا وفتكا دون ان نحس او ندري ، او اننا نحس ولكننا نبقيها على حالها كي ( تسترزق) من دمائنا . ثم نغمض عيوننا وكأننا لم نحسب او نرى شيئا مؤكدا يذكر .
ثم ظللنا كذلك حتى جاء عصر ( المعارضة العربية) التي رضيت عن طيب خاطر وعن سبق اصرار وتعمد ان تلجأ الى مخابرات اية دولة كبرى لمساعدتها في القفز على كرسي الحكم في البلاد التي هجرتهم وهجروها ، فاصنبحوا في الخارج ( ابطالا) يشير اليهم معارضوا الحكم (أي حكم) بالبنان ويصفهم بالديمقراطيين الذين لا يرضون بالدكتاتورية حكما . وبحكم الفرد اسلوبا .
وبما ان التجربة ( العربية) في القفز على كرسي السلطة علمتنا الحكمة التي تقول ( ان كل امة تأتي تلعن اختها ) فقد اصبح القافزون على السلطة اسوأ من الذين كانوا فيها ، فان كان الحكم السابق يسرق قرشا فانهم يسرقون قرشين ، وان كان في حساباتهم وقت قفزهم على السلطة دينارا اصبح في حساباتهم دنانير .
وبالضبط ، كان هذا ما يريده العدو ، ايصالنا الى حال نقبل فيه بائع ارضه على انه انسان محتاج للنقود ، وعميل العدو على انه موظف اميري يسترزق من معاشه ، وعين المختار على انه (حامل الاختام) والمعارض الذي يريد القفز على الحبال بطل من ابطال المعارضة الذين يتباكون على الشعب الذي يرزح تحت حكم حاكم فرد لعين يجب ازاحته عن الطريق ليأتي من هو اكثر منه دكتاتورية ودناءة .
اصبح الوطن العربي من بعد ذلك غابة تبرر الخيانة على انها عمل شريف . وبيع الارض على انه فتح جديد في عالم بيع العقارات وشرائها ، وتزوير وثائق الارض وشهادات الميلاد وشهادات ( الدكترة) على انه عصر الذئاب فان لم تكن كذلك اكلتك ، و ( الفهلوة) في التسابق على التطبيع امر يجيزه العصر الجديد الذي يعتمد (التسامح) على من غرس السكين في ظهرك وفي ظهر اخيك .. وخلاصة القول ان (مؤخرة) العربي اصبحت مشاعا لكل من يعتليها سواء كان صهيونيا ،، امريكيا ام فرنسيا .. حتى من ابناء جلدتك . ثم نبرر الفعل الشنةيع على انه (حضارة السلام) او الدخول الى عالم القرن الحادي والعشرين بافكار جديدة وعقل جديد .
ومن الغريب اننا اصبنا بحال من ( التطنيش) عز نظيره في التاريخ .. وذلك يماثل ما قرأته مرة في كتاب عن غزو التتار لبغداد ، وصل الحال بالجندي التتري ان يرى جماعة من الناس يجلسون امام المسجد فيقول لهم : انتظروني هنا حتى احضر سيفي من على ظهر الحصان لكي اقتلكم جميعا . وكانوا ينتظرونه حتى يأتي فيقطع رؤوسهم واحدا اثر الاخر ، وقرأت مرة اخرى مقالة عن سفير عربي يتخذ من واشنطن مقرا لسفارته (العربية) كان ماهرا في عزف موسيقى اغنية ( لحن الخلود) لفريد الاطرش على البيانو الذي يقتنيه في بيته . ولا يحلو للسفير ان يعزف اللحن الا عندما كان يشاهد الطائرات الامريكية والصواريخ الحليفة تضرب بغداد ، ويزداد عزفه حلاوة عندما يشاهد الطائرات الاسرائيلية عبر الفضائيات وةهي تصب حممها على رؤوس الشعب الفلسطيني ، وتذكرت فورا (نيرون) الذي احب روما ثم امسك بقيثارته وهي تحترق واخذ يعزف لحنا شجيا لر وما العظيمه .
ثم قرأت مرات ومرات عن كتاب ( كانوا مناضلين فيما مضى) ثم انقلبوا الى مهللين للعصر الاسرائيلي الذي سيحيل الارض القاحلةن الى (جنات ) عرضها السموات والارض وتجري من تحتها الانهار ، واحترت في تصنيف اولئك اي صنف من (الناس) هم .
ثم اخيرا قرأت كيف تتحول مطالبنا الى توافه تضحك العدو قبل الصديق .. فبدلا من ان نبحث اساسيات انشاء الكيان الصهيوني وعدم احقيته في ارضنا المسروقة . بتنا نطالب بفتح معبر هنا وازالة حاجز هناك . وتلك لعمري نهاية امة كانت ثم بادت ..
قرأت كل ذلك وقلت في سري : هذا عصر الاتحاد العام للعملاء العرب . فناموا .. فما فاز غير النوم .