رشا عبدالله سلامة – أطفأت الإعلانات المتكررة، التي أعلمت الجماهير بقرب عرض فيلم توم كروز “فالكيري”، المفاجأة التي كان سيُحدثها لو وجده الجمهور متاحا فجأة في دور السينما بعد ما لا يزيد على عشرة أيام من انتهاء الحرب على قطاع غزة.
عنصر المفاجأة المفترَض في “فالكيري” يكمن في حساسية موضوعه؛ إذ يتحدث عن القائد الألماني هتلر، والذي ارتبط اسمه بمعاداة السامية وارتكاب “الهولكوست” بحق اليهود.
وبرغم أن الفيلم لم يتطرق لهذا الجانب (المحرقة)، إلا أنه كان امتدادا لسعي الأوروبيين والألمان الدؤوب للتبرّؤ والتنكر للنازية وفعائلها. العيون في “فالكيري” نطقت بكل هذا التبرم والاستياء قبل الألسن، إذ إن أقرب أعوان هتلر كان في قرارة نفسه غير مؤمن بمنهجية قيادته للدولة وزجّها في الحروب والصراعات، ليكون قالب الفيلم الذي جمع هذه الأفكار هو محاولة الاغتيال الخامسة عشرة والأخيرة لهتلر، والتي مُنِيَت بفشل ذريع بعد أن تحقق لها النجاح الجزئي بداية.
ولعل وجه الطرافة يكمن في استياء النقاد الغربيين من الفيلم، على اعتبار أنه حصر المعاناة مع هتلر في نطاق الهوية الألمانية، وليس الجرائم النازية، برغم تاريخ بطله توم كروز المؤازر لليهود والإسرائيليين “على طول الخط”، إذ صرّح مرارا بأن اغتيال هتلر كان حلما يراوده منذ الطفولة، إلى جانب تصريحاته التي راجت كثيرا إبان حرب لبنان في العام 2006، عندما قال “العرب مصدر الإرهاب، لم يتركوا أحدا إلا وتهجموا عليه. أتمنى أن تبيد إسرائيل جماعة حزب الله”.
دروس عدة لربما يجدر بالعرب والسينمائيين منهم تحديدا استخلاصها من “فالكيري”، أولها ضخامة الإنتاج المسخّر لظروف العمل كلها، للخروج بقصة تليق بأهمية الرسالة التي يريدها القائمون على الفيلم.
أيضا، فإنه لابد من إيلاء مزيد من الاهتمام للأفلام الموجهة للترافع عن قضايا العرب على غرار تلك التي يترافع فيها الغرب عن ذاته، بدلا من تسخير ميزانيات الإنتاج العربية كلها أو معظمها لأعمال كوميدية هزلية لا تفيد العرب في شيء، بل وتحط من الذائقة الفنية لديهم.
ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك مسلسل “الاجتياح” الذي تحدث عن اجتياح مخيم جنين في العام 2002، والذي أحجمت عن شرائه وعرضه معظم القنوات العربية، ليفوز بعدها بجائزة “الإيمي” العالمية لمستواه الفني العالي وفحواه الإنساني والسياسي.
إلى جانب ضرورة العمل المتواصل على نشر ثقافة سينمائية راشدة لدى الجماهير العربية من خلال اطلاعهم على الرسائل التي ترنو هذه الأفلام لإيصالها، كما توعيتهم بمواقف هؤلاء “النجوم” الهوليوديين حيال قضاياهم، وهو ما لا يعني هجر أفلامهم، بل على العكس: مشاهدتها بحذر لاستخلاص جميع ما تريد قوله.
ثمة أفلام عالمية كثيرة تتحدث بشيء من الحيادية عن قضايا العالم العربي لعرضها في دور السينما العربية، إن كان العذر هو أن هوليود لا تلبث تستحوذ على شباك تذاكر السينما، تماما كما هنالك ثقافة سينمائية واعية من الممكن ترويجها بين صفوف الجماهير العربية إن كان لابد من عرض الأفلام الهوليودية التي لا نميز غثها من سمينها.