أي أولويات يتصارع عليها الفلسطينيون؟!
بقلم : زياد ابوشاويش
بدايةً نوضح أننا نقصد بالفلسطينيين طرفي الخلاف فتح وحماس الحركتان اللتان تمثلا الأغلبية حتى الآن في الشارع الفلسطيني. وللمتابع فيما يطرحه ممثلوا هذا الطرف وممثلوا ذاك الطرف سنعرف كم نحن الفلسطينيين في مأزق كبير، بل كم من الحماقة يحمل قادتنا والناعقين باسمنا في عقولهم، ومن العمى والضلال في قلوبهم. ممثلوا حماس ومن يجاريهم في موقفهم يعتبرون أن المصالحة الوطنية وإعادة الروح للعمل الجماعي في الساحة الفلسطينية هو مؤامرة ورجس من عمل الشيطان بذريعة أن الظرف الصعب ونتائج العدوان على القطاع تحتم أن نضع الأولوية للإعمار وإيواء الناس، وبمعنى أوضح تقول بمحو آثار العدوان قبل أي شيء، وفي هذا الإطار تتحدث عن التهدئة لعام ونصف وعن المشاركة في معبر رفح …إلى آخر ما هناك من قضايا تساعد حماس على نيل جائزة انتصارها في غزة وفشل العدوان الإسرائيلي عليها. وتوضح حماس وحلفاؤها قصة المؤامرة بأنه كان هناك اتفاق مسبق مع العدو الإسرائيلي حول خطة إسقاط حكم حماس في غزة والإتيان بقوة بديلة سواء كانت من السلطة أو عربية أو دولية، وأن دعوات الحوار والمصالحة هي ذر للرماد في عيون الشعب لتغييب أولوية إعادة الاعمار وخلط الاوراق على حد تعبير الدكتور رمضان شلح أمين عام حركة الجهاد الإسلامي.
في المقابل تتحدث فتح عبر قياداتها ورموزها المعروفة وبعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية عن أولوية مطلقة اليوم هي عودة الوفاق الفلسطيني عبر حوار مصالحة شامل يقود لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على إعادة الاعمار في قطاع غزة وتحضر لانتخابات تمهيدية بعد ستة أشهر أو الوقت الذي يتفق عليه المتحاورون، وقد تم ربط ذلك بمواصفات لهذه الحكومة المؤقتة تستطيع فك الحصار ولا تجلب لشعبنا المزيد منه على حد تعبير عزام الأحمد رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي. وتوضح فتح وبعض رموز سلطة رام الله في سياق طرحها لهذا الرأي بأن حماس والفصائل المقيمة قياداتها بسوريا تتعمد التهرب من استحقاق الحوار والمصالحة لوجود مؤامرة إقليمية تستهدف منظمة التحرير الفلسطينية والشرعية الفلسطينية الممثلة فيها وفي سلطة الرئيس محمود عباس بهدف اقتسام التمثيل الفلسطيني تمهيداً لإلغاء أي دور للمنظمة لاحقاً وأن هذه المؤامرة باتت مكشوفة وتلعب إيران فيها الدور الأول حسب حديث حسين الشيخ أحد قياديي حركة فتح في رام لله.
وكما نلاحظ فإن درجة الحمق وتشويه الحقيقة وحرف المعطيات عن سياقاتها المنطقية هو الذي يغلف خطابي فتح وحماس ويضع الشعب الفلسطيني في محنة لا تقل عن تلك التي حاول العدو وضعه فيها بعدوانه البربري على غزة. لقد سئم الفلسطينيون هذه المماحكات بل أقول الأكاذيب حول الحرص على المصلحة الوطنية وإعادة بناء ما هدمه العدوان من طرفي الخصومة المؤلمة سواء أتت من فتح أو من حماس فالأولى تريد ذات الأمر لكنها تزعم أن ذلك لا يتحقق إلا بالوحدة والمصالحة والثانية ترغب في ذات الأمر لكنها تزعم بأن نتائج العدوان لا تعطي فرصة للمصالحة والناس في العراء وفي حاجة لنجدتهم وبأن ترتيب أوضاع غزة أولوية للتمهيد للمصالحة. ومرة أخرى نلاحظ بأن كل طرف يريد الحل انطلاقاً من مصلحته هو بالذات وأن ينسجم هذا الحل مع أجندته هو بالذات. وبتفصيل أكبر وأوضح فالإخوة في حماس يعرفون أن لا مساعدات يمكن أن تقدم من الأوروبيين أو من السلطات الرسمية العربية لغزة طالما كانت حماس حكومة منفردة في غزة، وبالتالي فإن منطق الأشياء يقول بقبول حماس بالحوار وبسرعة ومرونة كاملة كالتي تبديها في حوار القاهرة مع مصر مباشرة وإسرائيل بشكل غير مباشر من أجل إدامة وقف النار في غزة وتتجاوب مع ترتيبات تبقيها سلطة في القطاع. إذن لماذا ترفض حماس أن تبدأ بالمصالحة؟ من خلال الطرح الذي سمعناه سواء من قيادة حماس أو من شلح ومعه جبريل أمين عام الجبهة الشعبية- القيادة العامة – نجد أن حماس وهؤلاء يسعون لتثبيت مشاركتهم في كل ترتيبات الحل عقب العدوان بما في ذلك معبر رفح قبل أي مصالحة، وبدونها لو أمكن، والدليل حديثهم عن المؤامرة، وانعدام ثقتهم بالطرف الآخر بشكل كامل.
وفي ذات السياق فإن إعماراً لغزة لا يمكن أن يستقيم بدون وحدة صف فلسطينية يتشارك فيها الجميع يداً بيد لمعالجة أو محو آثار العدوان وأن إلحاحية ظروف الناس الصعبة ومآسيهم تفترض التقاء الناس وتصالحهم دون شروط مسبقة وبذات الانفتاح الذي يبديه الطرفان في المفاوضات مع العدو الإسرائيلي أليس كذلك؟
ومن جانب فتح وفريقها ومن يساندها في سلطة رام الله فإنهم يريدون أيضاً المشاركة في نتائج نصر حققه المدافعون عن غزة وإعادة بعض نفوذهم الغابر من خلال المصالحة التي يضعوها كأولوية دون الحديث عن ذلك النصر أو الإقرار به وبضرورة دعم المقاومة أو حتى عمل إجراءات محددة ضد العدو تشعر الطرف الآخر وجماهير الشعب الفلسطيني بجدية تمثيلهم له وجدارتهم بذلك خصوصاً أن واقع الضفة وما سمحت به السلطة أثناء العدوان يشيران إلى شبهات تتعلق بمشاركة السلطة في هذا العدوان بالصمت بداية أو بتبريره لاحقاً مع قمع كل إمكانية لنشوب انتفاضة هناك تخفف الضغط عن أشقائهم في القطاع، ثم أن فتح والسلطة لا تكتفي بذلك بل تتهم الذين دافعوا عن غزة ومنعوا العدو من تحقيق هدفه بأنهم ينفذون أجندة إقليمية تستهدف شرعيتهم المزعومة، وهم بذلك ينحون ذات منحى الطرف الآخر في كيل الاتهامات وإثارة الشبهات وبالتالي يسممون أي جو للمصالحة أو للاتفاق.
ليس لأحد من الطرفين أن يزعم بأن الأمور لا تسير على النحو الذي ذكرناه أو أن هناك حسن نية لدى طرف وانعدامها عند الآخر، بل هناك تشنج في المواقف وسوءها أكثر مما كتبناه حيث لم نعرج على مسلكيات قد تكون فردية من هذا الطرف أو ذاك في غزة وفي الضفة.
الحقيقة أنه لا اختلاف بين عودة الوحدة وإزالة آثار العدوان فهذه تقود لتلك وتلك تعزز هذه ويمكن الشروع وبسرعة في الأمرين معاً لو كان قلب الطرفين فتح وحماس على مصلحة شعبهم، وكما هم متجاوبون مع المبادرة المصرية ويخوضون حواراً جدياً وبغير تأخير لعودة الروح لسلطاتهم في غزة بعد العدوان الصهيوني وبالنتيجة مع هذا العدو فإن الأولى والأكرم للفلسطينيين أن نحاور إخوتنا ونتفق معهم قبل أن نتفق مع العدو، وهذا الكلام ينطبق أو يقال للطرفين وعليهما أن يخجلا من الشهداء ومن هؤلاء الذين قدموا كل شيء لنصرة قضيتهم ومقاومتهم. إن فتح معنية بتقديم ضمانات جدية لمشاركة حماس في كل ترتيبات إعادة الاعمار والبناء والحكومة المقبلة، وفي المقابل على حماس أن تكف عن ترددها وخشيتها من عودة الوحدة الوطنية وتفعيل منظمة التحرير وأن لا تضع أولوية في مواجهة أولوية لا تقل عنها أهمية، ومن هنا لابد أن نبحث عن القواسم المشتركة وخاصة في الشأن والبرنامج السياسي لنسهل على أنفسنا وعلى شعبنا المظلوم طريق الخلاص من كل هذه المعاناة التي يعيشها.
زياد ابوشاويش