عندما نعلم أن 11 دار للمسنين في طريقها إلى الانجاز لتضاف إلى 28 منشاة قائمة حاليا،ليصير العدد بذلك عام2009م،39دار وهو ما يرفع قدرة استيعاب هذه المنشآت من 2123 الى4539 شخصا،بزيادة2416 وحين يطالع المرء ،ما نشرته جريدة الخبر الجزائرية يوم الأحد25جانفي 2009م، عن معاناة المسنين داخل هذه المنشآت وخارجها في الجزائر،يصاب بالدوار في البداية لذلك التناقض بين تصريحات وزير التضامن عام 2005م،لما أعلن عن غلق دور المسنين في آفاق عام 2010م ويتبين إنما جاءت قي إطار حملة استعراضية ظرفية، مع الإشارة إلى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أعلن عام 2005، عن بناء خمسة مستشفيات لفائدة المسنين ووعد بإنجازها قبل نهاية ولايته الثانية في ربيع 2009م ،ولما يرجع المرء إلى قانون حماية المسنين المعد لأحياء الضمير وعودة اللحمة الاجتماعية والتماسك الأسري، ويدرك أنها قاعدة غريبة وضعت من الخيال فولدت ميتة، يصيبه الإحباط والشعور بخيبة الأمل، وتطرح عليه أسئلة عديدة أهم لمن نبني دور المسنين ما دمنا عازمين على حمايتهم؟ ويزداد اليأس أكثر إذا أمعن في بعض تفاصيل كلمة السيدة” سعاد شيخي” رئيسة الجمعية الوطنية للشيخوخة التي هي اقرب إلى واقع هؤلاء وأدرى بمعاناتهم.
قد يتساءل القارئ، قائلا: ما معنى نصوص وقرارات لحماية المسنين في الجزائر؟ والسؤال مشروع،وقد يكون جوابه ما جاء على لسان المحامي الجزائري السيد عمر خبابا:”القاعدة القانونية حينما لا تراعي الظروف الموضوعية للمخاطبين تولد ميتة”.فأغلب القواعد القانونية ولدت ميتة،والمخاطبين سكارى،هاهم يملأون شاشات الفضائيات وساحات الإعلام الخارجي، ويركبون موج النجومية الشديدة اللمعان، ويتغنون ببطولات الأمس،ويتظاهرون اليوم بامتلاك صفات الوطنية والديمقراطية ، والسلوك الإنساني، واحترام الشعب و…الخ.
وإذا كان الظاهر أن أولئك المسنين الذين احتضنهم الشارع مفضلين حياة الضياع والتشرد على ما يعانونه داخل العائلة، وفي جيوب المجتمع، من التخلي وانعدام الرعاية، ونكران الجميل، فإن الحقيقة أبعد من ذلك.وهي في اعتقادنا انقلاب سلم القيم، وضعف النصوص،وموت الضمائر، لدى أولياء أمورنا ،وأولى هذه القيم،وأهم الأوامر الربانية التي هي في مقدور كل واحد منا و يجزينا عليها الله بأفضل الجزاء:”الإحسان”، يقول الله سبحانه وتعالى: “وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين” وهو دليل على النبل، واعتراف بالفضل، وعرفان للجميل، وقيام بالواجب، واحترام السابق بالنعم، ووجود الإحسان ينبئ عن الصفاء، وينطق بالوفاء، ويترجم عن السخاء ؛ به يشترى الحب، ويُخطب الود،بالإحسان تكسب النفوس ،وتتقارب القلوب، وتستعبد الأفئدة حتى، والإحسان عطاء بلا حدود، وبدل بلا تردد، وإكرام لا يضيع ،ولا يلحقه أدى،لكن للأسف،النبتة الطيبة لا تنبت إلا قي تربة طيبة.فالأبناء تمردوا وعقوا وليس من حقهم أن يردوا على ما قدمه آباءهم بالإساءة ، وليس من حق المجتمع أن يدير وجهه إلى من صنعوا سابق مجده وعزته، ليست الإساءة كالإحسان الذي هو فرقان،به يفرق بين الحق والباطل ويميز الهدى عن الشر والضلال،والإحسان بلسم تماسك الأمة ووعاء قوتها.
بالرجوع إلى صلب موضوعنا يمكن القول أن عقوق الوالدين، أمر غير طبيعي في بلد أكثر من 90بالمئة من سكانه مسلمون،وليس طبيعي أن يقابل المسنون بمظاهر عدم التقدير وصور الإذلال والمساس بمشاعرهم وهضم حقوقهم.
وليعلم ولد عباس وجماعته أن المسنين غير معنيين بتضامنه لا من حيث المبادئ الإنسانية،ولا في صورة الدولة الديمقراطية،لأن مستقبلهم محمول في ماضيهم هم في حاجة الى حقوق مدنية تضمن لهم العسش الكريم، فأغلب هؤلاء أفنى العمر عاملا مجدا وشارك في بناء القاعدة الاقتصادية التي أسالت لعاب الطامعين، وزادت من فضول السماسرة لبيعها وشرائها بالدينار الرمزي، ومنهم من أفني العمر رب عائلة ساهرا،وخير ما نقدمه له اليوم مكافأته على ما قدم، اسريا، واجتماعيا، وقانونيا، معاشه،فمن حقوقه كإنسان الحق في الحياة الكريمة والمعيشة المحترمة
وهي مسألة ذات أولوية هامة لا يجب التغاضي عنها أو تجاوزها.
لكن عندما نري هذه الحقائق مغيبة عن عقول المسئولين ، وهي ساطعة للعيان سطوع الشمس في وصح النهار نكتشف أن هؤلاء الشيوخ سيشعرون أنهم أعطوا ثقتهم لمن لا يستحقها، ولا نكون مبالغين إذا قلنا أن المجتمع من حولهم قد يصاب بجرح كبير وعميق وبتضاؤل الأمل في الإصلاح،ما يدفع إلى تراجع الروح الوطنية.
إن استقلال الجزائر و اتساع مساحتها وخصوبة تربتها وتعدد ثرواتها قد حولها التسيير الفاسد ونوايا الانتهازيين من عناصر نعمة لهذا البلد الآمن، إلي أسباب نقمة، إلي رغبة للإخضاع والإذلال والانصياع للآخر،والكره للديمقراطية و الخوف منها،فجاءت عوامل مجتمعة تعمق مأساتنا الوطنية، لقد وردت في كلمة السيدة شيخي، محور موضوعنا شهادة هامة”مجاهدون ومجاهدات وأرامل الشهداء..و..أولياء مسؤولين ،في دور العجزة ؟ “.وهي شهادة على فساد المسؤولين قبل أعمالهم، فمن لم يرحم أباه فكيف يرحم غيره؟،وهي شهادة على ضرب الوطنية في الصميم،فالمجاهد الذي أفنى صحته،وسمح في راحته ووقته وماله في سبيل عزة هذا الوطن موعده”دار العجزة” والشهيد الذي قدم كل ما يملك وضحى بنفسه في سبيل الوطن، مسكن زوجته وابنته ومرساهما دار العجزة،وجزاء ابنه التهميش و الإهانة. أنظر قانون المجاهد والشهيد على سبيل المثال ، فقد جمد مدة 10سن
وات (1999-2009) بحجة أزمة البلاد المالية ؟؟؟ رغم أنه شكلي إشهلري، لا يفيد المجاهد ولا ينفع ذوي الحقوق،.
قد يقول قائل إن هذه حالات ناذرة وشاذة وقد لا يقاس عليها،لكننا نقول أنها حقيقة لا غبار عليها ،فسن أرامل الشهداء اليوم ينحسر بين 49و86سنة، اغلبهن يعانين من أمراض مزمنة،فقدن بيوتهن وممتلكاتهن أثناء حرب التحرير(1954-1962)،وأكثر من 60 بالمائة منهن لم يستفدن من سكن ولا يستطعن شراءه أو كرائه،وللظروف نفسها نجد أبناءهن لا يمتلكن سكنا،فأين تجتمع الأسر’؟ ليقوم الولد بالواجب،وتنعم الوالدة بالعيش الكريم؟ ولد عباس وجماعته يرون الحل في بناء دار العجزة ؟ هل يرضى بوضع أمه في دور العجزة؟ وهل سيجد غدا يوم يجد الجد من يقدم نفسه فداء لهذا الوطن ويترك عياله للضياع ؟ هذا السؤال نترك جوابه لولد عباس، ومعه عباس. ونكتفي بالقول :إن الوطنية ليست شعارا أجوف، وأن الالتزام بالدفاع عن الوطن، ليس كاعتبار الوطن فندقا سياحيا نستخدمه لزمن ، نقضي حاجتنا منه ثم نستبدله بآخر، لأن ذلك الاعتبار يقود حتما إلى فاقة سلوكية وفقر أخلاقي، وترك الرابطة الأسرية والوطنية،إنما سيحول الإنسان إلى محض حشرة بدائية لا قيم لها.
محمد بوكحيل